هل وصلت روسيا إلى المأزق؟
ليست المرّة الأولى التي يحصل فيها قتل جنود روس في سورية، لكنها المرّة الأولى التي تجري فيها مثل هذه الواقعة ضمن سياقٍ بات يستهدف الروس أنفسهم، في إطار معركةٍ ستكون نتيجتها، إما انتصار الخط الذي تؤيده روسيا بشكل حاسم ونهائي، أو تؤسس لمرحلة استنزاف طويلة لروسيا وتحالفها الأسدي – الإيراني.
وإذا كانت الترجيحات، حتى اللحظة، تذهب صوب احتمال فوز الطرف الذي تقوده روسيا وتدعمه، انطلاقاً من معطى فارق موازين القوى، فإن الاحتمال الآخر، سقوط روسيا في مأزق الاستنزاف، ينطوي أيضاً على وجاهةٍ يمكن تلمسّها من جملة مؤشراتٍ طفت على السطح في الآونة الأخيرة.
أولاً: لأول مرّة تواجه روسيا طرفاً أو أطرافاً خارجية تُبدي الاستعداد لعرقلة مشروعها السوري، ما لم تأخذ طلباتها ومصالحها بالاعتبار. والمقصود هنا، الولايات المتحدة الأميركية التي يبدو أنها بصدد بلورة استراتيجية مواجهة لروسيا في سورية. ويدلّل على ذلك تعبئة طاقاتها الدبلوماسية والعسكرية في هذا الاتجاه، وثمّة ما يشي باحتمالات تطوير التحرّك الأميركي باتجاه الملف السوري إلى مستوىً يقع خارج التقديرات التي تأسست على فرضية أن واشنطن لم تعد مهتمةً بالمنطقة.
من يراقب تصريحات المسؤولين الأميركيين ولقاءاتهم مع المعارضة السورية في إسطنبول، وتفاصيل المحادثات التي أجروها معهم، لا بد أن يكتشف الفارق في السلوك الأميركي تجاه الملف السوري، والذي وصل إلى حد التلميح بإمكانية تزويد المعارضة السورية بالأسلحة في حال إصرار روسيا ونظام الأسد على خرق الهدنة، حسبما كشف” تلفزيون سوريا” عن محادثات المعارضة والوفد الأميركي برئاسة مبعوث الشأن السوري، جيمس جيفري.
وليس خافياً أن التحرّك الأميركي بهذا الوضوح يأتي في سياق محاربة النفوذ الإيراني، وفي إطار الشعور بالقدرة على الفعل، بعد تصفية قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، حيث تحاول الدوائر العسكرية والاستخباراتية الأميركية الاستفادة من هذه الفرصة لإعادة زخم الدور الأميركي إلى المنطقة.
ثانياً: أضعف التورّط الروسي في ليبيا موقفها الدولي، إذ نبّه دول أوروبا إلى مخاطر السكوت عن التحرّكات الروسية في البحر المتوسط، والأسلوب الذي تتبعه روسيا والقائم على تصدير مرتزقتها لتغيير موازين القوى في البلاد التي تمر بأزمات سياسية من أجل تحقيق مصالح جيوسياسية طالما اتهمت روسيا خصومها بها.
بالإضافة إلى ذلك، باتت أوروبا على دراية بمخاطر عمليات التهجير التي تقودها روسيا في سورية، من دون أدنى إحساس بالمسؤولية عن الأمن الأوروبي وأزمات القارّة السياسية والاجتماعية، بل إنها تفعل ذلك بتقصّد واضح، الهدف منه إضعاف الأنظمة الديمقراطية في أوروبا وإخضاعها للسياسة الروسية.
ومن الواضح أن أوروبا، الواعية للسلوك الروسي، بدأت تقف خلف الولايات المتحدة في سياستها السورية، ويدلل على ذلك دعمها الصريح الموقف التركي من الهدنة، ومطالبتها روسيا ونظام الأسد بالالتزام بالهدنة، والإصرار على أن الموقف الأوروبي لن يتغيّر من نظام الأسد ما لم يجر التغييرات السياسية التي نصت عليها القرارات الدولية، وخصوصا قرار مجلس الأمن 2254 الذي يدعو إلى عملية سياسية بإشراف الأمم المتحدة.
ثالثاً: نهاية فعالية التكتيكات الروسية التي يبدو أنها وصلت إلى ذروتها، ولم تعد قادرةً على تحقيق نتائج مهمة في مرحلة الصراع السوري الحالية، ولعل أهم عطبٍ في هذه التكتيكات، ضعف القدرة على التوقع، فيما سبق كانت روسيا تبني خططها على ظروف الأطراف الداعمة للفصائل في الجنوب والوسط والمشكلات الأمنية التي تواجهها، كذلك كانت على بيّنةٍ ببنية هذه الفصائل وإمكاناتها، ومعرفة أن غالبيتها تتشكل من تشكيلاتٍ محليةٍ قبلية ليست منظمة، على عكس ما تواجهه في إدلب اليوم، حيث يوجد نوعان من التنظيمات:
فصائل على درجةٍ لا بأس بها من التنظيم “الجيش الوطني” لديه حليف بحجم تركيا، وأياً يكن الموقف من تركيا، فإنها متورطة في الصراع في الشمال السوري، وهامش إمكانية تقديم تنازلات لروسيا ونظام الأسد لديها منخفض، ليس حباً بالسوريين وانتصاراً لقضيتهم، بل لأن أي تنازل أو سكوت ستكون له ارتدادات كارثية على الأمن التركي، من خلال تدفق ملايين اللاجئين إلى أراضيها، وهذا الأمر يقع في صلب أمنها القومي الذي تصعب المجاملة فيه.
فصائل متطرّفة: مثل جبهة النصرة وحرّاس الدين والتركستاني، وهي فصائل يصعب اختراقها، كما يصعب تقدير ردّات فعلها في معركةٍ ستمثل نهاية كياناتها، إذا انهزمت فيها، وبالتالي ليس مستبعداً لجوؤها إلى أقصى درجات العنف في مواجهة حربٍ تستهدف وجودها.
رابعاً: وهي النقطة الأهم، الطبيعة الجغرافية للمنطقة التي تنطوي على جبال وتلال ووديان، فليست كل إدلب سهولا، كما أن هذه المناطق تحتوي على كثافة عمرانية تجعل من الصعب على روسيا اختراقها بسهولة، وخصوصا أن أمر حصارها مستحيل، طالما هي مشرّعة على الجغرافية التركية.
ربما وصلت روسيا إلى آخر مناطق المعارضة السورية، وربما ستخوض هناك آخر حرب، لكن كم سيستغرق إنجازها هذه المهمة، ولمصلحة من ستكون النهاية، تلك القضية التي من المبكر الإجابة عنها، خصوصا أن هناك احتمال أن يؤدي استنزاف روسيا في الشمال إلى عودة جنوب سورية وغوطة دمشق الغربية والقلمون إلى الانخراط بالأحداث، خصوصا أن هناك تفلتاً واضحاً في هذه المناطق، للخروج من قبضة نظام الأسد وحلفائه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :