“لسان عامي” للطلاب السوريين في تركيا.. العربية الفصحى منسية
رولا بيطار – برنامج “مارِس” التدريبي
نشأ في ظل الحرب التي تشهدها سوريا جيل جديد اضطر إلى الدراسة في مقاعد دول اللجوء، وبلغات صارت أقرب إليه من لغته الأم، العربية، وشكلت جزءًا من هويته الجديدة، وسط مساعٍ عائلية للحفاظ على العربية من الضياع.
بعد قرار وزارة التعليم في تركيا بضرورة تسجيل الطلاب السوريين في المدارس الرسمية التركية، وإغلاق مراكز التعليم المؤقتة التي كانت تستقطب نحو 250 ألف طالب في عام 2017.
وبناء على القرار خُفض عدد المدارس المؤقتة إلى 215 مدرسة في العام الدراسي 2018- 2019، الأمر الذي دفع نسبة كبيرة جدًا من الطلاب إلى الالتحاق بالمدارس التركية، وتحديدًا الطلاب في المرحلة الابتدائية.
الطالبة سارة خليل (11 عامًا) تلقت تعليمها منذ الصف الأول في مدرسة تركية باسطنبول، تقول لعنب بلدي “أنا بحكي عربي منيح وبفهم كل شي تقريبًا، بس كتير صعب افتح كتاب باللغة العربية واقرأ منه، بحس في كتير شغلات أول مرة بسمعها”.
تفضل سارة قراءة القصص بالتركية، بعدما تعودت عليها في المدرسة، لكن بالنسبة لعبد الله المبارك (عشرة أعوام)، وهو طالب في مدرسة تركية بهاتاي منذ ثلاثة أعوام، فيميز الفرق بين العامية والفصحى، لأنه يداوم على دروس لتعلم العربية في عطلة نهاية الأسبوع، ومع ذلك فإنه يجد صعوبة عند قراءة القصص العربية.
ويشكل كسر حاجز اللغة التركية لدى الأطفال فرصة كبيرة في تحقيق الاندماج مع المجتمع التركي وداخل الصف في المدرسة، الأمر الذي دفع كثيرًا من الأهالي إلى تحفيز أطفالهم على تعلم اللغة التركية وإعطائها مساحة أكبر في حياة أطفالهم.
وترى دعاء المعمار، وهي مدرّسة لمتابعة المناهج التركية لأطفال سوريين في اسطنبول، أن “اندفاع الطلاب السوريين نحو اللغة التركية أمر طبيعي كونهم يتعرضون للغة لمدة تصل إلى نحو سبع ساعات يوميًا في المدرسة، الأمر الذي يجعلهم لا يمارسون سوى العامية في منزلهم ومع عوائلهم”.
أما عن الطلاب من الفئات العمرية المتوسطة (من 14 إلى 17 عامًا) الذين بدؤوا مؤخرًا في التوجه إلى مدارس تركية بدلًا عن المدارس المؤقتة، فتضيف دعاء المعمار أنهم يفضلون شرح المنهاج التركي باللغة العربية بدلًا عن التركية، لأن الانتقال السريع لهذه المرحلة من مدارس تشرح بالعربية إلى مدارس تركية سبب فجوة لديهم، الأمر الذي يدفعهم على الدوام إلى التعاطي مع المناهج وفقًا للغة العربية.
وعي أسري بأهمية اللغة العربية
بعيدًا عن حالة اللجوء التي يعيشها أبناء سوريا الآن، لا تزال اللغة العربية وتعلمها من أهم التحديات التي يواجهها أبناء المغتربين. ففي أوربا مثلًا وقبل أن تشهد موجة اللجوء الكبيرة التي كانت ذروتها عام 2015، كانت تنتشر العديد من المدارس العربية أو حلقات التعلم في المساجد لمساعدة أبناء المهاجرين على تعلم لغتهم.
ويحرص كثير من أهالي الطلاب السوريين الذين يتلقون تعليمهم في مدارس تركية على ضرورة متابعة أطفالهم في مجال تعلم اللغة العربية، إذ يبادرون إلى إرسالهم لأخذ دروس في العربية أيام نهاية الأسبوع أو في العطل الصيفية، إلا أن الأمر لا يعد كافيًا.
تقول المرشدة النفسية إيناس الفقير، وهي أم لطالبين، “علينا أن نعي جيدًا أننا، نحن السوريين في تركيا، أمام خطر ضياع اللغة العربية الفصحى لدى أطفالنا، فأولادنا اليوم بدؤوا يتنصلون من لغتهم تدريجيًا بلا وعي منهم، فالظروف التي فُرضت عليهم جعلتهم عرضة للغة التركية والثقافة التركية أكثر من العربية”.
“ربما يرى كثيرون أن الأمر ضروري بحجة الاندماج، إلا أن اللغة العربية هي جزء من هويتنا وهوية أطفالنا وعلينا ألا نتساهل بهذا الشأن”، بحسب إيناس الفقير.
بلغ عدد السوريين الذين يعيشون في تركيا حتى تشرين الثاني من عام 2019 نحو ثلاثة ملايين و687 ألفًا، وتأتي اسطنبول في مقدمة الولايات التي تستقبلهم، تليها هاتاي وعنتاب، وفقًا لأرقام جمعية اللاجئين التركية (Mülteciler Dernği).
وتضيف إيناس الفقير أن الطلاب السوريين يتحدثون العربية العامية في المنزل بشكل عام، ولكن ابتعادهم عن تعلم اللغة العربية الفصحى بشكل مستمر ومنهجي يسهم بشكل كبير في تقليل أهمية اللغة لديهم.
“طفلي مثلًا يخبرني أنه يحب تركيا وأصدقاءه هنا، ولا يرغب بالعودة إلى سوريا لأنه لا يعلم شيئًا عنها أو يتذكرها”، تقول إيناس الفقير، الأمر الذي يدفعها على الدوام لتتحدث إليه عن بلده قصصًا بالعربية الفصحى، وللسعي إلى إطلاعه على كتب تناسب عمره بالعربية كي يبقى على صلة دائمة بهويته ولغته.
معاهد ومبادرات لتعليم العربية
انتشرت مؤخرًا العديد من المنصات في وسائل التواصل الاجتماعي تهدف بشكل أساسي إلى تعليم العربية أو إلى شرح المناهج العربية للطلاب، كقناة كرزة التي تبث أغاني باللغة العربية الفصحى مخصصة للأطفال، أو منصة عصافير التي تنشر مئات القصص المصورة والمرسومة باللغة العربية الفصحى.
كما تنتشر العديد من معاهد تعليم اللغة العربية للطلاب السوريين في الولايات التركية لمساعدتهم على تعلم اللغة العربية خارج المدرسة.
المديرة الداخلية لمعهد الحياة لتطوير المهارات في هاتاي، رفيدة أبو هاشم، تقول لعنب بلدي، “نتبع في المعهد برنامجًا لتعليم العربية يستقطب طلابًا سوريين، وتحديدًا من المرحلة الابتدائية والمتوسطة، يتلقون تعليمهم في مدارس تركية، حيث يكون البرنامج متوازنًا مع أوقات دوامهم في المدرسة”.
وتضيف رفيدة أبو هاشم، “هنالك العديد من المعاهد التي تعلم العربية، انطلاقًا من الحرص على معرفة الجيل الذي نشأ في تركيا باللغة العربية الفصحى وضرورة الحفاظ عليها ما استطعنا”.
بالتزامن مع الانتشار الكثيف لمعاهد تعليم اللغة التركية بين أوساط السوريين في مختلف المحافظات التركية، تنشط معاهد تعليم اللغة العربية الفصحى في أيام نهاية الأسبوع أو في العطل الصيفية.
ترى المدرّسة والناشطة الاجتماعية عبير هاشم أن “معرفة الطلاب السوريين الذين يعيشون في تركيا بلغتهم الأم، يعني الحفاظ على الانتماء للوطن الأم سوريا وعدم التنصل من القضية. وتقع المسؤولية الكبرى في موضوع الحفاظ على اللغة على الأهل والمربين الذين يجب أن يحملوا كل الوعي لتشجيع أبنائهم على معرفة لغتهم وفهم ثقافتهم وتاريخهم”
وتضيف عبير هاشم لعنب بلدي، “نسعى أنا والعديد من الزملاء من المدرسين في مجال اللغة العربية إلى توحيد الجهود لإطلاق مبادرة في إقليم هاتاي، تسعى بشكل أساسي لإحياء اللغة العربية الفصحى في وجدان الأجيال، كما أن وعينا الدائم بأهمية هذا الموضوع وإيماننا بعراقة وأصالة لغتنا سيسهم بشكل كبير في الحفاظ عليها”.
وفقًا لتقرير التعليم الصادر عن جمعية الفكر التابعة لمؤسسة التعليم التركية لعام 2018، بلغ عدد الطلاب السوريين في المرحلة الابتدائية فقط 100 ألف طالب وطالبة. ويعد هذا العدد، وفقًا للأرقام الصادرة عن اللجنة العليا للأمم المتحدة، كبيرًا جدًا مقارنة مع أعداد الطلاب اللاجئين في دول غير تركيا، حيث تبلغ نسبة الملتحقين منهم بالمدرسة 61%، في حين تصل النسبة في تركيا إلى 96%.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :