حباء شحادة | علي درويش | عبد الله الخطيب
أُغلقت الحدود أمام السوريين الباحثين عن الأمان في الخارج، لكنها فُتحت في الاتجاه المعاكس منذ عام 2014 لإيصال المساعدات الإغاثية لهم، فكانت متنفسًا للمحتاجين الذين احتملوا تبعات النزاع السوري طوال تسعة أعوام، الذي سبب “أسوأ كارثة إنسانية في القرن الواحد والعشرين”، حسب الوصف الأممي.
إلا أن ذلك المتنفس يواجه الخطر كل عام، واستخدمته دول “مجلس الأمن” كورقة للمقايضة لتأمين مصالحها على الأرض السورية وخارجها، حتى عرقله “الفيتو” الروسي للمرة الأولى، في 20 من كانون الأول 2019، ليدق ناقوس الخطر بالنسبة لـ1.11 مليون سوري، قدرت الأمم المتحدة حاجتهم للمساعدة.
المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أكد، في 9 من كانون الثاني الحالي، أن “لا بديل” عن الحدود لوصول المساعدات إلى المحتاجين في الشمال الغربي والشرقي لسوريا، لكن الداعم الروسي للنظام السوري أصر على التلاعب بالقرار بمساعٍ أحاطتها تفسيرات عديدة، ولوّحت بنهاية عهد الحدود المفتوحة لإغاثة السوريين.
عنب بلدي أعدت هذا الملف للوقوف على آثار “الفيتو” الروسي، وقابلت اختصاصيين وحقوقيين تحدثوا عما يمثله القرار الأممي بتوصيل المساعدات بالنسبة للشعب السوري، وما يسعى النظام لاكتسابه عبر تعطيله، وما البدائل الممكنة له.
المعابر قد تُغلق في وجه المساعدات الأممية..
هل من مداخل أخرى؟
باءت اجتماعات مجلس الأمن، التي ناقشت تمديد تفويض إيصال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا خلال الشهر الأخير من العام الماضي، بالفشل، بعد رفض ثلاثة مقترحات يسعى أحدها إلى زيادة المعابر من أربعة إلى خمسة، وآخران يهدفان لتقليصها إلى ثلاثة أو اثنين.
وفي 10 من كانون الثاني الحالي، تمكن مجلس الأمن الدولي من تمديد تفويض عملية إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا لمدة ستة أشهر فقط، لكن مع تقليص عدد المعابر ومدة الترخيص، وهو ما طالبت به روسيا.
ورغم خطورة الموقف الحالي بالنسبة لمستقبل قرار إيصال المساعدات عبر الحدود، إلا أن هذا الجدل ليس جديدًا، إذ يخضع القرار مع انتهاء تفويضه كل عام للرهانات السياسية، مهددًا بـ”آثار كارثية”، حسب وصف مدير منظمة “شام الإنسانية”، مهند عثمان.
إذ لا تقتصر المساعدات الإنسانية على الصناديق والسلال الإغاثية، حسبما قال عثمان لعنب بلدي، مشيرًا إلى أهميتها في دعم “مشاريع متكاملة”، مثل تشغيل المشافي وتقديم الأدوية وتشغيل الأفران ومحطات المياه وصيانة المدارس، ما يجعل غيابها “ذا أثر سلبي مباشر على حياة الناس”.
اعتراض ومقايضة للمصالح
يواجه تمديد القرار الأممي الخاص بإدخال المساعدات إلى سوريا دون موافقة حكومة النظام السوري جدلًا متجددًا كل عام، يدور حول أربع نقاط رئيسة، حسبما قال خبير إنساني مختص بعمل الأمم المتحدة، تحفظ على نشر اسمه.
وتتعلق النقاط الأربع بـ”إدخال أو تسليم المساعدات، وموافقة الحكومة أو إعلامها، والمعابر المستعملة، وزمن التمديد”.
إذ نص القرار الأممي على “إدخال” المساعدات، لكن روسيا طالبت بتغير صيغته لتصبح “تسليم” المساعدات، وهو ما يفرض متابعة ومساءلة ورقابة “أكبر”، حسبما قال الخبير الإنساني لعنب بلدي، موضحًا أنه وفي حال وصلت أي من مواد المساعدة إلى أي منظمة أو كيان مصنف ضمن لوائح “الإرهاب” العالمية، فذلك سيعني نهاية التنفيذ.
وكان قرار “إدخال المساعدات” أنشئ للتحرر من سيطرة النظام السوري وتسلطه عليها، فهو لا يتطلب “موافقة” الحكومة السورية، وإنما اعتمد على “إخطارها” بدخول الشاحنات الإغاثية دون تقديم التفاصيل، لكن روسيا تطالب الآن بإلزام الوكالات الأممية بالحصول على الموافقة الكاملة من الحكومة السورية، ما يعني إفراغ القرار من محتواه.
ومُدد القرار منذ إصداره في تموز 2014 لعام تلو الآخر، إلا أن المفاوضات الجديدة جعلت فترة التمديد ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، مع قابلية التمديد إلى سنة، دون التوصل لاتفاق واضح.
وبرأي الخبير الإنساني فإن ما يجري من مفاوضات في أروقة مجلس الأمن لا يتعلق بالقضية السورية وحدها، ولكنها “مقايضة للمصالح” ما بين الدول الأعضاء، مرجحًا أن تتراجع روسيا عن استخدام “حق النقض” لتأثير ذلك على صورتها العالمية في حال أصرت على إعاقة قرار إنساني.
المعابر المستعملة
تضمن قرار إدخال المساعدات أربعة معابر لإيصال المساعدات الإنسانية، معبري “باب السلامة” و”باب الهوى” عن طريق تركيا، ومعبر “اليعربية” عن طريق العراق، ومعبر “الرمثا” عن طريق الأردن.
واقترحت تركيا عند تقدمها بعملية “نبع السلام” في تشرين الأول 2019، متوغلة في الشريط الحدودي مع سوريا، فتح معبر خامس في مدينة “تل أبيض”، إلا أنها قوبلت بالرفض، كمشروع إيصال المساعدات لعام 2020، الذي قدمته ألمانيا وبلجيكا والكويت، والذي سعى إلى تقليص عدد المعابر إلى ثلاثة، بعد سيطرة النظام السوري على معبر “الرمثا” مع الأردن.
بدورها طالبت روسيا بتقليص المعابر المشمولة بالقرار إلى اثنين، وهما “باب السلامة” و”باب الهوى” (على اعتبار أنهما خارج سيطرة النظام السوري)، وطالبت بإلغاء معبري “اليعربية” و”الرمثا”، بحجة وقوعهما تحت سيطرة النظام السوري، إلا أن الولايات المتحدة لم تقبل بذلك، مع استمرارها باستخدام معبر “اليعربية” الذي يسيطر عليه حلفاؤها في “الإدارة الذاتية”.
بيد تركيا
لا يعني توقف المساعدات الأممية عبر الحدود توقف عمل المنظمات الإغاثية، ولا انتهاء المساعدات الواصلة إلى المحتاجين، إذ يرتبط القرار بمؤسسات الأمم المتحدة فقط.
ووفق مدير منظمة “شام الإنسانية”، مهند عثمان، فإن استمرار عمل المنظمات الإنسانية في الشمال السوري يرتبط بعاملين، الأول موافقة الحكومة التركية على السماح للمؤسسات الدولية والمحلية بالعمل من خلال أراضيها وعبر حدودها، لتنفيذ المشاريع كما كان يحصل قبل عام 2014، والتزام الدول الداعمة بتقديم التمويل بالرغم من إيقاف القرار.
وأضاف عثمان أن المنظمات الإغاثية تملك خيارات متعددة للحصول على التمويل اللازم لإتمام عملها، مثل الاتجاه إلى داعمين ومؤسسات جديدة، والاعتماد على الإمكانيات المحلية والتمويل الجماهيري، وتفعيل آليات العمل الخيري، والاتجاه إلى الخدمات المدعومة.
ثغرات قد تمر منها المأساة
ليس بإمكان تلك البدائل سد ثغرات نظم الإغاثة المتبعة قبل عام 2014، حسبما قال عضو الإدارة في منظمة “بنفسج” فؤاد سيد عيسى، لعنب بلدي.
إذ تمثل قيمة التمويل الأممية نسبة 40% من المساعدات التي تحصل عليها المنظمات، وفقًا لتقديرات سيد عيسى، وفي حال توقفت تلك المساعدات، مع تجريد العمل الإغاثي للمنظمات غير المرخصة من قبل النظام السوري من الصفة القانونية، فسيعني ذلك انسحاب بعض الدول المانحة وتلاشي ثقتها بالجهات الإغاثية المحلية.
وأشار الإداري في المنظمة الناشطة منذ عام 2013، إلى أن المنظمات الإغاثية كانت في بداية تأسيسها عام 2014، ولم يكن حجم الاحتياجات الإنسانية بهذا الكم، لذا فإن احتمال وقف المساعدات الأممية سيفرض واقعًا جديدًا “أكثر خطورة”.
ومع عدم تواني النظام السوري عن استهداف التجمعات المدنية والفرق الإغاثية السورية طوال سنوات النزاع، إلا أن الغطاء الأممي للشاحنات الإنسانية مثل لها “حماية قانونية” من الاستهداف، “يُخشى من ضياعها” في حال توقف تفويض إيصال المساعدات عبر الحدود، حسبما قال مدير فريق “منسقو الاستجابة”، محمد حلاج، لعنب بلدي.
مصلحة لروسيا في سوريا
قرار مجلس الأمن في مواجهة “الفيتو”
صدر قرار مجلس الأمن لإيصال المساعدات عبر الحدود عام 2014، “نظرًا لحجم الأزمة السورية وتعقيدها والحاجة الملحة لإيجاد طرق بديلة لتقديم المساعدات الإنسانية داخل سوريا”، حسبما ذكر موقع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA).
يُمكِّن الصندوق الإنساني السوري عبر الحدود، الذي تموله عدد من الدول المانحة، جميع المنظمات الشريكة في المجال الإغاثي، لا سيما المنظمات السورية، من توسيع ودعم وتقديم المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية وخطوط التماس.
والهدف الرئيس للصندوق توفير موارد يمكن التنبؤ بها، وهي متسقة في الوقت المناسب للشركاء، وبالتالي توسيع نطاق تقديم المساعدة الإنسانية لدعم أنشطة إنقاذ الحياة واستمرارها، مع التركيز على معظم الاحتياجات العاجلة و سد الثغرات الحرجة، وذلك بقيادة نائب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي.
القرار 2165
صدر في تموز 2014، وأُذن لوكالات الأمم المتحدة وشركائها عبره باستخدام الطرق العابرة لخطوط التماس والمعابر الحدودية، “باب السلامة، باب الهوى، اليعربية، الرمثا”، إضافة إلى المعابر التي تستخدمها بالفعل، من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك اللوازم الطبية والجراحية، إلى الأشخاص المحتاجين في سائر أنحاء سوريا من خلال أقصر الطرق، “مع إخطار السلطات السورية بذلك”. |
ولم تخفِ روسيا معارضتها لنص القرار ومضامينه منذ البدء به، لكن استخدامها “حق النقض” لتعطيله في كانون الأول 2019، مثّل “سابقة” فرضت على مستقبل القرار “خطورة” جديدة.
يمنح إيقاف المساعدات عبر الحدود وتسليمها للنظام السوري، قوة اقتصادية وعسكرية للنظام، وورقة ضغط على مناطق سيطرة المعارضة، عن طريق حصر المواد التي يسمح لها بالدخول، وبالتالي زيادة قدرته على استئناف المعارك، لاستعادة السيطرة على الأراضي غير الخاضعة لسيطرته، وهذا ما تعيره روسيا أهمية كبيرة وترى فيه مصلحة لها، حسبما قال وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، لعنب بلدي.
إذ يمثل الوجود الروسي في سوريا ودعمه للنظام، “تقاسمًا للسلطة مع الولايات المتحدة”، حسب رأي المصري، الذي أضاف أن وجود روسيا في سوريا يعني وجودها على المتوسط، وحضورها العسكري والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، لذلك لن تقبل أن تتخلى عن المنطقة كونها المنفذ الوحيد لها على المياه الدافئة.
وارتبطت روسيا باستثماراتها الاقتصادية مع النظام السوري، من خلال عقود الفوسفات واستئجار مرفأ طرطوس مدة 49 عامًا، وتوجهها لإنشاء بنك مركزي مشترك، وهو ما يجعل تخليها عنه أمرًا ليس سهلًا، حسب تعبير وزير الاقتصاد.
وأشار مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إلى أهمية الملف السوري بالنسبة لروسيا، التي استخدمته كوسيلة للتصدر في المجتمع الدولي كمتحكمة بالقرارات الدولية، واصفًا استخدامها “الفيتو” بـ”استعراض العضلات”.
“تقاعس” و”خلل أخلاقي”.. أين المبادئ الأممية؟
تقع الأمم المتحدة ما بين ثنائية مساعدة كل محتاج والالتزام بالقانون الدولي الذي ينص على احترام سيادة الدولة ذات الشرعية، ما جعلها عرضة للنقد والاتهام مرارًا خلال تلبيتها لاحتياجات سكان مناطق النزاع حول العالم.
ثلاثة أساليب لإيصال المساعدات الإنسانية في سوريا:
· مساعدات عبر دمشق للمحتاجين في مناطق سيطرة النظام. · عبر خطوط التماس في المناطق المحاصرة مثل مخيم “الركبان”. · عبر الحدود دون موافقة النظام. |
وتحاول الأمم المتحدة التكيف مع الوقائع على الأرض لمتابعة تنفيذ مهامها، ما أثار توقعات بتوجهها لإيصال المساعدات عبر مناطق النظام السوري في حال توقف قرار إيصالها عبر الحدود.
ودارت أنباء أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، ناقش في نيسان 2019، تحويل قرار إيصال المساعدات الإنسانية إلى دمشق، “لتقليل النفقات الإدارية لمكاتبها”.
إذ توظف أكثر من 40 شخصًا في تركيا والأردن لإدارة نظام الاستجابة لكامل سوريا، بتكلفة تخطت ستة ملايين دولار عام 2017.
لكن الدول المانحة والمنظمات الإنسانية اعترضت على ذلك الطرح، وما قد يعنيه من فائدة للنظام السوري وتعطيل للجهود الإغاثية.
تعتبر الأمم المتحدة النظام السوري الممثل الشرعي للدولة، و”تعلَق” في إجراءاتها البيروقراطية والقانونية، حسب رأي مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله.
لذلك لا ترى الأمم المتحدة مشكلة في التعاون مع الحكومة السورية، ولا تنظر إليها على أنها المسبب الرئيس في أزمة الشعب، وفق العبد الله، مشيرًا إلى إحالة الهيئة الدولية جميع مسائل الانتهاكات الإنسانية والجرائم التي يتهم بها النظام السوري، إلى لجان تحقيق منفصلة.
أسهمت تلك البيروقراطية بتدهور الأوضاع الإنسانية في سوريا وتراجعها، حسب تقييم العبد الله، لأنها لا تتعاطى مع وقائع الأمور ولكن مع المعطيات المسجلة لديها، التي تصنف النظام السوري بـ”صاحب الشرعية”.
إلا أن تلك “الشرعية” لن تفرض واقعًا سياسيًا جديدًا لمصلحة النظام السوري، الذي قطعت معه أغلب الدول الغربية علاقاتها الدبلوماسية منذ اعتماده القمع الأمني والعسكري للتعامل مع المتظاهرين المطالبين بالإصلاح منذ عام 2011، فهي محدودة بالتعامل مع الأمم المتحدة فقط، حسب العبد الله.
تضييق إلى حدّ الرضوخ
النظام السوري “حارس بوابات المساعدات”
عملت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الإنسانية مع الحكومة السورية منذ بداية النزاع وتزايد الاحتياجات الإنسانية لضحاياه، إلا أنها غرقت في البيروقراطية والتلاعب.
توصلت منظمة “هيومن رايتس ووتش” حسب وثائق حصل عليها “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، إلى أن حكومة النظام السوري وضعت إطارًا سياسيًا وقانونيًا يسمح لها بتحويل موارد مساعدات الأمم المتحدة، التي كانت تصل عن طريقها، لتمويل أعمال النظام العسكرية والاستفادة من المساعدات لمعاقبة السكان المدنيين الذين تعتبرهم معارضين لها، ومكافأة الذين تعتبرهم موالين أو يمكنهم خدمة مصالحها.
وتضمنت الوثائق معلومات عن تدخل فروع المخابرات السورية بتوزيع المساعدات التي تدخل عن طريق النظام، وفق اعتبارات سياسية بدلًا من الاحتياجات الأمنية أو الإنسانية.
كما ألزم النظام المنظمات الإنسانية بتقديم مشاريع إلى الحكومة للموافقة عليها، وغالبًا ما تُرفض لأسباب “غامضة وتعسفية”، مع منعها المنظمات من إجراء تقييم كامل للاحتياجات الإنسانية، وتقييد وصولهم إلى بعض المناطق، مع فرضها الحصول على إذن من وزارة الخارجية لكل زيارة ميدانية، وغالبًا ما تُرفض تلك الطلبات أو تُترك دون رد دون تقديم أسباب.
حددت الأمم المتحدة تسع نقاط توضح أسباب إعاقة عملها الإنساني في سوريا منذ عام 2019:
· الحرمان من الوصول إلى المحتاجين. · الحد من قدرة المنظمات الإنسانية الدولية على تنفيذ العمليات الإنسانية عبر الحدود. · إعاقة وتقييد عمل المنظمات المحلية والدولية في إيصال المساعدات عبر نقاط التماس داخل سوريا. · إعاقة النزاع المسلح للعمليات الإنسانية. · التهديدات الأمنية والسياسية للطواقم والمؤسسات والمخصصات الإنسانية. · التدخل الخارجي من الحكومة والجماعات المعارضة أو الدول الخارجية في تطبيق العمل الإنساني. · وجود الألغام ومخلفات المتفجرات. · العوائق الجغرافية لإيصال المساعدات الإنسانية، بما فيها تعطيل البنية التحتية. · إعاقة وصول المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية. المصدر: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) |
وتستخدم حكومة النظام السوري سلطتها أيضًا لإصدار تأشيرات الموظفين الدوليين، كوسيلة ضغط على المنظمات والوكالات الإنسانية، وتحتجز أو تؤجل التأشيرات إلى أن تمتثل المنظمة المعنية لمطالبها.
وتقدم وزارة الخارجية، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، قائمة بشركاء وافقت عليهم مسبقًا، وفقًا لوثائق “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، وتضم القائمة فقط المنظمات التي دققت ووافقت عليها فروع الأمن السورية، التي تنخرط مع الشركاء المحليين بانتظام، كما يمكنها الوصول إلى قوائم المستفيدين والبرامج الخاصة بهم في أي وقت.
وتحدثت تقارير إعلامية وحقوقية، عن تدخل الحكومة السورية بنوعية المواد الإغاثية الداخلة للمناطق الخارجة عن سيطرتها، مع منعها مرور المواد الطبية للمحتاجين.
كما كشفت مجلة “Foreign Policy” الأمريكية عام 2016، أن الأمم المتحدة سمحت للحكومة السورية بتعديل تقريرها الخاص بالاحتياجات الإنسانية، وشطب تعابير المناطق “المحاصرة”، ما مثّل “تلاعبًا بوقائع الحرب السورية وتوثيقها”.
مصلحة للنظام وخنق للمعارضة..
هل من بديل؟
تتزايد الاحتياجات الإنسانية في سوريا عامًا تلو الآخر، مع استمرار العنف والآثار الاقتصادية للنزاع المتمثلة بالتضخم، الذي أوقع 83% من سكان سوريا تحت خط الفقر، لذا يشكل دخول المساعدات إلى سوريا أهمية كبيرة للنظام تنعكس إيجابًا على اقتصاده، نظرًا لدخول كمية من القطع الأجنبي إلى خزينته، أو عن طريق دخول المواد الإغاثية.
وعاد دخول المساعدات عن طريق الدول المجاورة بالفائدة على النظام السوري، بشكلها النقدي، أو العيني عن طريق مناطق سيطرته، حسبما قال وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، لعنب بلدي.
القطع الأجنبي والمواد التموينية
واعترف النظام السوري بالاستفادة من إيصال المساعدات خلال الأعوام السابقة، على لسان رئيسه، بشار الأسد، في لقائه مع قناة “الإخبارية السورية” في 31 من تشرين الأول 2019، حين تحدث عن دخول القطع الأجنبي.
كما استفاد النظام منها عن طريق شرائه مواد المساعدات التموينية ذات الأسعار المتدنية من بعض المهربين من مناطق سيطرة المعارضة، وهو ما كان يؤدي إلى تخفيض الأسعار وتخفيف الأزمة في مناطق سيطرته.
وتساعد المواد الإغاثية، في حال نُقلت إلى مناطق النظام السوري، في تخفيض الأسعار وتقلل من الواردات، ما يؤدي إلى انخفاض الحاجة إلى العملة الصعبة، وبالتالي تحسين الاقتصاد ولو بشكل بسيط حسب الكميات التي تدخل، حسب رأي المصري.
لكن كميات المواد الموزعة على مناطق سيطرة فصائل المعارضة قلّت مؤخرًا، ولذلك لم يعد لها تأثير كبير، حسب تقييم وزير الاقتصاد، مضيفًا أن الاستفادة من القطع الأجنبي قلّت كذلك، لتحويل رواتب الموظفين العاملين في المنظمات الدولية إلى الليرة التركية.
بالمقابل يتوقع المصري أن يحمل توقف إيصال المساعدات عبر مناطق المعارضة أثرًا “سلبيًا” على اقتصادها، لاعتماد عدد كبير من العائلات على المساعدات، واستفادة نسبة 80% من إجمالي عدد السكان منها، وفق إحصائيات فريق “منسقو الاستجابة”.
وسيقود توقف مرور المساعدات عبر مناطق الشمال الغربي إلى ارتفاع الأسعار وخاصة أسعار المواد المستوردة الداخلة عن طريق تركيا، مع توقف عدد كبير من العاملين في هذا القطاع عن العمل ضمن مناطق سيطرة المعارضة، وبالتالي ارتفاع معدل البطالة، حسب وزير الاقتصاد.
“قيصر قاصر”
احتفت المعارضة السورية بإصدار الولايات المتحدة قانون العقوبات “الأكبر” على النظام السوري، والذي يسعى لصد محاولاته المستمرة للترويج لـ”نصره” العسكري ودعوته لعودة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع المجتمع الدولي.
واستهدف قانون “قيصر”، الذي أُقر في 12 من كانون الأول 2019، جميع الداعمين الأجانب للنظام السوري ماليًا وعسكريًا وتقنيًا، إلا أنه قدم “استثناءً واسعًا” للأعمال الإغاثية، حسبما قالت المحامية وعضو المكتب السياسي في منظمة “أمريكيون لسوريا حرة” منى جندي، لعنب بلدي، موضحة أن ذلك كان شرطًا لقبول القانون وتمريره.
ولكن ذلك الاستثناء لا يضمن استمرار العمل الإغاثي على سويته، حسبما يرى مدير “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، إبراهيم العلبي، إذ قد تعاني المنظمات والحكومات الدولية من مخاوف بسببه، تدعوها للانسحاب من تقديم المعونة كي لا تقع في شركه، بسبب التعامل مع النظام السوري.
في حال انتهى.. هل من حل بديل؟
مثّل تمديد تفويض قرار توصيل المساعدات خلال الأعوام السابقة “فوزًا مرحليًا”، وعادت المنظمات الإنسانية لتحمل ضغوط المفاوضات السياسية حوله عند انتهاء كل فترة لتمديده، ما جعله عرضة للتوقف كل عام.
كبديل عنه، يمكن للمنظمات الإغاثية لعب دور “أكبر” حسب رأي الخبير الإنساني المختص بشؤون الأمم المتحدة الذي التقته عنب بلدي (تحفظ على نشر اسمه)، وذلك من خلال توكيل المكاتب الإقليمية الأممية بالقيادة وتحمل المسؤولية، مع الحرص على تلافي الأخطاء التي قد تقع فيها المنظمات العاملة في الداخل السوري، وخاصة في إدلب، بسبب سيطرة حكومة “الإنقاذ” و”هيئة تحرير الشام”، المصنفة كـ”إرهابية”، وما قد يعنيه من نفور المانحين وتعطيل للمساعدات.
وحذر الخبير الإنساني من أن قيام الفصائل المسلحة بفرض ضرائب أو محاولة التدخل في عمل المنظمات الإغاثية، قد يقود إلى توقف النشاطات الإغاثية في مناطق سيطرتها.
لكن القيمة الرئيسة للقرار كانت تتمثل بتحمل الأمم المتحدة مسؤوليات قيادة العمل الإغاثي في سوريا، وهو ما لا تغني عنه أي منظمة دولية أو محلية أخرى، لافتقادها لـ”الوزن الدولي” والشرعية التي تمنح الثقة للمانحين، أما تنسيق الجهود الإغاثية فهو رهن لإرادة المنظمات وتعاونها، وبالتالي فهو قابل للاستمرار دون الإشراف الأممي.