إدلب – شادية التعتاع
شق صوت البكاء سكون الفجر، وقاد المصلين للبحث عن مصدره قرب المسجد، في بلدة من ريف اللاذقية، ليفاجؤوا برضيعة تبلغ ساعات من العمر، ملفوفة بكيس ومعطف نسائي.
حُملت الرضيعة إلى مختار البلدة، الذي أشار بوضعها في الميتم، إلا أن شابًا من الحضور لم يقبل بذلك الحل.
لم يتوقع الشاب المقيم في ريف إدلب، والذي طلب عدم نشر اسمه لأسباب شخصية، أن تنتهي زيارته المعتادة للساحل، في أثناء تجارته بالحمضيات عام 2010، برعايته لطفلة لا يعرف نسبها.
اصطحبها برفقة المختار إلى مخفر الشرطة، وأثبت حادثة العثور عليها، وأعلن عن رغبته برعايتها، حسبما قال لـعنب بلدي.
استقبلته والدته مع مجموعة من النسوة لرؤية القادمة الجديدة، التي باتت أختًا جديدة له منذ ذلك اليوم، بعد تسجيلها على نسب والده “بشكل قانوني”.
عبير الإسماعيل تخلت عن ابنتها بدافع “الحب”، حسب تعبيرها، مشيرة إلى معاناة أختها بسبب الحرمان من مشاعر الأمومة لتبرير تسجيل الطفلة باسمها، بعد خمسة أيام على ولادتها.
“عطاؤها” لم يكن هدفه سوى “إدخال البهجة” إلى قلب أختها و”الحفاظ على حياتها الزوجية”، حسبما قالت عبير لعنب بلدي.
وأضافت عبير أن قرارها اتُّخذ بعد تفكير مطول وبموافقة من زوجها، كونها أمًا لخمسة أطفال آخرين، وتأمل الآن، بعد أن انتقلت عائلة أختها إلى هولندا، ألا “تكرهها” ابنتها البالغة من العمر 12 عامًا وأن تبقى علاقتها سليمة مع إخوتها.
“حرام” شرعًا وقانونًا
عاشت سوريا خلال الأعوام التسعة الماضية نزاعًا مسلحًا أوقع مئات آلاف القتلى وشتت الملايين، وخلف 185 ألف طفل يتيم في المنطقة الشمالية الغربية وحدها، وفقًا لإحصائيات فريق “منسقو استجابة سوريا”، الصادرة في كانون الأول 2019.
وزادت الحرب في أعداد الأيتام والأطفال المشردين، بحسب حديث سابق لمدير “منسقو الاستجابة”، محمد حلاج، لعنب بلدي.
وفي حين تشجع الشريعة الإسلامية على كفالة الأيتام، إلا أنها لا تبيح تغيير أنسابهم، حسبما قال المدرّس الجامعي الحاصل على درجة الماجستير بأصول الفقه بلال الأبرش.
وأوضح الأبرش لعنب بلدي أن “الأمر محسوم شرعًا بحرمة التبني”، إلا أن الشرع يسمح للمرأة بإرضاع الطفل دون السنتين، لتثبت حرمة الإرضاع وتصبح وزوجها أمًا وأبًا للطفل بالرضاعة، لكن مع حفظ نسبه، إن كان معروفًا، أو عدم إعطائه نسب العائلة التي ترعاه.
ويوافق القانون السوري الشرع في منع التبني وتغيير الأنساب، حسبما قال المحامي نهاد عبد الوهاب الأسعد لعنب بلدي، إذ إن الأطفال مجهولي النسب يسجلون في دائرة النفوس في خانة مستقلة إلى حين إقرار أهلهم بنسبهم، وإحضار الثبوتيات اللازمة، أو يبقى الطفل “لقيطًا” من الناحية القانونية ويأخذ اسمًا ولقبًا منفصلين.
وأضاف الأسعد أن القانون السوري “منع وجرم التبني”، وأوجد بدلًا عنه مراكز الرعاية، التي تخصص ملفًا لكل طفل، يُذكر فيه مكان إيجاده وعمره، ويُخصّص له اسم ولقب، في حال لم يعرف نسبه، ويسجل في السجل المدني.
وحذر الأسعد من غياب التشريعات الناظمة والمتابعة القانونية للمستجدات في سوريا ودول الجوار، التي ضمت ملايين السوريين النازحين واللاجئين، وأثرها على ضياع هوية الأطفال السوريين المشردين والأيتام.
قوانين ناظمة وحاجات “ماسة”
قالت وزيرة الشؤون الاجتماعية في حكومة النظام السوري، ريما القادري، لصحيفة “الوطن”، في تشرين الأول من عام 2017، إن “الأزمة” التي تشهدها سوريا، انعكست على الواقع الاجتماعي، وزادت من نسبة الأطفال مجهولي النسب، رغم عدم وجود إحصائية دقيقة عن أعدادهم، بسبب ظروف الحرب.
وفي عام 2016 قُدم مشروع يقضي بتنظيم أمور “مجهولي النسب” في سوريا، وفرض عقوبات “جنحية” ومالية على كل شخص يمتنع عن تسليم الأطفال أو يخفي معلومات عنهم بهدف عدم تعرف والديهم أو أحدهما أو أصولهم إليهم، مع فرض عقوبة بالحبس من ثلاث إلى ست سنوات، وغرامة مالية تصل إلى 400 ألف ليرة سورية.
ويضم القانون، الذي وافق عليه أعضاء مجلس الشعب، في حزيران من عام 2018، بقاء مجهول النسب في دور الرعاية حتى تمام سن الثامنة عشرة، ليصبح قادرًا على الاعتماد على نفسه وكسب عيشه، ويجوز لإدارة الدار بعد موافقة المديرية التابعة لها تمديد استضافته مدة سنة قابلة للتمديد على ألا تتجاوز مدة التمديد سبع سنوات.
ويلزم كل من يعثر على طفل مجهول النسب إبلاغ الشرطة وتسليمه مع ما معه من أغراض، ليتم تنظيم ضبط أصولي بالواقعة وإعلام النيابة العامة ودار الضيافة المعتمدة لاستلام الطفل أصولًا.
واعتبر القانون أن كل طفل مجهول النسب عربي سوري مسلم “ما لم يثبت خلاف ذلك”، ويعاد تسجيل مجهول النسب على نسبه الحقيقي من قبل أمين السجل المدني في حال ثبوت نسبه من أبيه بموجب حكم قضائي قطعي.
ويعتبر مجهول النسب، وفق القانون السوري، كل وليد أو طفل لم يتم السابعة من عمره ويعثر عليه ولم يثبت نسبه، أو لم يعرف والداه، أو ضل الطريق ولا يملك القدرة على الإرشاد عن ذويه لصغر سنه أو لضعف عقله أو لأنه أصم أبكم.
وتصنف الأمم المتحدة الأطفال غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم والمقيمين مع مقدمي الرعاية من كبار السن أو ذوي الإعاقة، بين الفئات الأشد ضعفًا، التي هي بأمس الحاجة للمساعدة، إذ “قد يواجه الأطفال مخاطر محددة بسبب العمر والنوع الاجتماعي والإعاقة والتصورات الاجتماعية للطفولة”.
ويكون الأطفال الذين يعيشون في أماكن مزدحمة، مثل مراكز الإيواء الجماعية ومع الأسر المضيفة، أكثر عرضة للعنف المنزلي، حسبما ذكر تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للحاجات الإنسانية في سوريا عام 2019، الذي أشار إلى أن المحافظات السورية جميعها أبلغت عن انفصال الأطفال عن ذويهم في 46% من الحالات المقيمة في الداخل السوري، نتيجة موت أو اختفاء مقدمي الرعاية، أو التجنيد أو الزواج المبكر.