ليت سوريًّا قتله!

  • 2020/01/05
  • 9:51 ص

إبراهيم العلوش

وصف النائب الأمريكي ليندسي غراهام مقتل قاسم سليماني، الذي تم فجر الجمعة 3 من كانون الثاني من العام الجديد بأنه “عمل شجاع للرئيس ترامب”، وأضاف في إشارة تهديد: “إذا تواصل العدوان الإيراني وكنت أعمل في مصفاة إيرانية للنفط، فسأفكر في تغيير عملي”. فهل انتهت الشراكة الأمريكية- الإيرانية بعد مقتل قاسم سليماني، قائد قوات “فيلق القدس”، أم أن كل ما يحدث مجرد تهيئة لمفاوضات جديدة بين الطرفين؟

اغتيال قاسم سليماني المفاجئ هزّ وكالات الأنباء، وهزّ الدبلوماسية الدولية، وقام المتظاهرون في ساحات بغداد بالرقص فرحًا له، بالإضافة إلى فرح جمهور الثورة السورية بهذه العملية بحق أحد قاتلي السوريين ومدمري بيوتهم ومهجريهم. وهو رسالة رمزية من أمريكا إلى إيران التي بدأت بالتطاول على النفوذ الأمريكي في العراق بعد شراكتهما المديدة في تدمير العراق منذ العام 2003، فالأمريكيون اعتبروا أن الهجوم على سفارتهم في بغداد عمل يستحق الانتقام، وقد قاموا فعلًا بالانتقام.

واعتبر خبير دولي أن اغتيال قاسم سليماني أهم اغتيال عالمي بعد اغتيال أسامة بن لادن، وذلك بالرغم من أن سليماني قام بأعمال إرهابية تفوق تنظيم القاعدة وداعش مجتمعين، فالجرائم الإيرانية في سوريا وحدها، تفوق الخيال في التدمير والتهجير والتعذيب وقهر السوريين منذ غزوة القصير التي قام بها “حزب الله” بإشراف قاسم سليماني حتى اليوم، حيث تم تهجير نصف الشعب السوري وتدمير البنية التحتية في سوريا للحفاظ على نظام الأسد الفاشي.

نقل موقع “العربي الجديد” أن قاسم سليماني وصل صباح الجمعة إلى مطار بغداد قادمًا من دمشق على متن طائرة من طائرات “أجنحة الشام” التي يملكها رامي مخلوف، وكان أبو مهدي المهندس، نائب قائد قوات “الحشد الشعبي”، ينتظره في المطار وقبل خروج موكبهما من المطار تمت تصفيتهما بصاروخ من طائرة “درون” أمريكية، كانت تحلّق في سماء مطار بغداد. وإن صدقت الرواية لن نستبعد دورًا ما في هذه الوشاية لرجالات نظام الأسد الذين انحازوا إلى الاحتلال الروسي ضد الاحتلال الإيراني، خاصة أن الروس من أكبر المتضررين من استمرار الدور الإيراني في سوريا.

يؤكد الخبراء أن قاسم سليماني أهم شخصية في إيران بعد المرشد خامنئي، فقد نشر النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وصارت عواصم عربية مهمة مثل دمشق وبيروت وبغداد وصنعاء تأتمر بأمر إيران بفضل حنكة سليماني بالإضافة إلى كم البترودولار الذي يدعم التوجهات الإيرانية لإعادة الإمبراطورية الفارسية التي حطمها ظهور الإسلام في جزيرة العرب قبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة!

تسلّم قاسم سليماني “فيلق القدس” منذ العام 1998، وهو ابن العائلة الفقيرة المولود في جنوب شرقي إيران عام 1957، والذي كان عامل بناء بسبب تواضع تعليمه الذي لم يتعدَّ الثانوية، ومع قيام الخميني بانقلابه الديني على الشاه انخرط في “الحرس الثوري” الذي كانت له أدوار كبيرة في نشر العنف والعمليات الإرهابية داخل إيران وخارجها، ومنها حصار السفارة الأمريكية واختطاف موظفيها والشروع بالحرب العراقية- الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات 1980-1988.

ترجح أوساط صحفية في إيران أن قاسم سليماني هو مرشح المرشد الخامنئي في الانتخابات المقبلة عام 2021 لرئاسة إيران، لكن الصواريخ الأمريكية أودت به قرب مطار بغداد مع تسعة من مرافقيه، حيث كان يخطط للهجوم على المواقع الأمريكية في العراق ليجنب إيران الانتقام الأمريكي المباشر، تحت غطاء فتاوى الخامنئي الذي يلهج بسماحة الإسلام ودور إيران في نشر السلام، وما إلى ذلك من المعزوفات التي يرددها المستبدون الدينيون أو الدنيويون.

حزنت الخارجية السورية على مقتل سليماني وتبعها بشار الأسد بتصريح مماثل، منوهًا إلى دور قاسم سليماني في بقاء نظامه، إذ لا يزال الدور الإيراني كبيرًا في الهيمنة على بقاع واسعة من التراب السوري، بالإضافة إلى العمل الدؤوب الذي يقوم به الإيرانيون بقيادة سليماني من أجل الهندسة الطائفية في سوريا وتوطين الميليشيات الإيرانية والأفغانية فيها.

لكن أكبر المستشعرين بالخطر من هذه العملية هو حزب الله، شريك إيران بتدمير سوريا مع الروس،  فانفكاك الشراكة الإيرانية مع الأمريكيين بهذا الشكل العنيف قد لا يسلم منه الحزب، وقد يكون حسن نصر الله الضحية المفاجئة (القادمة)، في الحرب الإيرانية- الأمريكية، قبل أن يرجع الطرفان إلى المفاوضات وتبادل المصالح من جديد، فالأطراف القوية تضحي دائمًا بعملائها لتحمي نفسها من خطر أكبر وأكثر شمولًا، فبعد مقتل سليماني تصاعدت لهجة التهديدات من قبل “حزب الله” وكأنما لتغطي على هلع قادة الحزب من الغارات القادمة، ولتغطي على انهماك حسن نصرالله بتعميق الحفرة التي يختبئ فيها بضاحية بيروت الجنوبية، خشية أن تناله الصواريخ القادمة، فالأمريكيون يعرفون كيف يختارون أهدافهم ويدرسون رمزيتها وتأثير استهدافها، وليس من رمز إيراني اليوم في الشرق الأوسط أهم من حسن نصر الله، الذي يعتبر رأس حربة بيد الإيرانيين، واستهدافه يعتبر نقطة ضغط كبيرة على الإيرانيين من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات.

أقوال أخيرة: قال وزير الخارجية الكندي السابق، جون بيرد، عن سليماني إنه “وكيل الإرهاب في المنطقة، وهو متخفٍ في زي بطل يحارب تنظيم الدولة الإسلامية”.

ووصف ناشطون سوريون سليماني بأنه “مذبحة تمشي على قدمين!”، وكتب الناشط خليل الحاج صالح معلقًا على مقتل سليماني “.. ليته قُتل في حلب أو ديرالزور حين دنس ترابهما. ليت سوريًا قتله..”.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي