بمناسبة الذكرى 75 لتحرير الجيش الأحمر معسكر الموت أوشفنتز في بولونيا من النازيين ، يُعقد في إسرائيل المنتدى العالمي الخامس لذكرى الهولوكوست في 23 من الشهر الجاري . وعلى الرغم من ورشة التعديلات الدستورية الكبيرة ، التي افتتحها الرئيس الروسي في مجلس الدوما الإثنين المنصرم، وتطال 22 مادة من الدستور الروسي ، والمرشحة أن تجعل من بوتين “المرشد الأعلى” لروسيا ، والإنشغال باستقالة حكومة ميدفيديف ، التي رافقته معظم سنوات عهده ، واستبدالها بحكومة جديدة ، على الرغم من كل ذلك ، سوف يحضر بوتين هذا المنتدى . لكن أهمية هذه التعديلات الدستورية في الإعداد لمرحلة “ترانزيت السلطة” بعد نهاية الولاية الرئاسية الحالية العام 2024 ، فرضت اختصار مدة الزيارة من 3 أيام ليوم واحد ، سوف يتحدث خلالها بوتين ويشكر إسرائيل على دعمها لموقفه في الجدال ، الذي افتعله مع بولونيا وحملها مسؤولية نشوب الحرب العالمية الثانية ، ووصف سفيرها في برلين العام 1939 بأنه “خنزير معاد للسامية”.
وحول برنامج الزيارة ، الذي لم يكتب الكثير عنه في الإعلام الروسي لانشغاله في مناقشة التعديلات المذكورة ، وتبدل الحكومات ، نقلت نوفوستي عن فلاديمير جاباروف ، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الإتحاد قوله ، بأنه نشأ تقليد جيد من اللقاءات الدورية بين بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي ، وبأن المسألة الرئيسية ، التي سيناقشها الرجلان ، إضافة إلى سلسلة من المسائل الأخرى ، هي مسألة الإعداد للإحتفال بالذكرى 75 للإنتصار على النازية . وحتى لو كانت هناك اختلافات في العلاقات بين البلدين ، لكن روسيا وإسرائيل متضامنتان كلياً في هذا الأمر ، وإسرائيل هي البلد الوحيد في العالم ، الذي أقام بعد نهاية الحرب نُصبا لجنود الجيش الأحمر ، الذين “حرروا العالم من الفاشية” ، وليس نصبا لضحايا الحرب ، على قوله . ويؤكد الإسرائيليون في جميع اللقاءات مع الروس ، أنهم لن يسمحوا بإعادة النظر بنتائج الحرب العالمية الثانية “طالما بقوا موجودين” ، وهذا ، برأيه، يساوي الكثير الآن ، حين يحاولون في العالم جعل الإتحاد السوفياتي مسؤولاً أيضاً عن هذا الحدث الرهيب . والزيارة مهمة لأنها ترسل ، مرة جديدة ، إشارة إلى العالم ككل ، بأن كل شيئ باق في الذاكرة ، ولن يتمكن أحد من إعادة كتابة تاريخ الحرب ، على قوله.
يعكس حديث جاباروف التقدير الفعلي الرفيع للكرملين للدعم الإسرائيلي لموقفه في الصراع ، الذي يخوضه ضد موقف الغرب ، الذي تمثل في قرار الإتحاد الأوروبي الخريف الماضي بالمساواة بين الإتحاد السوفياتي وألمانيا النازية في المسؤولية عن اندلاع الحرب العالمية الثانية . ويركز إعلام الكرملين في الفترة الأخيرة على موقف كل من بولونيا وأوكرانيا المؤيد للقرار الأوروبي هذا . فقد كتبت صحيفة الكرملين “vz” ، في تعليق لها على مؤتمر الهولوكوست العالمي في إسرائيل ، مقالة بعنوان “إسرائيل تضع كتفاً مع روسيا في النزاع مع أوكرانيا وبولونيا” . تقول الصحيفة بأن بوتين سوف يتحدث في المؤتمر ، بينما رفضت إسرائيل منح الكلام لكل من الرئيسين البولوني والإوكراني ، مما دفع البولوني للعزوف عن الحضور ، مع العلم أنه سيستقبل الرئيس الإسرائيلي في 27 من الجاري في بولونيا في إطار الإحتفال العالمي بالذكرى نفسها . وتعتبر الصحيفة أن للموقف الإسرائيلي هذا قيمة رفيعة بالنسبة لموسكو ، التي تخوض الآن نزاعات تاريخية حادة مع كل من فرصوفيا وكييف.
وترى الصحيفة أن إسرائيل تصارع ضد إسباغ البطولة على الأوكرانيين المعادين للسامية ، والذين يجعل منهم القوميون الأوكرانيون أبطالاً ، ليس لأنهم معادون للسامية ، في الحقيقة ، بل لأنهم كارهون للروس . وتعتبر الصحيفة أنه ليس من جديد في كون إسرائيل وروسيا حليفتين طبيعيتين في الوقوف بوجه محاولات تشويه تاريخ الحرب العالمية الثانية ، لكنها المرة الأولى ، التي تأتي فيها المساعدة الإسرائيلية على هذا القدر من الوضوح ، وفي وقتها تماماً.
هذه المساعدة “القيمة” ، التي تقدمها إسرائيل للكرملين “في وقتها” ، تعتبرها صحيفة “هآرتس” ، كما نقلت عنها نوفوستي ، إستسلاماً إسرائيلياً أمام سعي بوتين لإعادة كتابة تاريخ الحرب العالمية الثانية . ونقلت الصحيفة عن الرئيس البولوني أندريه دودا قوله ، بأنه لا يفهم لماذا قام الإسرائيليون بتنظيم مؤتمر دولي ، يبدو وكأنه ينافس المؤتمر المخطط له منذ زمن بعيد في موقع أوشفيتز نفسه في بولونيا ، وقال بأنه يقاطع المؤتمر في إسرائيل ، لأنه لم يسمح له بالتحدث فيه.
وتقول الصحيفة ، بان المنظم الفعلي للمؤتمر ، ليست الجهات الإسرائيلية المعلن عنها ، بل هو الملياردير الأوليغارشي الروسي الإسرائيلي موشيه كانتور ، رئيس المؤتمر اليهودي الأوروبي . وتتساءل الصحيفة عما إذا كان هناك من علاقة بين كون كانتور على علاقة وثيقة بالكرملين ، وبين منح بوتين حق الكلام ، ومنعه عن الرئيس البولوني . لا أحد يعترف بذلك علناً ، لكن من تابع تطور التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وبولونيا ، عليه أن يسأل نفسه عمن يمكن أن يكون معنياً في هذا الوقت بالذات بدعم بوتين ، وإزاحة زميله البولوني إلى الوراء ، على قول هآرتس.
مقالة هآرتس هذه ، التي قالت بأن “السياسة القذرة” هي ، التي تقف وراء موقف إسرائيل من سعي بوتين لتحوير تاريخ الحرب العالمية الثانية ، أثارت حفيظة أحد كتبة الكرملين المعروفين إيرينا ألكسنيس. تقول الكاتبة بأن هآرتس قالت عن القمة العالمية في ذكرى ضحايا الهولوكوست ، بأنها خطوة في السياق الراهن تعادل الدعم الصامت لذلك التأويل المشوه للتاريخ ، الذي يقدمه بوتين . وتقول الكاتبة بأن الصحيفة المتهمة بالراديكالية الليبرالية اليساروية والمواقف المعادية لإسرائيل ، تبدو دائماً في قلب الفضائح . لكن ما يهم القارئ الروسي ، برأيها ، هو أن 20% من أسهم الصحيفة تعود لأحد المالكين السابقين لشركة يوكاس النفطية ليونيد نيفزلين المحكوم بالسجن المؤبد في روسيا بتهمة القتل المأجور. وترى الكاتبة أن مقالة هآرتس تعكس حذر دوائر معينة من نجاحين لموسكو : أ) في الترويج لتصور للتاريخ معاد لبولونيا ؛ ب) في إشراك تل أبيب في “تبرئة عامة للشيوعية”.
كان من الطبيعي أن يبرز الهاجس الأمني بمناسبة عقد قمة ، على هذا القدر من الأهمية بالنسبة للكرملين وحربه في الدفاع عن تأويله السوفياتي الراسخ لتاريخ الحرب العالمية الثانية ، وتبرئة ستالين من المسؤولية في نشوبها. تقول صحيفة “NG” ، التي تسمي نفسها مستقلة ، بأن سفن الأسطول الحربي الروسي ، والطيران ووحدات القوات الخاصة العاملة على السواحل السورية ، سوف تتمركز في هذه الأيام في المياه الدولية في جنوب شرق البحر المتوسط ، وذلك للحؤول دون حصول هجمات إرهابية على المشاركين في القمة المعادية للفاشية في إسرائيل ، ومن بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين . وتشير الصحيفة إلى أنه قد جرت في مياه طرطوس بين 18 و20 من الشهر الجاري مناورات مشتركة بين القوات الروسية والسورية ، تدربت خلالها على صد عملية تخريبية تحت المياه لمجموعة إرهابية مفترضة . وتنقل الصحيفة عن خبير عسكري روسي قوله بأن المناورات لم تكن تهدف فقط إلى التدرب على الدفاع عن القاعدة الحربية البحرية الروسية في طرطوس ، بل كانت ضرورية لتنظيم وإعداد تدابير حماية في المياه الدولية عند سواحل إسرائيل ، بمناسبة زيارة بوتين إلى هذا البلد.
كلام الصحيفة هذا يشير إلى مدى الأهمية ، التي توليها روسيا للقمة العالمية في إسرائيل ، التي تضم أكثر من 36 زعيم بلد ومسؤول ، مما جعلها تتجاوز ، كما يبدو ، الحساسية التي يمكن أن تثيرها لدى السوريين ، بمختلف توجهاتهم ، مسألة استخدام قاعدة طرطوس السورية لتأمين حماية الإحتفالات في إسرائيل.