خطيب بدلة
“تعا تفرج” علينا ونحن ندخل في سنة 2020، ونقترب من الذكرى التاسعة للثورة، مكبلينَ بالبرد واليأس والقرف. أقول “القرف” وأنا أعني ما أقول بعد تسع سنوات أمضيناها متنقلين من إحباط إلى إحباط، ومن هزيمة إلى هزيمة، متمسكين، مع ذلك، بالعوامل التي أوصلتنا إلى الخيبات، مصرّين أن نتلقى مئة كَفّ على غفلة!
انْفَتَقْنا، في بداية الثورة، ونحن نصرخ: الشعب السوري واحد.. ولكننا سرعان ما تخلينا عن هذا الشعار، وتمترس كلٌ منا حول كونه عربيًا، كرديًا، شركسيًا، تركمانيًا، آشوريًا.. مسلمًا، مسيحيًا.. سنيًا، شيعيًا، درزيًا، علويًا، إسماعيليًا.. ولم نكتفِ بالتصنيف والاصطفاف، بل راح الواحد منا يجزم بأنه سيخلد مع رَبْعه في جنات الخلود، بينما الآخرون، جميعهم، سيَتَشَلْوَطون في النار، وهذا لن يتحقق إذا لم يحمل السلاح في وجوههم، ويبدي استعداده لإبادتهم عن بكرة أبيهم.
ثرنا على النظام لأنه قلل من شأن وطننا السوري، زاعمًا أننا جزء لا يتجزأ من الأمة العربية. هذه الأمة (التي تعبر عنها جامعة الدول العربية) طلبت من ابن حافظ الأسد، في البدايات الأولى للثورة، أن يكف عن قتلنا وتهجيرنا. نعم والله، لم يقصروا في الطلب، بل ألحوا. قال لهم ابن حافظ: خيطوا بغير هذه المسلة، سأقتلهم يعني سأقتلهم. قالوا: نقاطعك! قال لهم: طز. فقاطعوه، ومضوا إلى ملذاتهم الشخصية على طريقة المسرحية المصرية القديمة التي تبكي فيها البطلة على زوجها “أرناؤوطي” وهي متلحفة بالسواد وتغني: يا حبيبنا يا أرناؤوطي يا سايبنا ننفلق، إيهي إهي إهي.. وبعد قليل تبدأ بالتخلي عن الثياب مظهرة مفاتنها وهي تغني: خلاص خلاص خلاص عَيّطنا زي الناس وعملنا بأصلنا.
نعم يا سيدي، الجامعة العربية عملت بأصلها، قاطعت النظام، ثم جلست تتفرج عليه وهو يجز أعناقنا.. ولكننا، مع هذا، لم نرتدد إلى سوريتنا، بل رحنا نمعن في الإقلال من شأنها زاعمين أننا جزء من الأمة الإسلامية، الأمة التي عقد قادتها خلال الشهر الماضي مؤتمرهم في كوالالمبور، بحضور إيران.. إيران التي تولت ذبحنا بيديها ويدي وكلائها، ولم يكتفِ أولئك القوم بدعوة إيران إلى مؤتمرهم، بل بكوا وتباكوا على الحصار الذي تفرضه القوى الإمبريالية عليها، داعين ربهم أن يحميها وشعبها من عقابيل هذا الحصار الظالم، متجاهلين في بيانهم الختامي الإشارة إلى المذبحة الكبيرة التي تمارس على السوريين الباقين على قيد الحياة في محافظة إدلب.
مرت تسع سنوات على الثورة والمذبحة، ولا يوجد شيء واحد يدل على أننا تعلمنا، أو تربينا، أو أخذنا عبرة. ثورتنا السلمية التي أوشكت على إحداث التغيير التاريخي المطلوب قتلناها بأيدينا، ودفناها بأيدينا. حملنا السلاح بذريعة أننا نريد أن ندافع عن أهلنا وكراماتنا ونسقط النظام المستبد، وإذا بنا نتحول إلى عصابات ونستولي على مساحات صغيرة من الأرض، ولا نفكر بغير تثبيت سلطتنا عليها. نسينا النظام المجرم، وقلنا في أنفسنا: إن شاء الله ينباع النظام وربعه في العزا.. المهم أن نتخلص من الخوارج والرويبضة.. وبقيت خدودنا ترن تحت الصفعات التي تأتي، كالعادة، على غفلة!