عنب بلدي – روزنة
انخفضت قيمة العملة السورية إلى أدنى مستوياتها مع بداية عام 2020، وارتفعت الأسعار في سوريا مهددة بجوع وفقر لم يسبق له مثيل خلال سنوات النزاع، لتشهد مناطق تحت سيطرة النظام مظاهرات واحتجاجات جديدة، طرحت احتمالات استبعدت قبلًا.
فما مآلات المظاهرات الشعبية؟ وما مصير سلطة النظام السوري في ظل التدهور الاقتصادي المتسارع؟ وهل من حلول في جعبته؟
بحث برنامج “صدى الشارع“، المذاع عبر راديو “روزنة”، آثار التداعي في الاقتصاد السوري على النظام والمجتمع، ملتقيًا اختصاصيين ومستطلعًا رأي الشارع.
أين وصلت الليرة؟
انخفضت قيمة الليرة 50% منذ النصف الثاني من عام 2019، متخطية عتبة الألف مقابل الدولار خلال كانون الثاني الحالي، بتدهور ارتبط بمشاكل إقليمية وبتداعيات محلية.
اعتبر الصحفي المتخصص بالشؤون الاقتصادية، سمير طويل، في حديثه مع “صدى الشارع”، أحداث لبنان السبب الأول في انهيار قيمة العملة السورية، تليها أحداث العراق، إذ شهد جارا سوريا مظاهرات واحتجاجات شعبية مستمرة منذ أشهر، سببت أزمة للمصارف اللبنانية وتوقف مبيعات النفط العراقية.
وكان للحصار الاقتصادي على إيران، حليفة النظام السوري، أثره كذلك، حسب رأي طويل، إذ توقفت عن إمداده بالتمويل الائتماني للمستوردات، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي معها وما تبع ذلك من عقوبات اقتصادية متلاحقة، خنقت موارد طهران المالية.
حلّقت الأسعار في سوريا نتيجة لذلك التدهور “بشكل جنوني”، حسب وصف طويل، وكذلك معدل التضخم، التي كانت آخر الأرقام المتوفرة له بمعدل 810% عام 2019، حين كان الدولار بـ600 أو 650 ليرة سورية.
غضب الشارع
أثّر ارتفاع الأسعار على المواطنين في سوريا سلبًا، وانتشرت مظاهر امتعاضهم، من خلال مظاهرات خرجت في محافظة السويداء وعبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ولم تتمكن وسائل إعلام النظام من تجاهل الامتعاض السائد في الشارع السوري، واللافت، حسبما قال الصحفي المتخصص بالشؤون الاقتصادية، سمير طويل، هو محاولة النظام امتصاص غضب المواطنين، من خلال تحميل المسؤولية للعقوبات الاقتصادية والضغط على الذي يتعرض له.
وبرر النظام تدهور قيمة العملة السورية بالتلاعب بسوق الصرف السوداء، مع وعوده بمحاسبة المتلاعبين بالأسعار وأسعار صرف الدولار، مع فرض رئيسه، بشار الأسد، مرسومًا في 18 من كانون الثاني الحالي، توعد فيه من يتعامل بغير الليرة السورية بالسجن مدة سبع سنوات.
وأعلنت وزارة الكهرباء عن نيتها تخفيض ساعات التقنين، ووعدت وزارة النفط بتوفير مادة الغاز والمازوت للمواطنين، ولكن كل تلك الاقتراحات “باءت بالفشل”.
كما عمل النظام على تشديد الرقابة الأمنية على صرافي السوق السوداء وضبط الأسعار، إلا أن تلك الإجراءات، حسب رأي طويل، لن تفيد بخفض الأسعار لأنها مرتبطة بقيمة الدولار، خاصة مع تخلي المصرف المركزي عن تمويل المستوردات فالتجار اتجهوا لشراء الدولار من السوق لتلبية حاجاتهم.
واتهم النظام السوري رجال الأعمال بـ”تهريب” أموالهم إلى لبنان ومصر، لا بـ”نقل استثمارتهم”، لتحميلهم مسؤولية انخفاض قيمة الليرة، وحاول تهديد رجال الأعمال للعودة وإعادة عجلة الإنتاج سواء التجاري أو الصناعي.
وأطلق مبادرة رجال الأعمال لدعم الليرة السورية، ولكنه لم يجمع سوى عشرة ملايين دولار من المبلغ الذي كان يستهدفه وهو ثلاثة مليارات دولار، فالنظام لا يستطيع التعويل على رجال الأعمال لدعم الاقتصاد لأنهم ما زالوا خائفين منه ومن ممارساته المحتملة من تأميم المصانع والمصارف وحتى الشركات، حسبما قال طويل.
واعتبر الكاتب والباحث السوري الدكتور زكريا ملاحفجي، في حديثه مع برنامج “صدى الشارع”، أن ما تشهده سوريا بعد الضغط الاقتصادي هو بوادر “ثورة جياع” بالتزامن مع اختناق في الحالة السياسية، بعد عجز حلفاء النظام عن الدفاع لمصلحته.
مستقبل لا تطبق فيه الحلول
يزداد تعقيد الوضع في سوريا يومًا تلو الآخر، حسب رأي ملاحفجي، ويزداد استياء الشارع السوري الذي بدأ يسأم من المشاكل التي وقعت تباعًا على رأسه لأجل الأسرة الحاكمة.
وقال ملاحفجي إنه يتنبأ باستمرار الاحتجاجات و”انفجارها” مع استمرار الوضع بالانحدار نحو الأسوأ، مع تصاعد تهديد قانون العقوبات الأمريكي “قيصر”، الذي يكبل المساعدات المالية والعسكرية والتقنية لحلفاء النظام السوري.
واعتبر الصحفي سمير طويل أن مستقبل سوريا يشير إلى انهيار أكبر لليرة السورية، لأن الضغوط الحكومية ستجبر المواطنين على التمسك بالدولار وعدم التخلي عنه، وفي حال لم ترفع العقوبات الدولية فإن وضع العملة سيزداد سوءًا في المستقبل.
تحولت سوريا من بلد يحقق الاستقلال الذاتي زراعيًا إلى دولة مستوردة، ومن دولة منتجة للنفط إلى مستوردة له، وقال طويل إن 67% من المصانع هاجرت أو دمرت، ومثلها من خسائر القطاع الزراعي، وفقًا للتقديرات الدولية، مع نمو الإنتاج المحلي نموًا سالبًا، ووقوع 83% من السوريين تحت خط الفقر، ووجود تسعة ملايين عاطل عن العمل، ما يجعل الحل الأخير لإنهاء التدهور الاقتصادي، حسب تقدير الصحفي المختص بالشؤون الاقتصادية، هو رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية ما بعد التوافق على حل سياسي.
أُعدت هذه المادة ضمن اتفاقية التعاون بين صحيفة عنب بلدي وراديو روزنة.