إسقاط الطائرة الأوكرانية ينبش اتفاقيات النقل الجوي.. من يعوض الضحايا

  • 2020/01/19
  • 3:46 م

تتجنب شركات الطيران حدوث أي عطل تقني أو إهمال بشري في كل عملية من عمليات النقل الجوي، ربما ينتج عنها حوادث في أثناء رحلة الطيران.

ووفقًا لـ”اتفاقية وارسو“، فنطاق مسؤولية شركة الطيران القانونية هي بذل العناية، في عدم القيام بأي خطأ من الممكن أن يؤدي إلى حدوث كارثة جوية، سواءً لركَّاب الطائرة أو الضرر المعنوي لأهالي الضحايا أو الضرر المادي للبضائع والحقائب المحملة على متن الطائرة.

وبموجب إحصائيات منظمة الطيران المدني الدولي “إيكاو” شهد العام الماضي 2.51 حادثًا من كل مليون رحلة لشركات الطيران حول العالم.

وتنتج مسؤولية قانونية عن كل حادثة من حوادث الطيران في الجو، سواء كانت هذه المسؤولية على شركات الطيران أو جهات أخرى مسؤولة عن تلك الحوادث.

تأبين ضحايا الطائرة الأوكرانية – 13 من كانون الثاني 2020 (فرانس برس)

ما الاتفاقيات التي تحدد التزامات الشركات وحقوق الضحايا

ولجأت الدول المعترف بها عالميًا إلى تشريع اتفاقيات تنظِّم أحكام التزامات وحقوق ومسؤولية الناقل الجوي، عن الأضرار المحتملة في أثناء وقوع الحادث، لأجل توحيد هذه الأحكام، كي لا تتنازع القوانين الوطنية لكل دولة في تحديد الجهة المسؤولة ونطاق مسؤوليتها.

عقد النقل الجوي الدولي

بحسب “اتفاقية وارسو” التي أُبرمت في 12 من تشرين الأول لعام 1929، فعقد النقل الجوي هو من العقود الملزمة لجانبين:

الطرف الأول فيها هو الناقل الجوي، وكل شخص طبيعي أو اعتباري يعرض أو يقوم بتشغيل خطوط جوية لنقل الركاب أو البريد أو البضائع يعتبر ناقلًا جويًا.

أمَّا الطرف الثاني، فهو كل مسافر يتعاقد مع الطرف الأول برضاه وإرادته، لينتقل من مكان الإقلاع إلى مكان الوصول المتفق عليه، سواء كان هناك توقف مؤقت بعملية النقل أو لا، سليمًا معافى، إذ لا فائدة من النقل إذا ألحق أضرارًا بالمسافرين، ومن دون تأخير زمني، بما يتناسب مع طبيعة سرعة النقل الجوي، وأن يتبع لوائح النقل الجوي الدولي.

وتقدم شركات الطيران جداول رحلاتها إلى سلطات الطيران المدني في الدول محل الوجهة، لاعتمادها قبل بدء العمل بها بفترة كافية.

وهذا العقد وفق الاتفاقية يشمل السفر داخل إقليم واحد أو عدة أقاليم مختلفة، ولا يشترط أن تكون جنسية طرفي العقد من دولة واحدة.

“اتفاقية وارسو 1929”

أولوية شركات الطيران هي التزامها بنقل المسافر مع ضمان سلامته البدنية، وتطور التزامها بذلك مع تطور أدوات النقل الجوي.

وأغلبية الشركات الآن ترشد ركاب الطائرة عن أماكن وطرق استعمال أحزمة الأمان المتصلة بالمقاعد، ومنافذ الطوارئ وأطواق النجاة، وتجهيزات الطوارئ الأخرى للاستخدام الشخصي والجماعي.

تشير “المادة 20” من الاتفاقية إلى أن مسؤولية الناقل الجوي قائمة على أساس الخطأ المفترض، أي أن المسافر لا يلتزم بإقامة الدليل على وجود الخطأ.

وأجازت الاتفاقية للناقل الجوي نفي الخطأ بإثبات بذل العناية اللازمة، من قِبله هو وتابعيه، لاتخاذ التدابير كافة لتجنب وقوع الضرر أو كان من المستحيل عليهم اتخاذ تلك التدابير، أو أن المضرور قد تسبب أو أسهم بخطئه في إحداث الضرر.

ومعيار “بذل العناية” لإدارة المخاطر، بحسب الاتفاقية، هو اتخاذ الاحتياطات الكافية المعتادة من قبل شركة الطيران، لأن شركة الطيران تتوقع ما يتوقعه القانون من مخاطر.

يمكن القول إن مسؤولية الناقل الجوي في ظل اتفاقية وارسو هي مسؤولية عقدية، ويعتبر مسؤولًا بقوة القانون بناءً على قرينة المسؤولية، من خلال وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر.

وفيما يخص مسؤولية الناقل، ووفقًا لـ “المادة 136” من قانون الطيران المدني السوري “رقم 6” لعام 2004، فتطبق أحكام اتفاقية “وارسو” وتعديلاتها والاتفاقيات الأخرى، التي انضمت إليها سوريا، فيما يتعلق بنقل الركاب والأمتعة والبضائع بطريق الجو سواء بين الدول أو داخل الدولة ذاتها.

وبمقتضى البروتوكولات المعدلة للاتفاقية، وتحديدًا “بروتوكول لاهاي 1955“، فإن الحد الأقصى للتعويض الذي يلتزم به الناقل الجوي في مواجهة كل مسافر متضرر، هو مبلغ قدره ثمانية آلاف و300 دولار أمريكي، بموجب قانون المحكمة الناظرة بالموضوع، على شكل مدفوعات دورية، طالما كان الناقل حسن النية.

واعتبرت اتفاقية “وارسو” الناقل سيء النية في حالتين:

1- إذا ثبت أن الضرر كان راجعًا إلى غشه أو إلى خطأ من جانبه.

2- إذا تخلفت وثائق السفر أو إذا لم تشتمل في حالة وجودها على بيانات إلزامية كانت قد حددتها الاتفاقية.

“اتفاقية مونتريال 1999”

حدثت اتفاقية وارسو لسنة 1929، والبروتوكولات المعدلة لها، بتقديم مشروع إلى المؤتمر الدبلوماسي الدولي للقانون الجوي (بحضور 121 دولة و11 منظمة)، ليتم التوقيع علي اتفاقية جديدة عرفت باسم اتفاقية مونتريال لسنة 1999.

ووفقًا للأمم المتحدة، تأتي اتفاقية مونتريال لتقدم نظامين مختلفين للتعويضات في حالة الحوادث الدولية للطائرات، إذ يتم دفع تعويض ثابت مقداره 135 ألف دولار أمريكي، وذلك بصرف النظر عن خطأ الناقل الجوي أو عدمه، أما التعويض الثاني فهو غير محدود ومبني على افتراض الخطأ وتقديره.

وقالت المنظمة الدولية للطيران المدني، التابعة للأمم المتحدة، عند دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، في 4 تشرين الثاني لعام 2003، إنه “سيتم تعويض وحماية الضحايا وعائلاتهم بشكل أفضل تحت الاتفاقية الجديدة”.

امرأة تضع الزهور على صور ضحايا الطائرة الأوكرانية – 13 من كانون الثاني 2020 (فرانس برس)

 

أين حادثة مطار الخميني من الاتفاقيات الدولية

لا تحدث جميع الحوادث الجوية بسبب أعطال تقنية بالطائرة أو بسبب إهمال بشري من قبل المسافر أو الناقل الجوي، بل هناك حوادث تقع بسبب أخطاء من جهات خارجة عن أطراف عقد النقل الجوي.

وأعلن “الحرس الثوري الإيراني”، في 8 من كانون الثاني الحالي، مسؤوليته الكاملة عن إسقاط الطائرة الأوكرانية، رحلة “رقم 752″، من طراز “Boeing 737-800″، التي سقطت قرب مطار “الإمام الخميني” في العاصمة الإيرانية طهران.

وتسببت الحادثة بمقتل 176 شخصًا، معظمهم أجانب، يتوزعون إلى 82 إيرانيًا، 63 كنديًا، و11 أوكرانيًا من بينهم تسعة هم أفراد الطاقم، وعشرة سويديين، وأربعة أفغان، وثلاثة بريطانيين، وثلاثة ألمان، بحسب ما قاله وزير الخارجية الأوكراني، فاديم بريستايكو.

وتوقع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في تغريدة له على “تويتر”، من إيران محاسبة مرتكبي إسقاط الطائرة، ودفع تعويضات.

تعويضات لم تنفذ بعد

تعهد الرئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، بتوفير 25 ألف دولار كندي لأسرة كل مواطن كندي أو مقيم إقامة دائمة بكندا، قتل جراء إسقاط الطائرة.

وأضاف في بيانٍ نشره عبر “تويتر”، يوم الجمعة 17 من كانون الثاني، أن بلاده تتوقع من إيران تعويض هذه الأسر، التي لا تستطيع الانتظار أسابيع، لأنها بحاجة للمساندة الآن.

وبحسب البيان، أعلنت وزارة الصحة الكندية قيامها بضمان وصول أولئك الذين يعانون من الحزن إلى خدمات الصحة النفسية.

وقبلها بيوم واحد، طالبت الدول التي فقدت مواطنيها على متن الطائرة طهران بتحمل مسؤولية إسقاط الطائرة وبدء تحقيق دولي، ودفع تعويضات لعائلات الضحايا.

وقال وزير الخارجية الكندي، فرانسوا شامبين، في بيان ألقاه في العاصمة البريطانية لندن، إن على السلطات الإيرانية تقديم خدمات قنصلية كاملة ودون انقطاع إلى مسؤولي البلدان المعنية.

وأضاف الوزير الكندي أن إيران قبلت تحمل مسؤولية إسقاط الطائرة، ولكن لا يمكن تحديد سبب إسقاط الطائرة بالضبط إلا عبر تحقيق دولي.

وأعلنت الهيئة القضائية الإيرانية، يوم الثلاثاء الماضي، إلقاء القبض على أفراد لتورطهم بحادثة تحطم الطائرة الأوكرانية، ولم يذكر عددهم أو تسميتهم، بحسب وكالة “الأناضول“.

وقائع مشابهة 

عرفت إيران حادثًا مماثلًا من خلال إسقاط طائرة مدنية، قبل أكثر من 30 عامًا، في الأيام الأخيرة من الحرب الإيرانية- العراقية.

وبحسب صحيفة “The New York Times“، في يوم 3 من تموز 1988، حين كانت القوات الأمريكية العراقية تتنازع في مياه الخليج، أسقطت البحرية الأمريكية بالخطأ طائرة إيرانية (الرحلة الجوية رقم 655)، وأفادت وسائل الإعلام الإيرانية آنذاك بأن 290 شخصًا كانوا على متن الطائرة، بينهم 66 طفلًا ولم يكن هناك ناجون.

وذكّر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بهذه الحادثة يوم الاثنين 6 من كانون الثاني، حين كان يرد على تهديد من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بمهاجمة مواقع ثقافية.

وبحسب الصحيفة، قالت البحرية الأمريكية لاحقًا إنَّها خلطت بين طائرة الركاب “Airbus A300” ومقاتلة “F-14” معادية تابعة لإيران.

وتضيف الصحيفة أن الرئيس الأمريكي وقتها، رونالد ريغان، أصدر بيانًا قال فيه إن “الولايات المتحدة تأسف للخسائر في الأرواح”، لكنه يدافع كذلك عن قرار الربان، الكابتن ويل روجرز، ودعم تحقيق لاحق لوزارة الدفاع الأمريكية إجراءاته، ولو أن التقرير أشار إلى أنه حصل على معلومات غير دقيقة فيما كانت الطائرة تقترب.

وألقى المحققون كذلك باللوم على إيران بسبب سماحها بتحليق طائرة في منطقة نزاع عسكري نشط.

حصل الكابتن روجرز لاحقًا على وسام الاستحقاق لخدمته في الخليج العربي، وأشاد تنويه مصاحب للوسام بـ”القيادة المفعمة بالحيوية” للكابتن و”حكمه المنطقي”، بحسب صحيفة “The New York Times” .

ألقى تقرير صدر في كانون الأول 1988، عن لجنة دولية من خبراء الطيران باللوم على البحرية الأمريكية لعدم تطبيقها إجراءات لإبعاد الطائرات المدنية عن مناطق الصراع، ودفعت الولايات المتحدة فيما بعد الملايين لتسوية قضية رفعتها إيران بخصوص المسألة لدى محكمة العدل الدولية.

مقالات متعلقة

دولي

المزيد من دولي