ما بعد العودة الأفقية لقاسم سليماني

  • 2020/01/12
  • 12:00 ص

إبراهيم العلوش

بكى علي خامنئي في تأبين قاسم سليماني، وبكى حسن نصر الله في مخبئه البعيد، وبكى علي مملوك أيضًا! رغم أن مملوك الذي مثّل بشار الأسد في التأبين، يدير منذ سنوات العديد من المعتقلات، ولم تدمع له عين على ألوف السوريين الذين ماتوا عنده تحت التعذيب.

خرج حسن نصر الله بنظرية جديدة بعد موت سليماني، هي نظرية العودة الأفقية للجنود الأمريكيين إلى بلادهم، بعد أن جاؤوا عموديًا، كما أشار موضحًا بيديه الملطختين بدماء السوريين، وذلك ردًا على العودة الأفقية لقاسم سليماني (العودة بالتابوت) إلى إيران بعد أن كان يسرح ويمرح في أملاك إيران من بيروت إلى دمشق وبغداد وصنعاء.

وتدافع الإيرانيون عند دفن سليماني ومات أكثر من 35 منهم نتيجة التزاحم، فقاسم سليماني الذي صرف موارد الشعب الإيراني على الحروب الخارجية، حظي بدعاية قومية ودينية صنعت منه بطلًا إيرانيًا يعوّض عن غياب الحريات وغياب أموال النفط عن الشعب الإيراني. وتكريمًا لحزن علي مملوك قالت زينب، ابنة قاسم سليماني، في كلمتها التأبينية أمام العالم، إن بشار الأسد وحده قادر على القضاء على ترامب!

ردت إيران على قتل سليماني برشقة صواريخ انطلقت من المدينة التي ولد ودفن فيها سليماني (كرمنشاه)، باتجاه قاعدة “عين الأسد” وقاعدة أربيل الأمريكيتين في العراق، ولم تسفر عن إصابة أمريكيين، ولا حتى عن أضرار بالغة، فنائب الرئيس الأمريكي بنس صرح بأنهم قد أحيطوا علمًا بالهجوم، وتم أخذ الاحتياطات اللازمة لحفظ حياة الجنود الأمريكيين، ما يدل على أن الرد الإيراني مجرد رد سياسي لإرضاء الداخل، ولإرضاء جمهور محور الممانعة الذين وصفوا الهجوم بالتاريخي، وأنه تم قتل 80 جنديًا، وكثير من الأمريكيين لا يزالون تحت الأنقاض، وما إلى ذلك من التهويل الذي أبدعوا في صناعته وهم يمدحون بشار الأسد، وحسن نصر الله، وصناعة السلام الإيرانية في المنطقة!

الحدث المفاجئ بعد مقتل سليماني هو ظهور الرئيس الروسي بوتين في دمشق، واستدعاؤه بشار الأسد إلى مقر القوات الروسية في دمشق، وليس في قاعدة حميميم، دون أي بروتوكول يشير إلى حضور الرئيس الروسي إلى دولة أجنبية، فكل الأعلام والصور روسية، ولم يسمح لبشار الأسد باصطحاب أحد إلا وزير الدفاع، الذي كان جالسًا على كرسي مهين!

موت قاسم سليماني يمثل مرحلة جديدة للاحتلال الروسي، فإيران ستكون مشغولة بالحصار الاقتصادي الخانق وبمعاركها في العراق، ولن تستطيع أن تلتزم بتعهدات قاسم سليماني التي قدمها لإقناع الروس بالتدخل، عبر تطمينه الجانب الروسي بأن أعمال القتال البرية ستقدمها الميليشيات الإيرانية، وما على الروس إلا التغطية الجوية، والتغطية القانونية والسياسية في مجلس الأمن وفي المجتمع الدولي.

يشير الصحفي الروسي ليونيد بيرشيديسكي تعليقًا على الزيارة المفاجئة، بأن الروس قد يعقدون صفقة للتعويض عن الوجود الإيراني في سوريا الذي غاب مهندسه قاسم سليماني، وذلك بإقناع الأتراك بالتدخل على الأرض بدلًا من الإيرانيين مقابل إيجاد تسوية ما بشأن بشار الأسد، بشكل يرضي الأتراك، ويحافظ على ديمومة الاحتلال الروسي لسوريا، وقد يكون خبر هذا البازار هو الذي أبكى علي مملوك، لاستعطاف إيران لعلها تبقى موجودة بقوة لدعم بشار الأسد، ولتحميه من البازارات الروسية بعد موت سليماني!

وقد قام الرئيس الروسي بزيارات ترويجية إلى الجامع الاموي وإلى الكنيسة المريمية الأرثوذكسية، ولكن اللغز كان في زيارته لقبر صلاح الدين الأيوبي، فهل كان بوتين يكرر مشهد الجنرال غورو عندما زار قبر صلاح الدين 1920 بعد احتلال فرنسا لسوريا؟

صحيح أن بوتين لم يضع رجله فوق قبر صلاح الدين كما فعل غورو، ولكنه جعل الموت والتهجير والتعذيب هو الخلفية المهينة للشعب السوري ولمطالبه بالحرية والتخلص من نظام الأسد الفاشي.

موت قاسم سليماني يحرك العالم، بينما لا يأبه العالم بموت السوريين كل يوم تحت القصف الروسي، وتحت التعذيب، وفي قوارب الموت، وعلى حواجز الميليشيات الإيرانية، والتنظيمات الجهادية المتطرفة، فالعالم مشغول بعقد الصفقات، بينما يعاني أهلنا من البرد والجوع والحرمان من التعليم، فهذا الواقع المأساوي الذي أسهم قاسم سليماني بصنعه مع نظام الأسد ومع الروس، لا يزال يتفاقم كل يوم، ولن يتغير نوع الموت علينا بعد العودة الأفقية لسليماني، بل قد يتغير من يقوم بالقتل ما لم نأخذ قضيتنا بأيدينا، ونجبر العالم على احترام حقوقنا، عبر الاحتجاج في مدن العالم التي وصل إليها السوريون، وعبر التنظيم السياسي والاجتماعي، وعبر التعاون والتآخي لنخرج جميعًا من هذا الجحيم!

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي