تباينت الآراء حول تبعات القرار الذي أصدرته حكومة النظام السوري أمس، الثلاثاء 21 كانون الثاني، والقاضي بحصر إتمام عقود شراء العقارات والسيارات بالدفع عبر المصارف العامة، ابتداء من منتصف شباط المقبل، وذلك بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
يُلزم القرار المذكور الجهات العامة، ومنها السجل العقاري، ومديريات النقل العامة في المدن السورية، المخولة بتسجيل ملكية العقارات والمركبات بأنواعها، والكاتب بالعدل، بعدم توثيق عقود البيع أو الوكالات المنجزة والدائمة، قبل الحصول على إشعار بتسديد ثمن العقار أو المركبة، أو دفع جزء من مبلغها في الحساب المصرفي للمالك أو لورثة المالك أو للمحكمة، في حال عدم وجود ورثة له.
كما شمل القرار أيضًا حالات تعدد المالكين والمشترين لعقار واحد أو لمركبة بعينها، موصيًا بتقديم تسهيلات للعمليات البنكية، من بينها فتح الحسابات المصرفية لأي مواطن سوري أو لمقيم أجنبي، أو لمؤسسة، سواء كان مقرها الرئيسي في سوريا أو خارجها.
عنب بلدي استطلعت آراء خبراء اقتصاديين وقانونيين للوقوف على آثار قرار حصر الدفع لشراء العقارات والمركبات، عبر المصارف السورية.
“إجراء ترقيعي”.. أم “استقطاب سيولة؟”
يرى مدير “تجمع المحاميين السوريين”، غزوان قرنفل، أن القرار هو “إجراء ترقيعي” و”محاولة غبية” من جملة محاولات لمنع الانهيار الاقتصادي “المحتوم”، ويهدف إلى ضبط آليات البيع والشراء للعقارات والمركبات، وإلزام أطراف التعاقد بالتعامل بالليرة السورية بدلًا من الدولار، والسداد عن طريق المصرف، ما سيزيد الطلب على الليرة ويحسن من سعرها.
ولفت قرنفل في حديث لعنب بلدي، إلى أن المصارف، وفقًا للقرار، ستتقاضى رسوم نقل الملكية حسب السعر الحقيقي للعقار المباع، وليس حسب التقدير المالي للعقار في المالية، وعليه ستحقق عمولة للمصارف نتيجة الإيداع والسحب.
ويرى قرنفل أن القرار ستنتج عنه حالة من “الجمود الكلي” في سوق العقارات، حسب وصفه، مضيفًا أن أصحاب العقارات سيمتنعون عن البيع والشراء، “والمضطر لذلك سيلجأ للالتفاف على القرار بالاتفاق مع المتعاقد معه (البائع) على سعر وهمي للعقار، يُسدد أكثر من 80% من قيمته بالدولار نقدًا، ويكتفى بإيداع ما تبقى من الثمن في البنك، على أنه السعر المتفق عليه للعقار.
الخبير الاقتصادي جلال سلمي، لديه وجهة نظر مشابهة لرأي قرنفل، إذ يرى في قرار الحكومة محاولة لإحداث انكماش في سوق العملة، ما يعني قلة العرض من خلال سحب العملة من السوق، ورفع الطلب على الليرة.
وقد يفضي ذلك إلى تحسن طفيف في سعر الليرة أمام الدولار الأمريكي، وفق سملي، فالقرار ليس بالضرورة مفيدًا للسوريين فقط، إنما يندرج تحت مسمى “الاقتصاد الكلي”، الذي “يفيد القطاع العام والفرد”.
وحول الهدف من حصر البنوك كجهة معتمدة لتسجيل عقود الشراء، كتب المحامي المستقل عارف الشعال، عبر “فيس بوك”، أن القرار محاولة استقطاب الكتلة النقدية الناجمة عن هذه البيوع التي يدخرها الناس، وإيداعها في المصارف، والسيطرة عليها من خلال عمل المصارف على تحديد سقف السحوبات الجاري تطبيقه حتى الآن.
وحدد الشعال طرقًا لما وصفه بـ”الالتفاف” على القرار، وذلك عبر إدراج العقار بصفة “الفراغ” الذي يعتبر “عقد هبة” وليس “عقد بيع”، والاكتفاء بوضع مبلغ رمزي في المصرف كجزء من ثمن العقار الذي تم شراؤه.
المصرف العقاري ينفي
من جانبه، نفى مدير عام المصرف العقاري، مدين علي، حقيقة ما يجري الحديث عنه حول الاستحواذ على السيولة بالليرة السورية، معتبرًا أن القرار “هادف”، وهو لتشجيع العملاء على فتح حسابات مصرفية لدعم عملية الدفع الإلكتروني، التي من المتوقع البدء بالعمل بها خلال الربع الأول من العام الحالي.
وأوضح علي، أنه على العميل الراغب في سحب إيداعاته من الحساب المخصص لشراء عقار أو مركبة، إرفاق توضيح يشرح فيه سبب رغبته في سحب الإيداع، بحسب ما ذكرته صحيفة “الوطن” اليوم، الأربعاء 22 من كانون الثاني.
وحول الوثائق المطلوبة لفتح حسابات الإيداع، أوضح مدير المصرف العقاري، أنها صورة عن الهوية الشخصية وسند الإقامة أو ما ينوب عنها من إثباتات، كاشتراك بخدمة الماء والكهرباء، ومبلغ ألف ليرة سورية.
في حين اعتذر المصرف التجاري السوري عن عدم تطبيق القرار الذي أصدرته حكومة النظام السوري أمس، الثلاثاء 21 من كانون الثاني، والقاضي بحصر الدفع لشراء العقارات والسيارات، عبر البنوك المصرفية، بحجة أن المصرف ليس لديه نظام مصرفي تقني متطور يمكنه من فتح حسابات جديدة بغرض إيداع قيمة العقارات أو المركبات التي ستسجل في البنوك.
قرض الليلة الواحدة
وقال مدير عام المصرف العقاري، مدين علي، إن المصرف يسلم العميل يوميًا ما بين خمسة إلى عشرة ملايين ليرة كحد أقصى لسحب الإيداع، وفي حال الطلب والحاجة إلى أكثر من ذلك، يمكن الموافقة عليه بعد إرفاق العميل توضيحًا يبين فيه سبب رغبته في سحب كامل إيداعاته.
وغالبًا ما تعمل المصارف على تأمين بقية المبلغ المودع في اليوم الثاني أو الثالث من تاريخ تقديم العميل طلبه بالسحب إلى البنك، ولتأمين المبلغ تلجأ المصارف إلى “قرض الليلة الواحدة”.
يعرف “قرض الليلة الواحدة” بالمبلغ المالي الذي تقرضه البنوك المصرفية أو تقترضه من المصارف الأخرى لليلة واحدة فقط. ويكون سعر الفائدة الذي تتم وفقه عملية الاقتراض محددًا وفق نشرة المصرف المركزي.
وتلجأ البنوك المصرفية إلى قروض الليلة الواحدة، عندما تعاني نقصًا في السيولة المالية لضمان استقرار النظام المصرفي والاحتياطي المخصص لها.
وتعرف قروض الليلة الواحدة بتأثيراتها على مختلف المؤشرات الاقتصادية وأبرزها التضخم، إذ توفر طريقة فعالة للبنوك للوصول إلى التمويل القصير الأجل من ودائع البنك المركزي، والاستفادة من أسعار الفائدة القصيرة الأجل.
يزداد سعر الفائدة عندما يصعب تأمين القروض المطلوبة للبنوك المصرفية التي تحتاجها، وينخفض في حال أصبح تأمين القرض المطلوب متاحًا.
وعليه تستطيع المصارف المقرِضة والمقترضة تأمين السيولة اللازمة وتحقيق أرباح للمصارف من سعر الفائدة المفروض على “قرض الليلة الواحدة”، المقدر بين 1% و3% من قيمة القرض، الأمر الذي يكشف فائدة ملموسة للمصارف السورية بتحريك الأموال ورفع نسبة أرباحها.
–