نحارب الفساد وطواحين الهواء

  • 2020/01/12
  • 12:00 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

نشرت صحيفة “عنب بلدي” تقريرًا موسعًا عن حملة مكافحة الفساد التي بدأها نظام ابن حافظ الأسد بحق الفاسدين السوريين الكبار، ويأتي في مقدمتهم رامي مخلوف، ابن خال بشار، وأسفرت هذه الحملة، كما جاء في التقرير، عن استرداد مليارات الليرات  لمصلحة الخزينة.

لا يوجد لدينا نحن المواطنين السوريين أدنى شك في صحة هذا الخبر، وإنما يوجد لدينا استفسار صغير عما تعنيه كلمة “فساد”، فمن كثرة ما شاهدنا، وتفرجنا على حملات مكافحة الفساد في سوريا، انْزَمَغْنَا، وانْصَرَعْنَا، وانْخَوَتْنا، وما عدنا قادرين على التمييز بين فساد دسم، محشو بالرز والصنوبر واللوز، ومقلي بالسمن العربي، وفساد “دايت” يأكله أصحاب الأوزان الثقيلة ليستعيدوا ما فقدوه من رشاقة أجسادهم، مع أنهم يعرفون أن العطار لا يستطيع أن يصلح ما “أفسدَ” الدهرُ.

بعدما انتهى عصر الفرسان في أوروبا، ارتدى الدونكيشوت وتابعُه سانشو ثياب الفرسان، وتمنطقا بالسيوف والجعب والرماح، وخرجا ليلاحقا أي أشباح تلوح لهما في الظلام، متوهمين أنها جيش من الأعداء، يكران عليها، وينزلان بها ضربًا وتقتيلًا، ليكتشفا، مع طلوع ضوء النهار، أنها أغنام أو أشجار أو طواحين هواء!

لا يستطيع أخو أخته، في العالم كله، إقناع الدونكيشوتات التي تطبل وتزمر لنظام الأسد بأن مكافحة الفساد في هذا البلد غير ممكنة، لسبب رئيس هو أن النظام، بحد ذاته، فاسد، وإن وُجد إنسان نظيف، ذو أخلاق عالية، سرعان ما يعتبرونه شاذًا، ويجبرونه على العيش منبوذًا، ملومًا، محسورًا.. ولعلمكم أن القيادات العليا في الدولة السورية اعتنقتْ، خلال الثمانينيات والتسعينيات، فكرة مفادُها أن راتب الموظف في سوريا لا يكفيه حتى اليوم العاشر من الشهر، ولكن لا يوجد موظف (مو مْدَبّرْ حالُه)! يعني أنه يحصل على دخل غير مشروع “بَرَّاني”، وعليه فإن الموظفين يحققون الاكتفاء الذاتي، ولا يوجد ما يدعو رئاسة الحكومة لأن تزيد الرواتب! وعندما قيل لأحد رؤساء الوزراء إن هنالك موظفين شرفاء لا يرتشون ولا يحصلون على دخل “بَرَّاني”، رد عليهم: إنهم جحاش. هل تريدونني أن أزيد الرواتب، وأكبد خزينة الدولة مليارات الليرات، لأجل “كَمْ جَحْشْ” لا يعرفون كيف يدبرون أمورهم؟!

تُروى عن وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه دايان، حكاية تقول إنه أعلن في الصحف أن الجيش الإسرائيلي سيشن حربًا على سوريا ومصر والأردن يوم الخامس من حزيران 1967، وعندما سألوه، لاحقًا، عن سر هذه الجسارة في تحديد ساعة الصفر قال: العرب لا يقرؤون.

وبغض النظر عن صحة هذه الرواية، يجدر بنا أن نؤكد أننا، نحن السوريين، منقسمون إلى ثلاثة أقسام. قسم لا يقرأ ولا يهتم بشيء، وقسم يقرأ ولكنه لا يبالي، وقسم يقرأ ويعرف كل شي ولكنه منبوذ، وهذا الأخير قرأ تصريح حافظ الأسد في بداية تسلّمه السلطة، إذ شرح أمام الوزير حمود الشوفي خطته لحكم سورية قائلًا: هنالك مَن يبحث عن مكاسب، سنعطيه، وهناك من يعارض، سنسجنه. يعني، باختصار، حافظ وضع خطة صريحة لإفساد الدولة، ونفذها، ومشى عليها وريثُه، ومع ذلك الدونكيشوتات مستمرة في محاربة الفساد!

مقالات متعلقة

  1. رامي مخلوف والقذافي وحافظ
  2. دعوى قضائية على مأمون حمدان
  3. اعتقالات جديدة تطال مسؤولين في السعودية
  4. قضية اختلاس هزوان الوز تثير التساؤلات حول "فشل" الحكومة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي