محمد شكري يروي آلامه في خبزه الحافي
كتب الروائي المغربي محمد شكري سيرته الذاتية في “الخبز الحافي”، عام 1972، مُفصحًا عن أدق تفاصيل البشاعة التي عاشها في فترة المراهقة، لتحاكي الرواية الأوضاع الاجتماعية والمعيشية في مدينة طنجة شمالي المغرب، في الفترة الواقعة بين عامي 1935 و1956.
انتهج شكري المبالغة بتوصيف أحداث الرواية، التي كان قوامها العنف والتشرد المصاحب للجوع والمرض.
لا تحصد شخصيات الرواية إلا البؤس، ولا يعطي خيال صاحبها إلا مساحة صغيرة لأبطالها للتنفيس عن همومهم.
شرح الراوي ظاهرة العنف في مجتمعه، حين تكون مرجعية اجتماعية وفي بعض الأوقات نفسية، إذ عاشها شكري في حياته الواقعية.
وبحسب الرواية، تكون القاعدة النفسية للعنف هي الكبت والتشتت الفكري الذي يعيشه الإنسان.
أما القاعدة الاجتماعية فهي الأثر المباشر للقاعدة الأولى، فالاضطراب النفسي يولد عنفًا اجتماعيًا، وفي بعض الأوقات تكون الثانية سببًا للأولى، نتيجة عمق التداخل بينهما.
تبدأ الرواية بإبراز حالة الفقر التي علّمت بطلها كيف يأخذ طعامه من القمامة، وكيف يختار أفضل الطعام منها، إذ تقول أولى صفحاتها “عندما بلغنا طنجة… اضطرت أمي إلى بيع الخضار والفواكه في أسواق المدينة، وأنا كنت أقتات من أزبال النصارى الغنية، لأن أزبال المغاربة المسلمين كانت فقيرة”.
كما رمزَ الأب إلى دور الخصم في الرواية، بسبب معارضته للبطل في كل حدث أو حوار، ومارس عليه، بالإضافة إلى أمه وأخيه، بصورة يومية كل أنواع الركل والشتم البذيء والرفع في الهواء والخبط على الأرض، حتى قُتل أخو البطل الأصغر على يد الأب في ساعة غضب.
ولم يكن التعنيف الذي تتعرض له الأم والذي “كان يدميها”، جسديًا فحسب، بل كانت تتعرض للأذى النفسي، حين كان يتهمها الأب بالزنا والكلام الفاحش.
ويصل الكره بين الأب والبطل، إلى درجة إخراجه من نطاق الإنسانية، “إن أبي وحش.. يصرخ مثل حيوان”، كما عبَّر الراوي.
تُرجمت الرواية المؤلفة من 228 صفحة إلى أكثر من 30 لغة، وترجمها إلى الإنجليزية الكاتب بول بولز سنة 1973.
مُنعت من النشر في الأوساط الثقافية العربية، حتى عام 1982، بسبب كسرها “تابوهات” اجتماعية ودينية لم يعتد القارئ العربي على قراءتها.
وبالرغم من الانتشار الكبير الذي لاقته الرواية في الأوساط الثقافية العالمية والعربية، توجد آراء معارضة لطريقة السرد الأدبي لـ“الخبز الحافي”، كان أبرزها رأي الكاتب المصري جلال أمين.
وقال أمين في كتابه “شخصيات لها تاريخ” (الصفحة رقم 247)، إن “أدب محمد شكري ما هو إلا عنوان لأدب فضائحي غير أخلاقي استند في شهرته إلى خبزه الحافي دون لغة أدبية مبدعة، أو جوهر فكري أو منطق فلسفي تدور حوله رواياته، فقدّمت أعماله الجنس المُعرّى بلا زيف ادعاء بأن هذا هو الأدب”.
ووفقًا لجلال أمين، فتوظيف علاقات الجسد في روايات الطيب صالح لم يأتِ هباء من أجل الوجود والتقليد الأعمى، ولكنه يحمل خلفه قضايا حقيقية وإبداعًا فنيًا افتقره محمد شكري.
ولد محمد شكري عام 1935، من أصل أمازيغي، وتعلم الكتابة والقراءة باللغة العربية في سن العشرين من عمره، ومن أبرز أعماله رواية “الخبز الحافي” عن دار الساقي للطباعة والنشر، ورواية “غواية الشحرور الأبيض” التي صدرت عام 1998، عن دار منشورات الجمل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :