نبيل محمد
من الغريب أن شريطًا مثل رحلة الشام 2701 لم يذع صيته، ولم تتناوله ألسنة الناشطين والكتاب، وعشاق فئة الكوميديا غير المقصودة، في السينما وغيرها من الفنون، فهذا الفيلم الإيراني الذي يحكي قصة في سوريا، والذي أنتج عام 2018، وسوّق في دور عرض سينمائية في إيران ولبنان خلال العام الماضي، ونال مجموعة من الجوائز في مهرجانات محلية إيرانية، تعجّ تفاصيله بالرسائل الواضحة المباشرة التي لا تبدو فيها وجة نظر إيران من القضية السورية ذات أهمية، رغم بروزها بقوة وكلاسيكية وسذاجة في كثير من الأحيان، بقدر ما تبدو فيه قضية وجود إيران ذاتها في سوريا غير ذات معنى واضح، رغم المحاولات الجادة لإبرازها، ولجعل دور إيران في تلك الحرب أساسيًا وذا أهداف ومعنى واضح. وبعيدًا عن كل الرسائل والأهداف التي يقصدها الفيلم، يبقى تكوينه السينمائي الهش، وأخطاؤه، ومبالغاته، هي النقطة الأهم والمحفِّز الأقوى على مشاهدة الفيلم، بما يصنعه أحيانًا من كوميديا غير مقصودة، تسيطر على الجو العام للفيلم ككل.
طيار إيراني يرفض تسريحه الذي يصدر خلال أدائه مهمات قتالية في سوريا، ليظل إلى جانب والده المقاتل في سوريا أيضًا، ويتعهد الابن والأب بتنفيذ عملية خطيرة تتضمن نقل مدنيين وجرحى وأسرى من تدمر التي يحاصرها تنظيم “الدولة الإسلامية”، باستخدام طائرة ما زالت موجودة في مدرج مطار تدمر، لكن ليس هناك طيار ليقودها. ووقع الاختيار على الطيار الإيراني لسببين وفق ما يشرحه الفيلم، أولها أن الطيارين السوريين كلهم مشغولون ولا وقت لديهم لأداء هذه المهمة، والثاني أن قرعة أجريت بين روسيا وإيران لتنفيذ هذه المهمة، فكانت من نصيب إيران.
وكما توزَّع أدوار الحرب بالقرعة لتبرير وجود الطيار الإيراني في عملية خطرة كهذه، عادة ما يتم التضحية فيها بالمقاتل الأرخص (أي السوري)، يحل الفيلم مجمل عقده ومشكلاته بطرق عشوائية مختلفة، ربما القرعة واحدة من أكثرها إقناعًا. لا مشكلة مثلًا بأن يكون قائد العمليات العسكرية الموجود في تدمر لبناني اللهجة بشكل فاقع وهو الممثل (بيير داغر)، دون أي إيحاء إلى أنه يتبع لميليشيا حزب الله مثلًا، بل هو ضابط سوري يأمر التابعين له بأداء مهماتهم، ويضحي بنفسه لتتمكن الطائرة من الإقلاع.
في الطائرة ينتقل الفيلم إلى حيز مختلف تمامًا من الاضطراب، حيث تنقلب السيطرة وتصبح لـ”داعش”، إذ يتمكن الأسرى من خطف الطائرة وإجبارها على العودة إلى تدمر، وفي خضم تلك المعارك تدور الحوارات التي يبدو أنها رسالة الفيلم الأساسية، التي تعطي التبرير للضابط الإيراني (الأجنبي) لوجوده في سوريا، بينما لا تعطي المبرر ذاته للمقاتل في تنظيم “داعش”، وبالتأكيد يظهر مقاتلو “داعش” بصورة غبية مترهلة، تسيطر عليهم الخلافات، ويقودهم الجهل والوحشية، وهو ما لا يبدو غريبًا، لكن مقاتلين إيرانيين في سوريا هم من يواجهون هذه الحقائق ويكشفونها، فالطيار الإيراني منطقيًا ليست لديه أسباب أقوى من أسباب “أبو عمر الشيشاني” للحضور في هذه المكان.
في خضم فوضى الفيلم، تحضر مجموعة من المشاهد قد يوحي ضعف مستوى الفيلم بشكل عام أنها مرت دون هدف مقصود، لكن يمكن قراءة كثير من المعاني في تفاصيلها، حيث يصرخ ضابط إيراني شجاع بوجه طيار سوري خائف ويجعله يأتمر بأمره بموجب الرتب العسكرية. ويتبع الطيار السوري أمر الضابط الإيراني دون نقاش، بينما يحضر الروس عن طريق طائرتين تحلقان لإنقاذ الطيارين الإيرانيين والأسرى الذين على متن الطائرة، لكنهما يتركان سماء المعركة بشكل سريع بعد أن استهدفهما أحد مقاتلي “داعش” بالرصاص من باب الطائرة المفتوح بشكل دائم، والذي لم يؤثر أبدًا على توازن الطائرة خلال ساعات من طيرانها بمحرّك ناقص كانت قد أصابته قذيفة من “داعش” قبل إقلاع الطائرة.
ممثلون سوريون ولبنانيون وإيرانيون في عمل سينمائي احتفت به صالات العرض في لبنان، مطلقة صفة الضخامة والتشويق عليه. أما في سوريا فيبدو أن الفيلم لم يعرض حتى الآن، وإن عرض ففي إطار ضيق، ولعل ذلك يعود إلى مشهد سجناء سجن تدمر الثلاثة (سياسيان من الإخوان المسلمين وسياسي كردي وفق ما يبدو) الذين يمرّون في الفيلم كضحايا ما زالوا ناقمين على النظام السوري.. رسالة أيضًا لا يمكن البت بمغزاها تمامًا، ففوضى الفيلم بشكل عام أفقدت كثيرًا من المشاهد معناها، وبات المحتوى مضحكًا أحيانًا لمن يقرأ خريطة الصراع السوري ويفهم تفاصيلها. صفة الكوميديا تلك يمكن بوجودها احتمال حضور الفيلم كاملًا.