رمضان والأمراض المزمنة.. هل نصوم؟

  • 2015/06/14
  • 1:07 م
رمضان والأمراض المزمنة.. هل نصوم؟

د. أكرم خولاني

مع قدوم شهر رمضان المبارك يتساءل كثيرون من أصحاب الحالات الخاصة، كالحمل والإرضاع والأمراض المزمنة، عن إمكانية صيامهم ومدى تأثير ذلك على صحتهم؛ ومع أن القاعدة الأساسية تقول «إن القول الفصل في صيام المريض أو عدمه يكون لدى الطبيب المسلم المعالج»، إلا أننا سنقدم بعض النصائح الخاصة بكل حالة من هذه الحالات.

الحمل والصيام

بالنسبة للحوامل اللواتي يتمتعن بوزن مناسب ولا يعانين من أي مرض فيمكنهن الصيام بشكل آمن؛ فالجنين بحاجة إلى المواد الغذائية التي تصله عبر أمه، فإذا كان جسمها يختزن كمية كافية من الطاقة فإن انعكاسات الصيام على الجنين تقلّ.

وتعتبر المرحلة الوسطى من الحمل الأكثر مناسبةً للصوم باعتبار أن الأشهر الثلاثة الأولى والأخيرة من أصعب الأوقات التي تمر بها الحامل. ومع ذلك فإن هناك حوامل لا يشعرن بأي انزعاج طوال فترة الحمل وبالتالي يكنّ قادرات على الصيام كغيرهن من النساء.

وفي حال الصيام يجب الخلود إلى الراحة في ساعات النهار، كما يجب الإكثار من السوائل في ساعات الليل، والاهتمام بوجبتي السحور والفطور بالإكثار من البروتينات سهلة الهضم كاللحوم الحمراء والدجاج والسمك والبيض والفاصولياء والعدس، وكذلك الفواكه والخضراوات الطازجة، والبلح والتمر للتخفيف من الإمساك، والإقلال من السكريات والدهون.

ونؤكد على ضرورة كسر الصيام في حال حدوث تعب شديد أو إقياء أو صداع أو دوخة أو خفقان في القلب أو اضطراب في الرؤية أو انخفاض حركات الجنين في المراحل الأخيرة من الحمل.

ماذا عن الإرضاع؟

لا يسبب صيام الأم المرضع أي تأثير سلبي على صحتها أو صحة طفلها، ومع أن كمية إنتاج الحليب قد تنخفض إلا أنها تبقى كافية؛ أما إن انخفضت نسبة الدهون في الحليب، فيعني أن الرضيع سيشعر بالجوع ويزداد طلبه على الرضاعة.

وعندما يكون الصيام في فصل الصيف فإن المشكلة الأكثر شيوعًا التي تعترض المرضع هي التجفاف؛ فإذا ظهرت على المرضع الصائم أي من أعراضه: عطش شديد، صداع، دوخة، دكانة لون البول، يجب أن تكسر صيامها وتشرب الماء وتأخذ قسطًا من الراحة.

وتنصح المرضع بتناول كميات كبيرة من السوائل (8-10) أكواب على مدار ساعات الليل وعند السحور، ويجب التأكيد على أخذ أقساط من الراحة في ساعات الصيام، كذلك الحفاظ على وجبة السحور، وزيادة نسبة الكربوهيدرات (القمح الكامل والأرز والبطاطا والمعكرونة والفول والبقوليات) في الطعام، والإكثار من الخضراوات الطازجة والفواكه في فترة بعد الإفطار، وشرب الحليب وتناول منتجات الألبان والبيض.

وبالنسبة للطفل الرضيع يجب إعطاؤه رضعات كافية على مدار اليوم، والانتباه إلى علامات عدم كفاية الحليب (انخفاض عدد الحفاضات المبللة يوميًا، براز أخضر، بكاء مستمر).

وإذا كان الطفل يتناول أطعمة أو بدائل حليب الأم إضافة لرضاعته من أمه فينصح بأن تشكل هذه الأطعمة والبدائل الجزء الأساسي من تغذيته خلال ساعات الصيام.

هل يصوم مريض السكري؟

ليست هناك قاعدة ثابتة لتحديد إمكانية صيام مريض السكري من عدمه، حيث يختلف القرار من مريض لآخر وفقًا لطبيعة مرضه؛ فالمرضى المتعالجون بحقن الأنسولين ويأخذون جرعة واحدة يوميًا أو جرعتين يمكنهم الصيام على أن يراجعوا أطباءهم قبيل بدء رمضان لتعديل كميات الجرعات ومواعيدها، بينما المرضى الذين يأخذون عدة حقن من الأنسولين يوميا فهؤلاء لا يمكنهم الصيام لأنه يسبب خطرًا مؤكدًا على صحتهم.

أما أولئك المتعالجون بخافضات السكر الفموية (حبوب) فالذين يتناولون منهم جرعة واحدة يوميًا يمكنهم الصيام على أن يؤخذ الدواء قبل وجبة الإفطار مباشرة، والمرضى الذين يتناولون جرعتين فهؤلاء يمكنهم الصيام أيضًا بحيث تؤخذ جرعة قبل وجبة الإفطار وجرعة قبل وجبة السحور على أن تخفض جرعة السحور إلى النصف.

ويجب على مريض السكري الصائم أن يلتزم ببعض القواعد؛ فمن المتفق عليه أن جرعة الدواء الصباحية قبل رمضان تصبح قبل وجبة الإفطار وجرعة المساء تصبح قبل السحور، وعلى المريض أن يتناول ثلاث وجبات يوميًا؛ وجبتين رئيسيتين هما الفطور والسحور ووجبة ثالثة خفيفة بين الوجبتين مع تأخير وجبة السحور إلى ما قبل أذان الفجر مباشرة.

ويجب الإكثار من تناول الماء والسوائل غير المحلاة أثناء فترة الإفطار لتعويض فترة الصيام وتجنب التجفاف.

كما عليه تجنب الإجهاد خلال الساعتين الأخيرتين قبل الإفطار للابتعاد عن انخفاض سكر الدم بشكل زائد، وفي حال ظهور أعراض هبوط السكر (إحساس بالجوع مع دوخة وصداع وتعرق وشعور بالعصبية، اضطراب رؤية ورعشة بالأطراف، تسرع بضربات القلب والنعاس) يجب كسر الصيام فورًا وتناول مادة سكرية وعدم الانتظار حتى لو كان ذلك قبل أذان المغرب بفترة وجيزة.

الصيام يخفف الربو، ولكن!

عادة ما يتحسن الربو خلال الصيام إذ يحسّن كفاءة الرئتين ويساعد على راحة المريض؛ فأثناء الصيام يقل نتاج البدن من الفضلات الغازية التي تطرح عن طريق الرئتين، ما يخفف عنهما العبء ويؤدي إلى تخلصهما من عوامل الإثارة والتهيج.

رغم ذلك قد يصاب المريض بأزمة ربو؛ فإذا كانت خفيفة يمكنه استخدام بخاخ موسع القصبات، وقد أفتى الكثير من العلماء بأن هذه البخاخات لا تعتبر من المفطرات كونها تؤخذ استنشاقًا وتصل عن طريق القصبات إلى الرئتين لا إلى المعدة وبالتالي فهي ليست طعامًا ولا شرابًا ولا شبيهًا بهما. ولكن إذا اشتدت الحالة فترافقت بضيق نفس مع حكة في البلعوم أو ضيق بالحنجرة وقشع لزج يصعب إخراجه عندها يجب على المريض أن يفطر ويتناول كميات كبيرة من السوائل الدافئة ويستنشق بخار الماء الحار.

وأما أزمات الربو الحادة الشديدة (نوبة ربوية) فهي تعتبر حالات طوارئ تستدعي الإفطار وإعطاء السوائل الوريدية وحقن الكورتيزون وغيرها.

ويجب على مريض الربو الصائم أن يستعمل الأدوية بشكل دقيق بين الفطور والسحور حسب تعليمات الطبيب، وأن يتناول السوائل الحارة عند الإفطار، ويشرب كميات كافية من الماء حتى لا يصاب بالجفاف وتزداد بالتالي لزوجة القشع.

كذلك يجب أن يتجنب كل ما يثير الحساسية كالفلفل والبهارات أو الروائح المخرشة والدخان والغبار، إضافة للابتعاد عن بذل أي مجهود جسمي شديد والابتعاد عن الانفعالات النفسية قدر الإمكان.

قرحة معدية عند الجوع

يشكو المريض المصاب بالقرحة الهضمية المعدية أو الاثني عشرية من الألم عند الجوع، فإذا عولجت القرحة وشفيت يمكن للمريض الصيام، ولكن إذا كانت القرحة حادة (آلام عند الجوع، ألم يوقظ المريض من نومه) أو حدثت انتكاسة حادة في قرحة مزمنة أو عند حدوث مضاعفات القرحة كالنزيف الهضمي أو عند استمرار الأعراض رغم العلاج الدوائي فيجب الإفطار في كل هذه الحالات.

الأمراض القلبية.. صيام دون مشاكل

معظم المصابين بالأمراض القلبية يستطيعون الصيام دون مشاكل، بل على العكس؛ يؤدي الصيام أثناء النهار إلى توقف عملية الهضم وبالتالي لا توجد حاجة لكميات كبيرة من الدم في الجهاز الهضمي ما يخفف الجهد عن القلب ويحقق راحة أكبر.

وكذلك يستطيع مرضى ارتفاع التوتر الشرياني الصيام شريطة تناول أدويتهم بانتظام والابتعاد عن الموالح والمخللات وتخفيف ملح الطعام.

ولكن هناك بعض الحالات التي لا يسمح فيها بالصيام كاحتشاء العضلة القلبية (الجلطة) الحديث خاصة خلال أول 6 أسابيع من الإصابة، الخناق الصدري (الذبحة) غير المستقر، قصور عضلة القلب الحاد غير المستقر، التضيق الشديد أو القصور الشديد في الصمامات، والاضطرابات الخطيرة في نظم القلب.

أمراض الكلية والصيام

إذا كانت الكليتان سليمتين فإن الصيام راحة لهما وعافية، ولكن عندما تكون إحداهما مريضة فيصبح ذلك عبئًا عليهما خصوصًا في المناطق الحارة.

ففي حالة الإصابة بالحصيات الكلوية قد تزداد الحالة سوءًا بسبب الجفاف لعدم شرب السوائل بكميات كافية، ولذلك يستحسن عدم الصيام في الأيام شديدة الحرارة، ولكن عند الصيام ينصح المرضى بتناول كميات وافرة من السوائل مساءً وعند السحور، مع تجنب التعرض للحر والمجهود المضني أثناء النهار.

كذلك فإن المصابين بالفشل الكلوي المزمن ينصحون بعدم الصيام، إلا إذا كان المريض يتلقى الغسيل الكلوي فربما يستطيع الصوم في اليوم الذي لا يجري فيه غسيل الكلى.

الأمراض العصبية

يستطيع المرضى المصابون بالصرع أو الاختلاجات أو مرضى الاكتئاب الصيام ما داموا يتناولون الأدوية بشكل منتظم، بينما لا يجوز لمرضى الفصام الصيام خشية أن يؤدي التوقف عن استعمال الأدوية إلى نوبات من العنف والاعتداء على الآخرين.

ونؤكد مجددًا أن تقرير إمكانية الصيام أو عدمه ليس بالأمر السهل، ولا يمكن تقرير قواعد عامة لجميع المرضى، بل ينبغي بحث كل مريض على حدة.

مقالات متعلقة

  1. الصيام من وجهة نظر طبية
  2. صيام الأطفال من وجهة نظر طبية
  3. أصحاب الحالات الصحية الخاصة.. كيف يصومون
  4. الصيام مع الحمل والإرضاع

صحة وتغذية

المزيد من صحة وتغذية