عروة قنواتي
قبل أيام قليلة، وكما توقع الجميع سابقًا، بدأت أولى خطوات لجان الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” (التي تعنى بالتطوير والمراقبة)، بزيارة دمشق واللقاء بالاتحاد الكروي التابع لنظام الأسد، بغية تقييم بعض الملاعب ورفع التقارير التي ستعيد النظر بحرمان الملاعب السورية من استضافة المباريات ولعب المنتخبات داخل سوريا.
الحرمان ونقل المباريات جاء مع بدء اندلاع الثورة السورية في العام 2011، وكانت حجة الاتحاد الدولي بأن الأمان مفقود للجماهير بالحضور إلى الملاعب وقربها شوارع تشتعل بالحرب، فكيف للمنتخبات المنافسة أن تأتي وتلعب مبارياتها في سوريا؟ هل عاد الأمان فعلًا هذه الأشهر حتى يسمح لنظام الأسد باللعب والمشاركة ضمن الملاعب التي تقع تحت سيطرته في دمشق وحلب وحمص؟
وقال “فيفا” في تقريره إنه “يبحث دائمًا عن طرق جديدة لدعم أعضائه”، مؤكدًا أن وفده مكون من شخصين تابعين لمكتب تطوير “فيفا” الإقليمي في دبي، قاما بجولة على عدد من المنشآت الرياضية في سوريا، لتقييم وضع كرة القدم فيها، للمرة الأولى منذ عام 2012، كما تم الحديث عن أن الدرجة الأولى تضم 14 ناديًا وأن مباريات الديربي في هذه المناطق يحضرها 30 ألف متفرج.
“فيفا”، وكما العادة المعروفة دوليًا، يتبع سياسة الكيل بمكيالين في دول و يطبق القوانين في دول أخرى، كما حدث مع الرياضة الكويتية وفي أندونيسيا، أما في سوريا فلا ينظر الاتحاد الدولي إلى استخدام الملاعب المذكورة في التقرير أو من خلال الزيارات الأخيرة كثكنات عسكرية ومنصات للصواريخ التي أطلقها جيش الأسد على المدنيين وعلى المناطق السورية الثائرة منذ العام 2011 حتى تهجير الأهالي من حلب والغوطة الشرقية وريف حمص ودرعا، ليخرج العسكر بعدها من الملاعب وينشرهم في أماكن جديدة بعموم البلاد.
الملاعب كانت مسارح متعددة لجرائم النظام ضد الشعب السوري، وهذا الأمر ذُكر عبر بعض المعتقلين الذي تواصلت معهم منظمات دولية إنسانية لتفهم ظروف اعتقالهم وما حدث معهم، فتم التركيز على ملاعب “الجلاء” بدمشق و”الباسل” في اللاذقية، كمراكز للاعتقال والتصفية التي أزهقت أرواح العشرات من أبناء سوريا في الأشهر الأولى من الثورة السورية، وأوقف النظام السوري بمؤسسته الرياضية الدوري الكروي قبل أن يعيده إلى بعض الملاعب، عندما استقر على ملاعب بعينها لتكون ثكنات عسكرية ومهبطًا لطائرات الهليكوبتر، ومنها ملاعب العباسيين بدمشق، وحلب الدولي والملعب الصغير في حلب، وخالد بن الوليد في حمص، ودرعا البلدي، وملعب دير الزور.
ومن هذه المقرات العسكرية “الرياضية سابقًا” انطلقت آلاف الصواريخ والقذائف والراجمات لتدمر عموم المناطق المنتفضة والمحاصرة.
لجان “فيفا” اليوم تبدأ أولى خطوات إخفاء معالم الجريمة وتهريب الجناة والقتلة من القضية، بحجة أن كرة القدم تجمع أبناء البلد الواحد وتداوي الجراح، وبقائمة طويلة من هذه العبارات التي لا تمت للحقيقة بصلة، وخاصة مع مؤسسة فاسدة كالاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي تعرض العديد من أعضائه ومسؤوليه الكبار للملاحقة القانونية بتهم متعلقة بقضايا النزاهة والرشاوى، في منح تنظيم بطولات كأس العالم لأكثر من نسخة، وهي المؤسسة التي تتعاون مع الأنظمة السياسية الديكتاتورية بتغييب أرقام وأسماء اللاعبين الضحايا والبنى التحتية الرياضية المدمرة بحجة أن “فيفا” لا يتدخل بشؤون الدول الداخلية ولكنه يسمح لنفسه بالتدخل في قضايا البرلمان الكويتي والرياضة الكويتية أو في أزمة أندونيسيا، ويعرض التقارير ويجمد المشاركة ويحرم المنتخبات في هذه الحالة.
قد لا تكون خطوات “فيفا” في دمشق سريعة، ولكن محاولات التكتم على الجريمة وفاعلها بدأت فعلًا.