الصراع السوري.. وترتيب أوراقه أمريكيًا
بقلم: أسامة آغي
تأتي تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، في أنقرة منذ أيام في سياق بلورة استراتيجية أمريكية جديدة حيال الصراع السوري، الذي مضى على تفجره أكثر من ثمانية أعوام. وقد حدّد جيفري أهداف هذه الاستراتيجية بثلاث نقاط رئيسة، الأولى هي تعميق هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” المسمى “داعش”، والثانية هي إخراج كل الميليشيات التي تقودها إيران من سوريا، والثالثة هي إنهاء الأزمة السورية عبر تنفيذ القرار الأممي 2254.
وكي لا تسحرنا تصريحات جيفري، ينبغي معرفة الأسس التي اضطرت الأمريكيين إلى بلورة هذه الأهداف الثلاثة في هذه المرحلة بالذات، واكتشاف مدى جدية هذه التصريحات، والوسائل التي يمكن للولايات المتحدة أن تستخدمها لتحقيق أهدافها المعلنة.
إن تعميق هزيمة تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) مرتبط بالضرورة بقطع النسغ الواصل بين جذور هذا التنظيم وأفرعه، وهذا النسغ بات معروفًا لدى الأمريكيين وغيرهم، فهم يجزمون أن جذور “داعش” تمتد عميقًا في بنية السياسة الإيرانية القائمة على مبدأ تصدير الثورة والهيمنة على المحيط الإقليمي، ولقطع النسغ عن هذا التنظيم المتطرف، ينبغي تجفيف مصادر تغذيته الرئيسة.
تجفيف مصادر تغذية “داعش”، ترتبط بالضرورة القصوى بنسف استراتيجية إيران التدخلية في الإقليم عمومًا، وفي سوريا خصوصًا، وهو يعني تقطيع أوصال الطريق الذي تستطيع إيران من خلاله تحقيق هيمنتها على المنطقة، وتهديد مصالح أطراف أخرى فيها، وفي مقدمتها مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
تقطيع أوصال طريق الهيمنة الإيرانية بالمفهوم الأمريكي، يعني تجفيف نفوذ إيران في هذه البلدان، وما يجري الآن في لبنان والعراق وسوريا يذهب في هذا الاتجاه، إضافة إلى أن سياسة الحصار والعقوبات التي تنفذها الولايات المتحدة بحق النظام الإيراني، هي أمر يسرّع من تفريغ قدرة هذه الهيمنة. ولعلّ طرد الميليشيات الإيرانية الغريبة من سوريا سيلعب دورًا حاسمًا في فشل المشروع الإيراني بالهيمنة على المنطقة.
أدرك الأمريكيون أن أهدافهم الثلاثة في سوريا، هي أهداف ترتبط ببعضها عبر علاقة جدلية، إذ إن أي هدف من هذه الأهداف يرتبط بالهدفين الآخرين وبتحقيقهما. وهذا يعني أن لا قيمة لهزيمة تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) دون خروج ميليشيات إيران من سوريا، وهذا الأمران لا يمكن تثبيتهما واقعيًا على الأرض دون الذهاب إلى حل سياسي وفق القرار الدولي 2254.
الرزمة الاستراتيجية للأهداف الأمريكية في سوريا لا بدّ لها من أدوات ووسائل لتنفيذها، فإيران لن تخرج عسكريًا من سوريًا دون ضمانات كبرى تُبقي هيمنتها السياسية على هذا البلد، وهذا لا يمكن تحقيقه إيرانيًا دون تثبيت مواقع النظام السياسية والعسكرية، بما يضمن بقاء علاقته النسغية مع إيران، التي تشكّل عمليًا مرجعيته الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية.
هذه الرؤية الإيرانية صارت مكشوفة للجميع، ولذلك يصرّ الأمريكيون على طرد إيران وميليشياتها من سوريا، باعتبار أن هذا الطرد بتر لأذرعها في هذا البلد، ولكن الأمريكيين يدركون بعمق أن لا قيمة لطرد إيران وميليشياتها وسحق تنظيم “الدولة” دون الخلاص من الجاذب الأول لكل هذا التوتر والقتال والخطر ألا وهو النظام السوري الذي فتح كل الأبواب التي من شأنها تهديد مصالح الآخرين في إقليم الشرق الأوسط.
إصرار الأمريكيين جاد هذه المرة بعد إقرار الإدارة ومجلسي التشريع الأمريكي قانون “حماية المدنيين السوريين” المسمى قانون “سيزر”، فهذا القانون سلاح فتّاك بيد الإدارة، تستطيع من خلاله خنق قدرة النظام ومن يدعمونه، كذلك يستطيع الأمريكيون فرض مسار الحل السياسي عبر تنفيذ القرار 2254.
ويأتي تنفيذ القرار عبر وسائل متعددة، منها المحافظة على مصالح روسيا في سوريا، وفصل التحالف الميداني الروسي- الإيراني، الذي يعتبر تحالفًا حاملًا للتناقض والصراع بين الحليفين في مراحل متقدمة من الصراع السوري.
لقد لوّح الأمريكيون بتفعيل عمل محكمة العدل الدولية، وهذه ورقة ضغط سياسية كبيرة تخص رئيس النظام السوري وبطانته المساعدة له، وهو يعني جرّ قيادة النظام إلى هذه المحكمة للنظر في جرائم ارتكبها النظام بحق المدنيين، تُصنّف على أنها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
ولكن لماذا يفعل الأمريكيون كل ذلك؟ ولأجل من؟
هذا السؤال وغيره من الأسئلة المشروعة، تُعيد رؤيتنا إلى مربع المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، هذه المصالح تتمثل ببقاء مناطق إنتاج الطاقة النفطية، وبقاء أسواق هذه المناطق، وموقعها الجيوسياسي صديقة للولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى الحفاظ على أمن حليفتهم إسرائيل، وهذه المناطق المتوسطة الموقع جغرافيًا يمكنها أن تلعب دور قاعدة صراع سياسي واقتصادي وربما عسكري قادم، هذا الصراع يمكن توقعه آسيويًا مع عملاقين هما الصين والهند لهما مصالح خاصة، قد تقع في حالة التناقض العميق مع مصالح الولايات المتحدة، ما يفتح باب صراع عسكري محتمل.
هذه الرؤية تسمح لنا بالقول إن التناقض بين مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ومصالح إيران التي يحكمها التيار الديني القومي المتطرف هو تناقض يهدد مصالح الأمريكيين، لأن الإيرانيين يريدون بناء دولة قوية مهيمنة على إقليم الشرق الأوسط برمته، وهذا لن يتحقق دون طرد الأمريكيين من المنطقة، والاستيلاء على مصالحها، وتهديد حليفتها إسرائيل وبقية حلفائها في منطقة الخليج العربي.
لذلك لا يمكن القول إن بلورة الأمريكيين لاستراتيجيتهم هي مجرد بروباغندا إعلامية، بل هي رؤية بعيدة المدى للمصالح الأمريكية، التي في طريق تحقيقها، يمكن للسوريين الذين ثاروا على نظام بشار الأسد أن يستفيدوا منها، وأن يوظفوا هذه التناقضات الأمريكية- الإيرانية لمصلحة التحول السياسي في سوريا إلى نظام وطني ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان. فهل تستطيع قوى المعارضة وقوى فعاليات الشارع الوطني السوري، أن تحوّل هذا التناقض إلى قوة عمل جديدة تثمر تحولًا سياسيًا في الصراع مع النظام؟ هذا ما نأمل أن يفعله السوريون من أجل خلاصهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :