عنب بلدي – ميس شتيان
“ولادتي كانت قبل أوانها بسبب تعب النزوح ونقص العناية الطبية”، معاناة عاشتها السيدة “أم مريم” في رحلة حملها التي لم تتوقف عند هذا الحد، بل استمرت إلى ما بعد الولادة، إذ تسببت الولادة المبكرة بحاجة الطفلة إلى حاضنة، ولم تتوفر إلا بعد فوات الأوان ما سبب لها ضمورًا في الدماغ.
“أم مريم” أُجبرت على النزوح مع أسرتها من كفرنبل بريف إدلب، إلى جانب نحو 380 ألف نسمة من أرياف إدلب الجنوبية والشرقية، منذ الأول من تشرين الثاني 2019 حتى 8 من كانون الثاني الحالي، بحسب أرقام فريق “منسقو استجابة سوريا”.
تعيش “أم مريم” اليوم في “مخيم القلعة” قرب سرمدا بريف إدلب، وتشرح لعنب بلدي ظروف ولادتها، إذ أصيبت بحساسية حمل و”كريب” وإسهال شديد لظروف المخيم، ما تسبب بولادة مبكرة عانت خلالها كثيرًا قبل وصول سيارة إسعاف نقلتها إلى أقرب مركز طبي.
بعد الولادة كانت الطفلة بحاجة إلى حاضنة لأنها ولدت قبل أوانها، ووجدت العائلة صعوبة في تأمينها، ما تسبب بإصابة الطفل بضمور في الدماغ، وهي اليوم بحاجة إلى إجراء عملية و متابعة طبية، بينما يبعد أقرب مشفى عن المخيم 25 كيلومترًا.
“أم مريم” ليست الحالة الوحيدة، وتوجد كثيرات من النساء في المخيمات يتعرضن لمشاكل في الحمل، ويتخوفن، حسبما نقلن لعنب بلدي، من خطر الولادة المبكرة في ظل غياب الخدمات الطبية ونقص الرعاية اللازمة.
دور صحة إدلب في علاج مشكلات الحوامل
وتشهد المنطقة نقصًا كبيرًا في الكادر الطبي وخروج عدد كبير من المراكز الطبية والمشافي عن الخدمة جراء القصف، كان أحدثها مشفى معرة النعمان المركزي وعياداته، في 8 من كانون الثاني الحالي.
مسؤولة الصحة الإنجابية في مديرية صحة إدلب، بتول خضر، تقول لعنب بلدي إن المشكلة الأساسية تكمن في نقص الكادر الطبي وصعوبة الوصول إلى المراكز الصحية المتطورة، بالنسبة لسكان المخيمات، وقلة توفر الأدوية والمتممات الغذائية الضرورية للمرأة الحامل، إضافة إلى انتشار أمراض عديدة بين النساء مثل الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس.
وأشارت خضر إلى أن معدل الولادات القيصرية، وفق أحدث إحصائية عام 2019، وصل إلى 30% من معدل الولادات في عموم المحافظة، بينما تتراوح تكلفة الولادة القيصرية في المشافي الخاصة بين 80 و90 ألف ليرة سورية والولادة الطبيعية بين 40 و50 ألفًا (الدولار يقابل 900 ليرة تقريبًا).
وذكرت المسؤولة في مديرية الصحة أن عدد المراكز الطبية والمشافي المتخصصة بالتوليد وأمراض النساء والأطفال انخفض من 51 إلى 23، موزعة على مختلف مناطق المحافظة بعد القصف الأخير الذي تعرضت له المنطقة وخروج عدد كبير من المشافي عن الخدمة، بينما بدأت المديرية بتسيير 50 عيادة متنقلة تجول في المخيمات لتقديم الرعاية الصحية للنساء والأطفال والحالات المرضية.
ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقرير أصدرته، في 5 من كانون الثاني الحالي، خروج 98 منشأة طبية عن الخدمة خلال عام 2019 بفعل القصف.
دورات لتأهيل القابلات
بدأت مديرية الصحة في إدلب دورات تدريبية لتأهيل وتخريج قابلات قانونيات قادرات على تغطية النقص في اختصاص التوليد والأمراض النسائية.
وأجرت المديرية دورة تدريبية لتأهيل القابلات لأول مرة في إدلب، في 24 من تشرين الثاني 2019، تحت عنوان “الدعم الأساسي للحياة في التوليد” واستهدفت 21 قابلة قانونية.
وأكدت مسؤولة الصحة الإنجابية في مديرية صحة إدلب، بتول خضر، أن المديرية مستمرة بتنظيم مثل هذه الدورات حتى تشمل مختلف قرى ومناطق ريف إدلب.
مسؤولة التدريبات في المديرية، الطبيبة عائشة إدريس، قالت لعنب بلدي إن الهدف من الدورة تدريب القابلات على القيام بالإسعافات الأولية في التوليد، مثل إنعاش الوليد، وتدبير حالات خطرة في أثناء وما بعد الولادة، وتقليل حالات الولادة القيصرية، وبالتالي تقليل معدل الوفيات.
ودقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر مجددًا مع تزايد أعداد النازحين واستمرار القصف والقتل وتردي الوضع الإنساني والصحي.
وعبر نائب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأزمة السورية التابع للأمم المتحدة، مارك كوتس، في 7 من كانون الثاني الحالي، عن “قلقه” من تدهور الأوضاع في محافظة إدلب، مع تزايد أعداد النازحين واستمرار القصف والقتل، واصفًا ما تمر به المنطقة بـ”الكابوس”.
وأشار كوتس إلى تزامن النزوح مع انخفاض درجات الحرارة، بينما يضطر العديد من النازحين للعيش في المخيمات والملاجئ العشوائية بأماكن غير صالحة للسكن، ما يتركهم معرضين لعوامل الجو.