اقتصاد بثينة شعبان
إبراهيم العلوش
رغم كل الخراب الذي لحق بسوريا، لا يزال النظام مستمرًا بأفعاله التي تدمر البلد، وتهوي بحياة الجميع إلى حدود الجحيم، لكن بثينة شعبان تبشرنا بأن الازدهار الاقتصادي أفضل بخمسين مرة مما كان عليه في عام 2011، فما أهداف النظام التي يسير إليها؟
في بداية الثورة في آذار 2011، اعتبر البعثيون أنها موجهة ضدهم، والناس تحسدهم على المناصب الحزبية والإدارية التي انتزعوها بالولاء للنظام، فهبّوا يحملون العصي ويحاصرون التظاهرات وأماكن التجمع، ويضربون المتظاهرين بحماسة، ولكن مع مرور الأيام تبين لهم أن النظام لم يوفرهم أو يوفر عائلاتهم من الاعتقال ومن القصف على حاراتهم وقراهم.
انحسر عدد كبير من البعثيين وتراجعوا عن حماستهم وتيقنوا أن المنافع التي ستأتيهم من قمع المحتجين بعيدة إن لم تكن مستحيلة، ولكن النظام سرعان ما جنّد فروع المخابرات ومخبريها وتجاهل البعثيين وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ولم يعد يقبل ممن استمر منهم إلا المشاركة بالقتل وليس مجرد التلويح بالعصي وبالمسدسات.
عندها ازدهر دور المخبرين وزوار فروع المخابرات وصاروا الذراع التي يضرب بها النظام ضد المحتجين، وأدمنوا على رفع أسماء من ينتقمون منهم أو من عائلاتهم لاعتقالهم، ولكن في عام 2013 وما بعد، صار الاعتقال رديفًا للقتل تحت التعذيب، ما جعل جزءًا غير قليل منهم يتراجعون أيضًا، بل انشق عدد من عناصر الأمن، وهذه ظاهرة غير مسبوقة بتاريخ نظام الأسد، فالعنصر الأمني كان يصل إلى التوظيف زاحفًا على تقارير وكراهية وانتقامات تورطه وتمنع عنه أي تراجع عن خدمة النظام الأمني، وخاصة في الأمن العسكري والأمن الجوي الذي غالبًا ما يأخذ الجوانب الطائفية في التنسيب بالإضافة إلى الاعتماد على الأقليات الإثنية أو الدينية مع تسريب تورطهم بأعمال قذرة، ليمنع عنهم طريق التراجع عند وقوع الأحداث الكبيرة.
وبعدما فشلت أجهزة المخابرات بقمع الثورة، اعتقد كثيرون من ضباط الجيش أن النظام يحميهم من هذه الثورة ويؤمّن مصالحهم والاستمرار في تحويل الانتساب إلى قطعهم العسكرية إلى “جيتوهات” لأقاربهم وأبناء قراهم، ويطوي ملفات الفساد التي تورطوا فيها بشكل مدروس من قبل النظام نفسه. وصارت تتسرب صور الضباط الذين يدوسون على المدنيين باحتقار، أو يدخلون إلى المساجد بأحذيتهم ويمارسون التحقير للطقوس الدينية، وصارت الدبابات تترك مرابضها في الجبهة وترجع إلى الداخل، ومن أشهر مناظر تلك الاستعراضات هو صفوف الدبابات والتشكيلات العسكرية التي بدت احترافية وهي تتوجه من الفرقة الخامسة إلى مدينة درعا لممارسة القتل والتدمير ضد المدنيين، وقد بدت تلك الطوابير العسكرية مثيرة للسخرية وللعار من سلوك ضباط الجيش الكبار الذين يتورطون كل يوم بدماء السوريين.
ولعل طريقة جلوس وزير الدفاع السوري، علي أيوب، في الاجتماع الأخير مع بوتين وبطريقة مهينة، يلخص المآل الذي جره الضباط الكبار على جيشهم، المتورط بصنع المأساة السورية، ناهيك عن عشرات الألوف من عناصر وضباط الجيش الذين امتلأت قراهم بنعواتهم التي لا تنتهي.
وفي أثناء ذلك اعتقد كثير من رجال الأعمال أنهم غير متورطين بالتعذيب ولا بالقتل، وتحمسوا لدعم النظام الذي يحافظ على مكتسباتهم، وعلى صفقاتهم الخارجة عن القانون، والاستفادة من مآسي الحصارات المتعددة التي توفر لهم أرباحًا خيالية، لم يكونوا ليحلموا بها بوجود دولة قانون ومنافسة تجارية نزيهة.
ولكن الإفلاس الذي وصل إليه النظام حصد كثيرًا من مكتسباتهم، ولعل انهيار الليرة حوّل كثيرًا من أرباحهم إلى رمل لا فائدة منه، بالإضافة إلى إفلاس النظام المصرفي اللبناني الذي كان ملاذًا آمنًا لهم ولثرواتهم، ما جعلهم يتساقطون الواحد تلو الآخر، ومن يصمد منهم تناله العقوبات الدولية التي تصنفهم كواجهات لعائلة الأسد ولقادة أجهزة المخابرات.
المآسي المتتالية التي يجرّها النظام، بدءًا من القتل والتهجير والتعذيب والاحتلالات، وتدمير البنية التحتية وتحطيم الدورة الاقتصادية، لم تردعه، بل إن أجهزة النظام تتجاهل أكثر من نصف مليون شهيد وتقول إن عدد سكان سوريا الذي كان في عام 2010 حوالي 23 مليونًا قد تزايد، وإن الموجودين في سوريا عام 2017 هم 24 مليونًا حسب المكتب الوطني للإحصاء، عدا عن خمسة ملايين خارج سوريا، هم في تركيا وفي أوروبا وغيرها من المهاجر. ورغم المجاعة الكارثية في سوريا اليوم وهبوط قيمة الليرة إلى أكثر من ألف مقابل الدولار مع الاستمرار بالانخفاض، فإن المستشارة الاعلامية لرئاسة الجمهورية، بثينة شعبان، تقول إن الاقتصاد السوري اليوم أفضل بخمسين مرة من اقتصاد سوريا في بداية عام 2011، أي قبل بدء الثورة!
لقد بدد هذا النظام كل إمكانات سوريا وكل رصيدها، بل إن نظام بشار الأسد بدد المدخرات القمعية التي بناها حافظ الأسد لاستمرار نظامه بشكل ناعم، إذ نكّل بشار بمعظم مؤيديه الذين ظل كثير منهم على العهد رغم تهجيرهم، وما مثال اللاجئ السوري في إزمير التركية، الذي وجه تحية إلى بشار الأسد في أثناء حفلة عرس، إلا مثال صغير بالنسبة لبعض المهجّرين الذين قطعوا البحار، وعبروا الصحاري والغابات هربًا من التنكيل بهم، ولكنهم لا يزالون يمتلكون حس العبودية العمياء للنظام، ويؤمنون بعبقرية بشار الأسد.
تبين تصريحات بثينة شعبان الأخيرة، التي تتجاهل المجاعة والبؤس، أن النظام اليوم أشبه بالثقب الأسود، فهو لا يحمل همّ السوريين ولا همّ الناس في مناطق سيطرته، ولا همّ البعثيين، ولا همّ مخبريه، ولا همّ ضباطه وعائلاتهم، ولا همّ رجال أعماله، ولا حتى هموم الاحتلالات الأجنبية ومآلاتها. إنه مفتون بذاته، ولا يأبه بكل من هو خارج عائلة الاسد، وتبيّن ممارساته أنه مصمم على الاستمرار ولو تحوّل الجميع إلى رماد، فهذه العائلة آمنت بما كانت تروّجه من أساطير منذ مذابح الثمانينيات في القرن الماضي، وأهمها “قائدنا إلى الأبد، الأمين حافظ الأسد”، التي تجلّت بشكل كارثي على الجميع مع بدء مواجهة الثورة في شعار “الأسد أو نحرق البلد”!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :