يوسف صادق – دير الزور
مقارعة الجوع هو العنوان الرئيسي لأهالي ديرالزور في الأسابيع الأخيرة؛ فبين قرارات متضاربة تصدر عن تنظيم الدولة وحكومة الأسد، لا ينال المدنيون سوى الفقر.
حصار «الدولة الإسلامية» للأحياء الخاضعة لسيطرة النظام تخطى الخمسة أشهر، وتتفاقم أزمة تأمين مورد للعيش في حيي الجورة والقصور إثر قرار أصدرته حكومة الأسد أيار الماضي يُلزم الموظفين لديها بالقدوم شخصيًا إلى دوائر عملهم قبل نهاية الشهر لاستلام رواتبهم؛ وإلا سيعتبر من يتخلف مستقيلًا ويحرم من مستحقاته المالية ويتعرض للمساءلة القانونية، ولربما الملاحقة الأمنية.
تبعات القرار والضغط الذي يلقيه على كاهل الموظفين قد لا يبدو جليًا لغير المطلعين على تطورات المدينة، لكن العارف بتزامنه مع قرار صادر عن تنظيم الدولة يقضي باعتبار من يتردد على مناطق النظام «مرتدًا» وسيتم «القصاص منه» بغض النظر عن دوافعه، يرى الصورة كاملة.
«نضطر أحيانًا للهروب من مكان إلى آخر تبعًا لحدة المعارك، بعد الحصول على الرواتب مسبقًا بإرضاء المحاسبين»، يقول أبو ياسر، موظف في حكومة الأسد، «ليس بحوزة الناس إلا هذه الرواتب ولم يبق لأحد أي مورد مالي… اليوم هذا القرار سيهدد حياتنا، ليس فقط بقطعها بل بالملاحقة الأمنية».
ويبين أبو ماجد، موظف آخر، أن قرار الحكومة يفيد من نزحوا إلى دمشق أو الحسكة حيث يحكم النظام قبضته، إذ يمكنهم من الاستمرار باستلام مستحقاتهم، لكنه يتساءل «ماذا عمن يقبع تحت سيطرة التنظيم أو من اضطر للهرب إلى تركيا؟ سيحرم من هذا كله، وهؤلاء هم النسبة الأكبر».
ويوضح أسامة، أحد النازحين من مدينة ديرالزور إلى ريفها الغربي، «أكثر من ثلثي السكان موظفون في الدولة، وهم الطبقة التي سحقتها الحرب، ولا مورد لهم سوى رواتبهم»، معقبًا «إن كانوا يمنعون الناس من استلام رواتبهم فليتكفلوا على الأقل بدفع معاشات تكفيهم السؤال والعوز»، في إشارة إلى قرارات التنظيم التي اعتبر أنها «لا تصب في مصلحة هؤلاء الذين تقطعت بهم السبل».
التوجه إلى مناطق النظام يكون «خلسة» عبر التهريب وشراء الحواجز والسباحة وطرق أخرى سريّة، وفق ما ينقله أبو ياسر، مؤكدًا أن أحكام الردة الصادرة عن التنظيم هي حكم بالموت، إذ يعتبر الذهاب إلى مناطق النظام ردة مغلظة لا يستتاب فاعلها ولا تقبل توبته، ويبيح التنظيم لنفسه السيطرة على أمواله وأراضيه، إن وجدت.
الموالون للتنظيم يرون في ذلك «إجراءً لا بد منه» كونه يساهم في إفراغ الأحياء الخاضعة لسيطرة قوات الأسد من المدنيين، الذين باتوا دروعًا بشرية في وجه محاولات اقتحامها؛ دون أن يقدموا حلًا لتأمين مورد مالي بديل للمتضررين من هذا الإجراء.