لم تُحدد بالضبط الأيام التي سيبقى فيها الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، ولكن بعد أربع سنوات من العنف والحرب في البلاد، هناك تحول كبير يجري على قدم وساق أخيرًا في ظل خساراته لبلدة تلو الأخرى باتجاه معقله.
ميتش بوتر – ذا ستار
نُشر في 12 حزيران 2015
خسر الأسد شمال غرب البلاد، ولا يزال يخسر في الشرق كما خسر في الجنوب أيضًا.
يتجاوز الأمر تحقيق تنظيم الدولة مزيدًا من المكاسب بينما تقتصد حكومة الأسد في انفاقها. إذ وُضع حاليًا “العدو اللدود للدولة الإسلامية” المتمثل بـ”الجهاديين” التابعين لجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في سوريا) التي تحاول إعادة ترتيب صفوفها، تحت الاختبار.
ليلة الأربعاء الماضي (10 حزيران)، يبدو أن الاختبار فشل فشلًا ذريعًا وسط تقارير أشارت إلى أن “عصابة” من عناصر جبهة النصرة قتلت قرابة 20 درزيًا سوريًا من القرويين في قرية قلب لوزة الدرزية بريف إدلب الشمالي.
ولا تزال تفاصيل معركة ريف إدلب غير واضحة، ولكن بالنسبة للأقليات كالدروز والعلويين والمسيحيين السوريين المحاصرين تحت مظلة الأسد “الضعيف” العسكرية، يُفسر هذا الاشتباك على أنه “مذبحة طائفية” كانوا يخشونها طوال الوقت.
“العقيدة الدرزية السرية”، تشبه الأقلية العلوية الأكبر منها والتي ينتمي إليها الأسد وتعتبر فرعًا من”الإسلام الشيعي القديم”. ويعتبر هؤلاء جميعًا مرتدون في نظر كثير من المسلمين السنة “المتشددين”، الذين يقاتلون في صفوف النصرة، ويتفقون عقائديًا مع “الدولة الإسلامية”.
ولكن في ظل الدعم الصريح لجبهة النصرة من قطر وتركيا والمملكة العربية السعودية، تراها ساعيةً للنأي بنفسها بعيدًا عن “الدولة”.
مقابلة الجولاني “المثيرة للجدل” على قناة الجزيرة
وفي مقابلة مثيرة للجدل عرضت الشهر الماضي على قناة الجزيرة، ظهر زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني، مرتديًا “عباءة القومية” ولين الخطاب بخصوص قضايا الأقليات، متعهدًا “كلنا سوريون والجميع مرحب به في حضن الإسلام بعد سقوط الأسد”.
وفي ظل التقاريرالصادرة الأربعاء (10 حزيران) عن عمليات القتل للدروز، دعا كينيث روس، المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش، جبهة النصرة عبر تويتر قائلًا “ما نحتاجه ليس ترياقًا مضادًا للأسد”.
ويأتي كل ذلك في ظل تزايد “قاتم” للتحريض الطائفي “البغيض”، عبر الخلط بين الحرب في سوريا والإنقسام السني-الشيعي الأوسع في المنطقة.
وفي خبر صادم بُث الشهر الماضي على قناة الجزيرة العربية، أجرى المذيع فيصل القاسم استطلاعًا للرأي حول مسألة فيما إذا كان العلويون في سوريا جلبوا الهلاك لأنفسهم، “ربما يجب طرح هذا السؤال”، أوضح القاسم وهو يصرخ على ضيوفه بغضب، مضيفًا “هل يجب علينا القضاء على جميع العلويين، بمن فيهم الأطفال؟”.
ويشعر الجميع بالقلق في أن يتحول الوضع في سوريا إلى عنف طائفي (وهذا ليس بجديد)، ويزداد هذا القلق في ظل هجوم جبهة النصرة على عدد من الجيوب التي تضم أعدادًا كبيرة من الأقليات في سوريا، لذلك يأخذ هذا التساؤل حيزًا كبيرًا من الأهمية.
أحد الباحثين الأوائل في منظمة هيومن رايتس ووتش أبدى لصحيفة ستار “مخاوف حقيقية” في هذا الشأن مشيرًا إلى أن “هذا أسوء مارأيناه بالفعل منذ اندلاع الحرب عام 2011”.
ولكن نقول الآن أنه على المجتمع الدولي أن يحشد لإنقاذ الأقليات في سوريا بعد وصول أعداد القتلى إلى أكثر من ربع مليون شخص، وتشريد 8 ملايين سوري وجرح قرابة مليون آخرين على أقل تقدير، بسبب الحرب التي يقودها الأسد ضد شعبه.
الباحث نديم حوري قال “هناك سبب حقيقي للقلق”، ولكن في نفس الوقت على المجتمع الدولي “الغائب” حماية المدنيين في سوريا بما في ذلك من عمليات القتل “الطائفية” التي تستهدف الأغلبية السنية.
وتشير التقديرات إلى أن نحو 40% من ضحايا الحرب في سوريا (ما يقارب 100 ألف شخص) هم من المدنيين الأبرياء، وينتمي الغالبية العظمى منهم إلى الطائفة السنية، وأن معظهم قتلوا ببراميل تحتوي على الكلور تلقيها القوات الحكومية، كما وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش.
كل ذلك يدعو إلى الاهتمام بالأقليات في سوريا، وحمايتهم من التهديدات المحتملة التي ستواجههم، والتي عانت منها الغالبية السنية خلال حكم جيلين من عائلة الأسد، ولكن دعونا لا نتظاهر بأنهم أول المدنيين المعرضين للخطر.
ويقول حوري إن أي جهد للالتفاف حول الأقليات في الوقت الراهن يعتبر خطرًا إذ أنه “سيتسبب بردة فعل عنيفة من الأغلبية التي لطالما شعرت أنها أكثر الفئات معاناة في ظل لامبالاة عالمية تجاهها”.
ترجمة عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الإنكليزية من المصدر اضغط هنا.