بين ميدفيديف وبوتين.. سيادة الدولة السورية في جيب الروس
للمرة الثانية على التوالي يرسل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، رسائل بأنه صاحب القرار النهائي في سوريا، من خلال زيارته الثانية إليها ولقائه برئيس النظام، بشار الأسد، الثلاثاء الماضي، وما رافقها من مظاهر خارجة عن البروتوكولات المعمول بها بين زعماء الدول.
وهذه الزيارة الثانية بعد زيارة سابقة أواخر 2017، إلى قاعدة حميميم العسكرية في اللاذقية واستدعاء الأسد إليها.
الزيارتان كرستا الهيمنة الروسية على سوريا ومسؤوليها، وعلى رأسهم الأسد، الذي يعتبر روسيا، خلال تصريحاته ولقاءاته الإعلامية، دولة صديقة تساند قواته في محاربة ما يصفه بالإرهاب، في حين ترى موسكو في دمشق بوابة لتثبيت أقدامها على نافذة المتوسط الشرقية، وإعادة وزنها السياسي في العالم من خلال تسلّم زمام أمور الملف السوري، سياسيًا وعسكريًا، الذي شغل العالم أجمع خلال السنوات الماضية.
تاريخيًا، يعتبر فلاديمير بوتين الرئيس الثاني الذي يزور سوريا، في حين كانت الزيارة الأولى للرئيس السابق، ورئيس الوزراء الحالي، ديمتري ميدفيديف، في أيار 2010.
وبالمقارنة بين الزيارتين والمظاهر المرافقة، يظهر أن سيادة الدولة السورية أصبحت في جيب الروس.
سوريا والمعسكر الشرقي
تحسب سوريا سياسيًا على المعسكر الشرقي، الذي كان بزعامة الاتحاد السوفيتي قبل انهياره في تسعينيات القرن الماضي، وعمل الرئيس السابق، حافظ الأسد، على توطيد العلاقات الاقتصادية مع روسيا، فتم توقيع اتفاقية بين الحكومتين السورية والروسية للتعاون التجاري والاقتصادي في 1993.
لكن بعد تسلّم بشار الأسد الحكم في عام 2000، شهدت العلاقات بين البلدين برودًا نتيجة تقرب الأسد من المعسكر الغربي، وهو ما أزعج الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي وصل إلى الحكم في نفس عام وصول الأسد الابن، لاعتباره بأن خسارة سوريا تعني خسارة أهم جسر لتوسيع النفوذ الروسي السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة.
وهو ما أكدت عليه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في نيسان 2018، إذ قالت إن الأسد كان قبل 2011 “أفضل صديق لواشنطن ولندن، وليس لموسكو”.
كما قال رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، الأمير بندر بن سلطان، إنه التقى بوتين في 2012 في سوريا وتحدثا عن الأسد ومصيره، وأوضح في مقابلة مع صحيفة “إندبندنت” بنسختها العربية، في شباط 2019، أن بوتين قال له “أنتم السعوديين الآن تدفعون الثمن.. ثمن تضخيم دور بشار، أنتم من كبّر رأس الأسد وذهبتم به إلى باريس ورتّبتم له زيارة مع شيراك (جاك شيراك الرئيس الفرنسي السابق) ثم إلى لندن، هل تعلم أنني دعوته أكثر من مرة لزيارة موسكو ولم يأتِ. لكن أنا باقٍ هنا، وستأتي اللحظة التي يأتي فيها بيديه وقدميه حبوًا إلينا، وفي تلك اللحظة سنرى”.
بين الزيارتين
في أيار 2010 حطت طائرة الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، الذي تسلّم رئاسة روسيا بين عامي 2008 و2012 قبل عودة بوتين إلى الحكم، في مطار دمشق الدولي، لتبدأ مراسم الاستقبال وفق البروتوكولات المعمول بها بين الزعماء.
وتظهر تسجيلات لوسائل إعلام عربية وأجنبية في “يوتيوب” إقامة مراسم استقبال رسمي في القصر الجمهوري في سفح جبل قاسيون، واستعراضًا لحرس الشرف عند قدوم ميدفيديف.
كما تظهر تسجيلات أخرى إقامة مؤتمر صحفي بحضور مسؤولين سوريين وروس كبار، وترحيب الأسد بالرئيس الروسي في افتتاح كلمته، إلى جانب تجولهما في دمشق القديمة وسط ترحيب من قبل مواطنين.
لكن بعد انطلاق الثورة السورية بدأت موسكو بالدفاع عن النظام السوري في المحافل الدولية على الصعيد السياسي، وبدأت مساندته عسكريًا في أيلول 2015، عندما اضطر الأسد إلى الاستعانة ببوتين، بعد توسع نفوذ فصائل المعارضة السورية.
ومنذ ذلك الحين، بدأ بوتين بإظهار نفسه بأنه الوصي الوحيد على سوريا من خلال إدارة عدة ملفات سياسية وعسكرية واقتصادية.
كما تجسد ذلك من خلال استدعاء الأسد إلى مدينة سوتشي الروسية ثلاث مرات بشكل سري، كانت الأولى في 21 من تشرين الأول 2015، والثانية في 17 من أيار 2018، والثالثة في 20 من تشرين الثاني 2019.
وفي المقابل، زار بوتين قاعدة حميميم العسكرية أواخر 2017، واستدعى الأسد إلى هناك، وأظهر تسجيل مصور حينها إهمال بوتين للأسد، إلى جانب منع ضابط روسي الأسد من اللحاق بالرئيس الروسي.
وفي الزيارة الأخيرة، في 7 من كانون الثاني الحالي، لم تُعتمد البروتوكولات المعمول بها بين زعماء الدول، من حيث مراسم الاستقبال وأماكن اللقاء، إذ التقى الرئيسان في مقر تجمّع القوات الروسية بدمشق، قبل أن يزورا الجامع الأموي والكنيسة المريمية وسط العاصمة، في ظل وجود المرافقة الروسية وغياب أي مرافقة أمنية سورية.
https://www.youtube.com/watch?v=Yg4lAsKT6so
وتظهر التسجيلات التي نشرتها معرفات “رئاسة الجمهورية السورية” في مواقع التواصل وجود مسؤول سوري واحد فقط هو وزير الدفاع، علي عبد الله أيوب، في ظل حضور ضباط ومسؤولين روس كبار.
كما بدأ بوتين في أحد التسجيلات الحديث في اللقاء والترحيب وليس الأسد، على خلاف المعمول به، ويبدو فيه أيضًا عدم اهتمام بوتين بحديث الأسد الذي وجهه إلى العسكريين الروس الذين يقاتلون في سوريا، إذ لم يمكن يضع آلة الترجمة الفورية.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :