بقلم: أسامة آغي
أثار استبدال الأعضاء المستقلين في هيئة المفاوضات استياء واسعًا في الشارع السياسي والشعبي لقوى الثورة السورية، إذ أظهر اجتماع الرياض، في 27 و28 من كانون الأول 2019، بصورة فجّة وصريحة، تدخل السياسة السعودية بشأن ترتيب البيت الداخلي لهيئة المفاوضات المحسوبة على المعارضة السورية، فهذا الترتيب بدا وكأنه حلقة من حلقات سياسة التنابذ بين السعودية وخصمها الشقيق تركيا.
تتهم المملكة العربية السعودية الحكومة التركية بالهيمنة على هيئة المفاوضات، وعلى الائتلاف الوطني، والحكومة المؤقتة، هذا الاتهام، قاعدته الحقيقية هو التنابذ بين سياستي الدولتين السعودية والتركية، الذي لا يخدم شؤون المنطقة العربية وتركيا. ولعلنا نجد في الخلاف السعودي- القطري جوابًا لهذا التنابذ، الذي يأخذ شكل صراع سياسي أيديولوجي.
السعوديون باعتبارهم مفوضين دوليًا من مجموعة أصدقاء الشعب السوري، هم من أسس لمؤتمر الرياض1 والرياض2، واجتماع الرياض الأخير، الذي شمل تبديل ثمانية أعضاء يحسبون على المستقلين.
ولكن هناك ما يجب قوله قبل تشكيل هيئة المفاوضات ونسخها المتغيرة المتعددة، فالمجلس الوطني الذي اعتبر أول مؤسسة ناطقة باسم المعارضة، كان فعليًا يفتقد لتمثيل الطيف الواسع من قوى الثورة، وهو ما جعل هذا المجلس، ومن بعده “مؤسسة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، مؤسسات قابلة أن تكون مهيمنًا عليها سياسيًا، بعيدًا عن التمثيل الواسع للسوريين فيها، وهو ما جعل هذه المؤسسات ذات صفة أيديولوجية سياسية محددة، وبنفس الوقت جعلها ضعيفة القدرات، وهو أمر فتح الباب لتدخلات إقليمية ودولية في تركيب هذه المؤسسة لاحقًا.
الحديث عن المنصات المتعددة ضمن هيئة المفاوضات، مثل منصة موسكو المحسوبة على الروس، ومنصة القاهرة المحسوبة على المعارضة الوسطية، ومنصة الرياض الجديدة، التي اختار السعوديون أعضاءها بطريقة تخدم توجههم السياسي في الصراع السوري، يأتي في سياق الحديث عن فقد الثورة السورية منصة واحدة، يتم اختيار أعضائها عبر مبدأ التمثيل الوطني السوري، الأوسع شمولًا، خارج سيطرة هذا الاتجاه السياسي والأيديولوجي أو ذاك.
هذا الاختيار يأتي من مشروعية شعبية سورية واحدة، تتمثل بعقد مؤتمر وطني شامل، تتمثل فيه كل القوى والتيارات السياسية، والنخب المستقلة، ومنظمات المجتمع المدني، مثل هذا الاختيار يمنع بصورة كبيرة إمكانية التدخل الإقليمي والدولي في مسار الثورة السورية، ولهذا، وباعتبار أن المعارضة السورية بمؤسساتها الرئيسة، هي تحت ظل الدول الإقليمية، التي تمول نشاطها، فلذلك لا يمكن أن تكون هناك استقلالية للقرار الوطني للثورة السورية.
تمويل الدول الإقليمية المنخرطة بالصراع السوري لجهة المعارضة، جعل هذه المعارضة عاجزة عن قيادة مشروع الثورة السورية السياسي، وبالتالي جعلها رهينة لجهات التمويل الإقليمية، وقد ظهر ذلك جليًا عندما أقدمت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر على مقاطعة وحصار الدولة القطرية، تحت حجج تخص الخلافات فيما بينهم، فهذه الخلافات انتقلت إلى المعارضة بحسب ارتباطها بدول الإقليم، رغم أنها تؤثر على مسار الصراع السوري.
وتأتي الخطوة السعودية باستبدال المستقلين في سياق الخلاف بين القيادة السعودية ونظيرتها التركية، هذا الخلاف يقوم على اختلاف اتجاهات سياستي البلدين الإقليمية والدولية، وبالتالي نظرتهما للمحيط الإقليمي، ووظيفة هذا المحيط في خدمة الاستراتيجية البعيدة لكل منهما.
إن الخطوة السعودية في شأن هيئة المفاوضات هي خطوة تكشف عن هشاشة المعارضة السورية بصيغتها الحالية، وعدم قدرتها على التعبير عن تطلعات الحاضنة الشعبية للثورة، فاختيار شخصيات كالتي تمّ اختيارها (مع الاحترام الشخصي لكل واحد منهم) يكشف أن هذا الاختيار لم يكن نتيجة كفاءة الأشخاص المختارين، أو عمق وطنيتهم السورية، بقدر الكشف عن درجة الولاء للاتجاه السياسي السعودي.
الخطوة السعودية أتت نتيجة لسياسة النكاية بتركيا، هذه النكاية هي شأن سياسي بين بلدين مستقلين، هما السعودية وحلفها وتركيا، أما السوريون فهم غير معنيين بالانقسام بين هذين الحدين بالصورة التي تتم.
القضية السورية تحتاج في هذه المرحلة من ازديار التدخل الخارجي في مسار الصراع فيها إلى إيجاد مربعات تقاطعات بين جميع قوى الثورة والمعارضة، بما يخدم الثورة السورية بحدود مقبولة، هذه المربعات يمثلها تنفيذ القرار الدولي رقم 2254.
ولهذا تبدو إعادة النظر بتركيب بنى مؤسسات المعارضة بصيغتها الحالية ضرورة وطنية حقيقية، ضرورة أعلى وأوسع وأهم من الأطر الحزبية، هذه الضرورة تتطلب انفتاحًا وطنيًا جديدًا بين جميع فعاليات الشعب السوري السياسية والاجتماعية والعسكرية على بعضها، وتتطلب عقد مؤتمر وطني يتم اختيار أعضائه، وفق قاعدة التمثيل الوطني الأوسع لكل الفئات، من خلال اختيار الشخصيات الأكثر خبرة سياسية وفكرية، وأكثر تعبيرًا عن الشارع الوطني السوري.
هذا الاتجاه لا يتناسب مع المستفيدين الشخصيين والسياسيين، الذي يعملون لمصلحة أجنداتهم الضيقة على حساب القضية الوطنية، ولذلك يأتي عقد مؤتمر وطني سوري شامل ومستقل كضرورة تاريخية، لتحقيق انعطافة ملموسة في الصراع السوري، لمصلحة نظام وطني ديمقراطي في البلاد، فمؤتمر كهذا لن يكون مؤتمر محاصصة سياسية بين القوى السياسية، بل يكون قاعدة قوية لحماية قرار السوريين الوطني، الذي يعبر عن الحاضنة الشعبية السورية التي احتضنت الثورة السورية.
إن مخرجات هذا المؤتمر، فيما إذا تم الاتفاق عليه، ستجعل منه، ومن هيئاته المنبثقة عنه، مرجعية سياسية وطنية، لا يمكن لأحد أن يتجاوزها، وهو ما يحرر القرار الوطني السوري من اشتباكاته الإقليمية والدولية، ويكون حافزًا لتعاون إقليمي جديد، يرتكز على تبني سياسات تخدم المنطقة واتجاهات تنميتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتسهم في رفض سياسات النكاية التي تتبعها دول الإقليم بشكل عام.
بقي أن نقول، هل تستطيع الفعاليات الوطنية السورية، بشتى مواقعها ومسمياتها، أن تخطو هذه الخطوة التاريخية، وتغلق الباب مرة واحدة على التدخلات الخارجية في الشأن السوري، بحيث لا ينخرط السوريون في سياسات الأحلاف المؤقتة، ما يفرض على الجميع العمل من أجل وضع الحل السياسي للصراع السوري موضع التنفيذ.