د. أكرم خولاني
الكيسات الكلوية هي جيوب دائرية مملوءة بسائل يتشكل على الكليتين أو بداخلهما، ويمكن أن ترتبط الكيسات الكلوية باضطرابات خطيرة قد تُضعف وظيفة الكلى، ولكن الأكثر شيوعًا هو أن تكون الكيسات الكلوية من نوع يُسمى التكيسات الكلوية البسيطة، التي نادرًا ما تسبب مضاعفات، ولا تزال أسبابها غير واضحة.
يمكن أن تشاهد الكيسات الكلوية البسيطة عند الأجنة، وتشخص مصادفة في أثناء إجراء إيكو مراقبة للحمل من قبل طبيب الأمراض النسائية، وتكون الكلية في هذه الحالة مكونة من كيسات عديدة غير متصلة ببعضها ومملوءة بالسائل، وقد تكون الكليتان المصابتان بالتكيس الكلوي غير وظيفيتين، لكن هذه الحالة فعليًا تكون أحادية الجانب، وتشفى معظم الحالات عفويًا.
أيضًا يمكن أن تشاهد الكيسات الكلوية البسيطة عند الأطفال والبالغين في أي عمر، وعادة ما تظهر كيسة واحدة فقط على سطح الكلية، ولكن يمكن أن تؤثر التكيسات العديدة في كلية واحدة أو الكليتين، ويتم اكتشافها غالبًا في أثناء اختبارات تصوير الإيكو التي تجرى من أجل حالة أخرى، ولا تتطلب الكيسات الكلوية البسيطة، التي لا ينتج عنها ظهور علامات أو أعراض، العلاج.
ولكنّ هناك نوعًا آخر للكيسات الكلوية غير السرطانية يمكن أن يؤدي إلى اختلاطات عديدة، ويسمى داء الكلى متعددة الكيسات.
ما هو داء الكلى متعددة الكيسات؟
داء الكلية متعددة الكيسات Polycystic kidney disease (PKD) هو مرض وراثي يعتبر من أشيَع الأمراض الكلوية الوراثية، ويتميز بتشكيلات كيسية غير سرطانية في النسيج الكلوي تحتوي على سائل مائي القوام، وهي ذات أحجام مختلفة و كلما زاد حجم السائل فيها ازداد حجم الكيس، ويمكن أن تنمو الكيسات بدرجة كبيرة جدًا، ووجود العديد من الكيسات أو الكيسات الكبيرة يمكن أن يلحق الضرر بالكلى، كما يمكن أن يتسبب مرض الكلى المتعدد الكيسات في ظهور تكيسات في الكبد والبنكرياس والطحال والدماغ.
ولهذا المرض نمطان:
- نمط طفلي متنحٍّ: يتم نقل المرض بواسطة الجينات المتنحية، وهي حالة نادرة، تشاهد عند واحد من كل 10– 40 ألف مولود حي، وتظهر علامات المرض مبكرًا، وقد تظهر بوادر آثار المرض في الأجنَّة أو مباشرة بعد الولادة، ويحدث هذا عندما يحمل كلا الوالدين الخلل الجيني، فعندها يصاب 25% من الأبناء بالمرض.
- نمط كهلي سائد: يتم نقل المرض عبر الجينات السائدة المتعلقة بتطور المرض، ويعد هذا النمط أكثر شيوعًا من النمط الآخر المتنحي، ويصاب به 50% من الأبناء الذين يولدون لوالدين مصابين بهذا الخلل الوراثي. تظهر الأعراض المرضية السريرية للمرض في العقد الثالث أو الرابع من عمر المصاب.
ما التظاهرات السريرية لداء الكلى متعددة الكيسات؟
يتظاهر النمط الطفلي عند الصغار بما يلي:
- تظاهرات بعد الولادة مباشرة: انتفاخ في البطن، مشكلات تنفسية بسبب اضطراب في تطور رئتي الجنين، إقياء بعد الرضاعة، مشكلات في نمو وجه الوليد وأطرافه، ضغط دم مرتفع.
- تظاهرات متأخرة: نقص صوديوم خلال الأسابيع الأولى للحياة، بوال وسهاف بسبب نقص قدرة الكلية على تكثيف البول، التهاب مجارٍ بولية متكرر، حماض استقلابي، ارتفاع توتر شرياني خلال السنوات الأولى للحياة، إصابة كبدية (شائعة جدًا وتتصف بـ: تليف كبد، كيسات كبدية وتوسع طرق صفراوية، ارتفاع توتر وريد الباب، التهاب طرق صفراوية جرثومي)، مظاهر قصور كلوي بعمر حوالي 15 سنة.
أما النمط الكهلي فتبدأ تظاهراته بعمر 20-30 سنة، وتقسم إلى قسمين:
- تظاهرات كلوية: بيلة دموية غالبًا ما تكون عيانية، ارتفاع توتر شرياني كلوي المنشأ، بيلة بروتينية، تحصٍّ كلوي، ألم بالخاصرتين، التهاب مجارٍ بولية متكرر، شعور امتلاء في البطن، كبر حجم البطن، أعراض قصور كلوي (يتميز بأنه القصور الكلوي الوحيد الذي لا يترافق بفقر الدم، كما أن الكلية تكون فيه متضخمة بعكس القصور الكلوي المزمن التقليدي الذي تكون فيه الكلية ضامرة).
- تظاهرات خارج كلوية: أمهات دم دماغية عند 4-10% من المرضى، كيسات كبدية لا عرضية عند 10-30% من المرضى، أمراض قلبية صمامية، داء الرتوج، فتوق سرية ومغبنية، كيسات بنكرياس وطحال.
كيف يُشخّص داء الكلى متعددة الكيسات؟
النمط الطفلي: يمكن تشخيص الحالة ضمن الرحم في الأسبوع الـ24 من الحمل عبر الإيكو، حيث تشاهد الكلية متضخمة مع شح السائل الأمنيوسي، ويمكن تأكيد التشخيص عن طريق الفحص الوراثي.
أما بعد الولادة فيُظهر الإيكو ضخامة بحجم الكلية، إلا أن الكيسات تكون صغيرة في هذا النمط (قطر أقل من 3 ملم)، لذلك يمكن إجراء تصوير طبقي محوري CT لتأكيد التشخيص.
النمط الكهلي: تبدأ التظاهرات بعمر 20-30 سنة ويتم التشخيص عند وجود قصة عائلية إيجابية + كيسات في الكبد أو البنكرياس أو الطحال + كلى متضخمة مع كيسات فيها (كيستين في جهة واحدة أو جهتين قبل سن 30 سنة، كيستين في كل جهة بعمر 30-59 سنة، أكثر من 4 كيسات في كل جهة بعمر 60 سنة أو أكثر).
ما هو إنذار داء الكلى متعددة الكيسات؟
في النمط الطفلي المتنحي غالبًا ما تكون الكلى ناقصة التنسج، ما يؤدي إلى معدل وفيات 30% في الأطفال حديثي الولادة، أما المصابون بتعدد الكيسات الحاد المصحوب بقصور في التنفس فعادة ما يموتون بعد ساعات قليلة من الولادة، كما أن نسبة كبيرة من المصابين يموتون خلال السنة الأولى من العمر، ويمكن أن يعيش بعضهم حتى عمر 15-20 سنة، وفي حالات نادرة جدًا قد يصل المريض حتى عمر 50 سنة.
أما في النمط الكهلي السائد فيعيش المصابون، في الغالب، معافين، ثم تبدأ بوادر المرض بالظهور عند بلوغهم العقد الثالث أو الرابع من العمر، وتكون أعراض المرض طفيفة عند معظم المصابين، وفي حالات المرض الحادة قد تتطور حالة الفشل الكلوي الاحتقاني في 50% من هذه الحالات الصعبة، عند بلوغهم العقد السادس من العمر، الأمر الذي يتطلب إجراء غسيل الكلى بصورة مستمرة أو إجراء عملية لزرع الكلى.
وتجدر الإشارة إلى أن الحمل ينجح بالنسبة لمعظم النساء اللواتي يعانين من مرض الكلى متعددة الكيسات، لكن في بعض الحالات، قد تصاب النساء باضطرابات تهدد حياتهن يُطلق عليها مقدمات الارتعاج، وتلك النساء هن أكثر عرضة لخطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم قبل الحمل.
هل يمكن علاج داء الكلى متعددة الكيسات؟
لا يوجد علاج نوعي وافقت عليه منظمة الغذاء والدواء لهذا المرض يوقف نشوء وتطور الكيسات، إلا أنه يتم حديثًا استخدام دواء Sirolimus حيث يمنع تشكل كيسات جديدة ويقلل حجمها.
كما ينصح بتعديل نمط الحياة للتعايش مع المرض عن طريق:
- اتباع حمية غدائية قليلة الأملاح لتقليل الضغط على الكلية.
- إيقاف الكافيين والتدخين والمشروبات الكحولية.
- تجنب الرياضات العنيفة التي قد تلحق ضررًا بالكلية .
- شرب كمية كبيرة من الماء.
وبشكل عام فإن معظم العلاجات هي للمضاعفات الناتجة عن المرض، وتشمل:
- تدبير ارتفاع ضغط الدم: عادة ما تستخدم مركبات ACEi لأنها تقي الكلية من تسارع الاضطربات.
- علاج الإنتانات البولية: باستخدام المضادات الحيوية المناسبة كالسيفالوسبورينات والباكتريم.
- علاج الحصيات الكلوية: عادة ما تكون من نوع حصيات حمض البول لذلك تعالج بالألوبيرينول، ونتجنب تفتيت الحصيات قدر الإمكان كي لا تتمزق الكيسات.
- علاج الألم: ويتم باستخدام الأسيتامينوفين (باراسيتامول)، مع الانتباه لعدم استخدام مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية لما لها من سمية كلوية كامنة.
- بزل الكيسات: يتم إجراؤه جراحيًا في حال كان الألم شديدًا.
- المعالجة القلوية: بإعطاء بيكربونات الكالسيوم، ما يخفف من الآلام العضلية والعظمية.
- تدبير القصور الكلوي المزمن: عن طريق الغسيل الكلوي، والأفضل زرع الكلية.
أخيرًا نذكر بأنه في حالة إصابة المرأة بداء الكلى متعددة الكيسات والرغبة في الإنجاب، يمكن أن يساعد الاستشاري الوراثي في تقييم خطر نقل المرض إلى الأبناء.