بائعو الألبسة التركية في سوريا محاصرون بالجمارك وأسعار الدولار
عنب بلدي – ميس شتيان
“الجمارك ما رحموا حدا أبدًا.. فيلم رعب عم نعيشو يوميًا”، بهذه الكلمات بدأ بائع ألبسة تركية مهربة في أحد أسواق العاصمة دمشق الحديث لعنب بلدي عن وضع السوق، في ظل تكثيف دوريات الجمارك حملاتها ضد بائعي البضائع التركية، والانخفاض المتتالي بسعر صرف الليرة السورية، وضعف القدرة الشرائية للمواطنيين.
البائع، الذي تحفظ على ذكر اسمه، قال لعنب بلدي، “منذ فترة وجيزة صادرت مني دورية جمارك كمية من الألبسة، كما صادرت قبلها ألبسة بقيمة 25 ألف دولار أمريكي، وقبضت غرامة قيمتها حوالي أربعة ملايين ليرة سورية”.
وأشار إلى أن نسبة أو مبلغ الغرامة يقاس بحسب وزن البضاعة، كما أنه من الممكن التفاوض مع دورية الجمارك على مبلغ الغرامة.
وأضاف أن بائعي الألبسة التركية يُخفون البضاعة في مخازن خاصة عند انتشار أنباء عن حملات للجمارك، لافتًا إلى أن هذه الطريقة لا تجدي نفعًا دائمًا “لأن الدوريات تعتمد على مخبرين، وتداهم المتجر بشكل مباشر بعد وصول معلومات إليها بوجود بضاعة تركية بداخله”.
ونقل البائع أن هناك أحاديث متداولة في السوق حول زيادة العقوبات على بائعي البضائع التركية مثل إغلاق المحل التجاري لمدة ثلاثة أشهر، والسجن لمدة عام، لكن لم تفرض أي منها رسميًا بعد.
وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قالت إنه مع نهاية عام 2019، تم تكثيف دوريات الجمارك على كل مداخل المدن، وتنظيم حملة شاملة لمكافحة التهريب بكل أشكاله بهدف حماية “الصناعة الوطنية”.
وأضافت الوكالة، في 15 من كانون الثاني الحالي، أن مجموع القضايا المحققة من قبل مديرية الجمارك العامة خلال عام 2019 بلغ 5697 قضية جمركية، تمت المصالحة على قسم كبير منها، وملاحقة القضايا التي لم تتم المصالحة عليها أمام المحاكم الجمركية المختصة.
وبحسب بيانات الجمارك، فإن أغلب البضائع المهربة كانت ألبسة وأدوية ومواد غذائية ومستحضرات تجميل وقطع تبديل وكهربائيات، بينما تجاوزت قيمة الغرامات الجمركية المحصلة عن القضايا المحققة تسعة مليارات ليرة سورية.
علاقات تجارية مقفلة بين سوريا وتركيا
علّق مجلس الوزراء السوري اتفاقية الشراكة المؤسسة لمنطقة تجارة حرة بين سوريا وتركيا، في 3 من كانون الأول 2011، وأوقف كل الأحكام والقرارات والتعليمات الصادرة استنادًا لهذه الاتفاقية أو المتعلقة بها، وبالتالي خضوع المستوردات ذات المنشأ والمصدر التركي لأحكام التجارة الخارجية النافذة واستيفاء الرسوم الجمركية عن هذه المستوردات، وفقًا للتعرفة الجمركية المتناسقة النافذة.
كما فرض المجلس رسومًا بنسبة 30% من القيمة على كل المواد والبضائع ذات المنشأ التركي المستوردة إلى سوريا، وذلك لمصلحة دعم إعمار القرى النامية.
وفي 1 من تشرين الثاني 2015، قرر مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق” منع التجار أو القطاع الخاص من استيراد أو شراء أو قبول أي عرض يتضمن أي مواد أو بضائع أو تجهيزات ذات منشأ تركي.
ودفعت هذه القرارات البائعين والتجار لاستيراد البضائع التركية بشكل غير رسمي، عبر المعابر الحدودية التي لا تمسكها حكومة النظام السوري، أو بحيل أخرى، منها إزالة بطاقة الصنع التي تظهر أن منشأ البضاعة تركي.
مهربو البضائع التركية يشتكون سوء الحال
تسبب ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 1200 مقابل الليرة، بحسب موقع “الليرة اليوم“، بخسائر لمهربي الألبسة التركية، كما تسببت حملات الجمارك في سوريا بعزوف عدد من التجار عن اقتناء البضائع التركية خوفًا من الخسارة والمساءلة القانونية، بينما يشكل طريق التهريب أساسًا خطرًا إضافيًا.
وائل طحان، تاجر يورد ألبسة تركية إلى سوريا، قال لعنب بلدي إن خسارة مادية كبيرة لحقت به بسبب فروقات سعر الدولار في سوريا بين يوم وآخر، وبالتالي اختلاف سعر البضاعة بين ما هو متفق عليه مع الزبون قبل خروج البضاعة من تركيا ولحظة تسلمها في سوريا، باعتبار سعرها محدَّدًا بالدولار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن البضاعة غالبًا ما تتأخر في الوصول لـ15 يومًا، وهي المدة المتعارف عليها لوصول البضاعة.
ولفت وائل إلى أنه يتم إدخال البضاعة بوساطة مكاتب شحن، عن طريق معبر “باب الهوى” في إدلب، ثم إلى سرمدا وبعدها إلى اللاذقية، ليتم توزيعها إلى بقية المحافظات، مشيرًا إلى صعوبة ومخاطر الطريق نتيجة إغلاقه لفترات مؤقتة، إما بسبب المعارك في مناطق سيطرة فصائل المعارضة أو بسبب دوريات الجمارك في مناطق سيطرة النظام.
وقال إن “حواجز النظام العسكرية تتقاضى مبالغ مالية (رشوة) لتمرر البضاعة، ما يزيد من تكلفة إدخالها، كما تنشط دوريات الجمارك أحيانًا قرب تلك الحواجز، ما يسبب صعوبة كبيرة في تمرير البضاعة وتصبح عرضة للمصادرة قبل وصولها إلى الزبون”.
وتحدث وائل عن وسيلة أخرى لتهريب البضاعة إلى سوريا، وذلك عبر أشخاص يحملون إقامات سياحية في تركيا ويملكون حرية التنقل إلى لبنان، إذ يتم تحميل البضاعة لهؤلاء الأشخاص، مقابل مبلغ مالي محدد، لتصل البضاعة إلى مطار بيروت ومنه إلى سوريا عبر الحدود البرية اللبنانية- السورية.
وأشار وائل إلى سلبية هذه الطريقة بأنها أكثر تكلفة، ولا يمكن تحميل كميات كبيرة من البضاعة من خلالها، فضلًا عن التدقيق الذي تتعرض له البضاعة من قبل أمن مطار بيروت الدولي.
ويقبل مواطنون سوريون (من أصحاب الدخل المتوسط والمرتفع) على شراء البضائع التركية رغم ارتفاع أسعارها، في ظل ما تعانية الأسواق من انخفاض جودة الألبسة المصنعة محليًا، وما تسببت به الحرب من تدمير وسرقة وإغلاق عدد كبير من معامل وشركات الألبسة، إلى جانب انخفاض جودة الألبسة التي يتم استيرادها من الصين إذا قورنت بالألبسة التركية.
وبالنسبة للسوريين في تركيا، فإن عملية توريد الألبسة إلى سوريا صارت مهنة يعتمد عليها عدد كبير منهم، وخاصة المقيمين في مدينة اسطنبول، في ظل ما تجنيه هذه المهنة من أرباح جيدة نسبيًا مقارنة بغيرها من المهن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :