البوكمال.. قدم إيرانية على طريق المتوسط

  • 2020/01/05
  • 12:33 م
قوات من النظام السوري وميليشيا حزب الله (رويترز)

قوات من النظام السوري وميليشيا حزب الله (رويترز)

تيم الحاج | عبد الله الخطيب | مراد عبد الجليل | حباء شحادة

في منتصف الطريق بين شاطئ قزوين الإيراني وساحل رأس الناقورة على البحر المتوسط في لبنان، تقع مدينة البوكمال السورية، في زاوية تطل منها إيران على مصالحها الاستراتيجية، وأهداف لها ترسمها لمنطقة الشرق الأوسط.

فبعد أن كانت المدينة واحدة من أبرز مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، باتت منذ عام 2017 مركزًا لاستقطاب أفراد ميليشيات إيرانية وأخرى مدعومة من إيران، تمارس أنشطتها في المنطقة، وبين سكانها الذين عاد جزء منهم بعد موجات النزوح إثر العمليات العسكرية.

تسلط عنب بلدي في هذا الملف الضوء على أبرز ملامح الوجود الإيراني العسكري في مدينة البوكمال، عبر الميليشيات التي تنشط فيها والقواعد العسكرية لها، كما تحاول تفسير الأهداف الاقتصادية الإيرانية من السيطرة على المدينة، والأدوات الناعمة التي تستخدمها لتنفيذ ذلك.

عناصر تابعين لقوات النظام السوري في مدينة البوكمال بدير الزور – 21 من تشرين الثاني 2017 (سانا)

بوابة إيران إلى المتوسط..

كيف تُستخدم البوكمال عسكريًا

مع سيطرة قوات النظام السوري على البوكمال، بدعم بري واسع من قبل ميليشيات إيرانية، زادت تلك الأخيرة من انتشارها في البوكمال، لعلم طهران المسبق أن جغرافية المنطقة تُمكنها من تعزيز نفوذها في سوريا، وتهديد أمن إسرائيل، عبر الصواريخ التي تمتلكها.

تمركزت في المدينة، التي تصل الأراضي السورية بالعراقية عبر معبر “البوكمال- القائم” الحدودي، مجموعات من المقاتلين الإيرانيين، الذين لا يُعلن عن أعدادهم، بينما تفضحهم أنشطتهم، والاستهدافات الإسرائيلية المتكررة لمواقع عسكرية إيرانية في المدينة.

خزان عسكري لإيران

شكلت مدينة البوكمال قبل سيطرة النظام عليها، آخر معقل رئيس للتنظيم، قبل أن ينحسر وجوده في بلدات وقرى صغيرة شرقي سوريا، وفي باديتها، لتعلن الولايات المتحدة الأمريكية في آذار 2019، القضاء عليه.

يرى محللون عسكريون، أن إيران عمدت إلى تحويل مدينة البوكمال، خلال تلك الفترة، إلى “مستودع صواريخ” لتهديد إسرائيل، بعد استعراضها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

العقيد فايز الأسمر، أكد في حديث لعنب بلدي، أنه من الممكن أن تكون إيران نشرت صواريخ بعيدة المدى في البوكمال، كنوع من التهديد لإسرائيل إذا اقتضت الضرورة.

تلك الصواريخ استخدمتها إيران سابقًا في ضرب مناطق تنظيم “الدولة الإسلامية” في دير الزور، ردًا على الهجوم الذي استهدف عرضًا عسكريا لـ “الحرس الثوري” في مدينة الأحواز مطلع عام 2018، وقتل فيه من 25 عنصرًا إيرانيًا، آنذاك.

حاولت إيران من هجومها ذلك عرض قوتها، باستخدام نوعين من الصواريخ، هما “ذو الفقار” الذي يبلغ مداه 750 كيلومترًا، و”قيام” ومداه 800 كيلومتر.

وجود تلك الأسلحة، هو سبب لضربات أمريكية- إسرائيلية استهدفت البوكمال خلال العامين الماضيين، من وجهة نظر المحلل العسكري العقيد حاتم الراوي، مشيرًا في حديث لعنب بلدي إلى وجود قواعد تبنيها إيران، منها قاعدة “الإمام علي” التي تعد نقطة ارتكاز لإيران في البوكمال.

وأضاف الراوي أن القاعدة بنيت على شكل أنفاق محصنة، تستعملها إيران لتخزين الأسلحة، فضلًا عن وجود قواعد عسكرية أخرى لإيران في البوكمال، لكنها مكشوفة، وتتوزع في مطار الحمدان وقرية الهري، وفي المنطقة الصناعية.

ويدور حديث واسع في وسائل الإعلام عن إقامة أنفاق كثيرة بين الحدود السورية العراقية كي تحمي الميليشيات الإيرانية ما يتم نقله بين البلدين من الضربات الإسرائيلية، لكن العقيد فايز الأسمر لا يتفق مع هذا القول.

فالمنطقة “مرصودة من قبل الاستطلاع الأمريكي وحتى الإسرائيلي على مدار الساعة”، بحسب الأسمر، و”أيّ عمليات هندسية في المنطقة ستكون مكشوفة، فضلًا عن أن أمريكا غير عاجزة عن تدمير أي أنفاق في البوكمال باستخدم القنابل الارتجاجية المتطورة التي تمتلكها”.

غض الطرف

تؤدي البوكمال، وفق المعطيات السابقة، دورًا مهمًا في الخصومة بين إيران وإسرائيل، فبنظر طهران، تعني السيطرة على المدينة امتلاك القدرة على نقل الميليشيات والذخائر إلى سوريا ولبنان، في حال اندلاع نزاع أوسع مع إسرائيل، أما الأخيرة فتسعى بدورها إلى الحؤول دون حدوث ذلك، لذا تستهدف مواقع إيرانية فيها بشكل متكرر.

وتفتح هذه المعادلة الباب للتساؤل حول “التساهل الأمريكي” خلال معارك إبعاد تنظيم “الدولة” في نهاية عام 2017، حين تمددت الميليشيات الإيرانية في شرق دير الزور وسيطرت على البوكمال.

في هذا الإطار، أوضح العقيد حاتم الراوي، أن أمريكا سمحت لإيران بالوجود في البوكمال، للحفاظ على التوازن الحاصل في الملف السوري، حيث لا يتيح هذا التوازن لأي طرف أن يحسم المعركة، وبالتالي تتم إطالتها، في إشارة إلى المعارك بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري المدعومة من إيران وروسيا.

لكن الراوي، لفت إلى أن أمريكا تغض الطرف عن إيران في البوكمال ضمن خطوط محددة، إذ تضربها كلما تجاوزت ما هو مسموح، في حين يرى فايز الأسمر، أن أمريكا وإسرائيل لا تريدان القضاء على الوجود الإيراني في المنطقة بالكامل، لكنهما تريدان فقط تحجيم دورها.

عناصر تابعين لقوات النظام السوري في مدينة البوكمال بدير الزور – 21 من تشرين الثاني 2017 (سانا)

جسر برّي إلى منفذ بحري..

البوكمال كلمة سر لخطط إيران الاقتصادية

يتفق المحللان العسكريان، فايز الأسمر وحاتم الراوي، على أن أهمية البوكمال بالنسبة للإيرانيين تتلخص في كونها عقدة مواصلات برية مهمة، حيث تعتبر امتدادًا لصحراء الأنبار العراقية، كما أنها ترتبط بصحراء السويداء ودرعا وتدمر ودير الزور.

يُكسب ذلك المدينة أهمية اقتصادية، إضافة إلى أنها تقع على خط الإمداد الفاصل بين العراق وسوريا، وقد باتت المنفذ الوحيد لإيران خاصة مع سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على معبر اليعربية، وسيطرة أمريكا على معبر “التنف” في بادية دير الزور.

ولم تخفِ إيران خلال السنوات الماضية رغبتها في إعادة فتح المعابر الحدودية بين سوريا والعراق، كونها المنفذ الوحيد من طهران إلى دمشق ولبنان لتسهيل نقل منتجاتها التجارية والعسكرية إلى حلفائها.

وأكد رئيس أركان الجيش الإيراني، محمد باقري، من دمشق في آذار 2019، أن “فتح المعابر الحدودية بين سوريا والعراق بالنسبة لإيران أمر مهم، من ناحية المبادلات التجارية وتنقل الزوار والسياح الإيرانيين من إيران إلى العراق وسوريا”.

وتربط سوريا والعراق ثلاثة معابر، الأول “معبر الوليد” على الجانب العراقي الذي يقابله “معبر التنف”، الخاضع لسيطرة فصائل “الجيش الحر”، المدعومة من “التحالف الدولي” بقيادة أمريكا، والثاني “معبر اليعربية” يقابله على الجانب العراقي “معبر ربيعة”، وهو خاضع لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المدعومة من أمريكا.

أما المعبر الثالث، الذي أعلنت حكومة النظام السوري والحكومة العراقية عن افتتاحه في أيلول 2019، فهو المعبر الواقع في مدينة البوكمال، الذي يقابله على الطرف الآخر مدينة القائم العراقية.

جسر بري

المتابع لمجريات معركة السيطرة على الحدود السورية- العراقية من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية” يلاحظ الثقل العسكري في المعركة، إن كان من الجانب العراقي، الذي أعلن، في 3 من تشرين الأول 2017، السيطرة على القائم، أو من جانب قوات النظام السوري، المدعومة من ميليشيات إيرانية، والتي أعلنت بعد أسبوع فقط السيطرة على مدينة البوكمال.

وتعتبر مدينة البوكمال ذات أهمية كبيرة وجسرًا لإيران، كونها تضم المعبر البري الوحيد الذي يربط الدول الثلاث (إيران- العراق- سوريا)، لتعبر من خلاله إلى شواطئ البحر المتوسط ما يحقق لها عدة فوائد اقتصادية، منها أن إيران ستعزز من خلال وجودها في المدينة الحدودية الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها مع النظام السوري خلال السنوات الماضية في عدة مجالات، وبالتالي سترفع قيمة التبادل التجاري بين البلدين.

وأكد رئيس “غرفة التجارة الإيرانية- السورية المشتركة”، كويان كاشفي، في تشرين الأول 2019، أن إيران تسعى إلى حجم تجارة بين البلدين يتراوح بين 500 مليون ومليار دولار، خلال العامين المقبلين، قائلًا إن “إطلاق الخطوط البرية بين البلدين، سيسهل الوصول إلى السوق السورية ودول أخرى في المنطقة”.

وكان القائم بالأعمال السوري في طهران، علي السيد أحمد، قال في آذار 2019، إن حجم التجارة بين إيران وسوريا يبلغ نحو 200 مليون دولار، معتبرًا ذلك ” دون الطموح”، كما أعلنت منظمة التنمية التجارية الإيرانية، في الشهر نفسه، عن إدراج 88 مجموعة سلعية ضمن قائمة التبادل التجاري بين إيران وحكومة النظام.

إلى البحر

تهدف إيران من مدينة البوكمال أن تكون ممرًا لها للوصول إلى الميناء البحري، الذي تسعى إلى إنشائه على السواحل السورية، بعدما تم الاتفاق مع حكومة النظام السوري عام 2017، على تخصيص خمسة آلاف هكتار لإنشاء ميناء نفطي.

في حين ذكرت صحيفة “البعث” الحكومية، في أيلول 2019، أن اجتماعات جرت بين شركة “خاتم الأنبياء” الإيرانية ووزارة النقل في حكومة النظام، لبحث دراسة إنشاء ميناء في أقصى جنوب محافظة طرطوس، قرب الحدود اللبنانية في منطقة الحميدية.

وفي حال إنشاء الميناء سيسهل على إيران تصدير غازها إلى أوروبا عبر العراق وسوريا، وهو ما سيوفر عليها وقتًا وتكلفة أقل.

ويعتبر الممر البري “الجائزة الأكبر”، كما وصفته وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، إذ يضمن لإيران طريق إمداد لنقل الأسلحة الإيرانية إلى حليفها في لبنان (حزب الله)، كما سيسهل حركة الميليشيات التي تدعمها، إضافة إلى كونه طريقًا تجاريًا بديلًا عن مياه الخليج.

واعتبرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في آذار 2019، أن فتح معبر البوكمال بين العراق وسوريا سيكون فرصة لإيران من أجل تخفيف الأضرار الاقتصادية التي لحقت بها، نتيجة العقوبات الأمريكية.

أبرز الحواجز والقواعد الإيرانية في البوكمال (رصد عنب بلدي من مقاطعة مصادر محلية)

سيطرة إيرانية تنعكس سلبًا على القطاعات الخدمية

سعت إيران منذ نهاية عام 2017 إلى إرسال رسائل إيجابية لأهالي مدينة البوكمال، للعودة إليها لتحقيق هدفين، الأول يتجلى في كسر الصورة النمطية حول صعوبة التعايش مع الوجود الإيراني في سوريا، والثاني غير معلن، ويهدف إلى تأمين كثافة سكانية قد تحول دون توجيه ضربات عسكرية لمواقع ميليشياتها في البوكمال.

عنب بلدي تواصلت مع ثلاثة مصادر محلية للوقوف على الواقع الخدمي والديموغرافي في مدينة البوكمال، وتتحفظ على نشر أسماء مصادرها حفاظًا على سلامتهم.

لم يعد من الأهالي، رغم المساعي الإيرانية، سوى مجموعات صغيرة، لأسباب تتراوح بين الأمنية والخدمية، بحسب المصادر، ولا يمكن حصر عدد المدنيين الموجودين في البوكمال، بسبب وجود عدد كبير من الميليشيات وعائلاتهم، بالإضافة إلى عدم فاعلية مؤسسات النظام السوري، إذ سحبت إيران البساط من تحتها، وكبلتها عبر زرع مقرات لميليشاتها في أغلب المؤسسات.

وأكدت المصادر أن نسبة كبيرة من الأهالي العائدين إلى البوكمال لديهم أبناء تطوعوا في صفوف الميليشيات الإيرانية، مقابل منفعة مادية ورواتب شهرية.

على المستوى الخدمي، تنعدم معظم الخدمات في البوكمال، إذ تصلها الكهرباء ساعة واحدة في اليوم، ويتم الاعتماد بشكل أساسي على مولدات الكهرباء الشخصية.

وكانت إيران روجت في آب 2019، لقيام منظمات تدعمها بالعمل على إصلاح الأعطال في أبراج التوتر العالي، وأظهرت صور نشرتها شبكات محلية حينها، ورشات كهرباء تعمل على إصلاح الأعطال بالقرب من مدينة البوكمال، لكن أحد مصادر عنب بلدي في المدينة أشار إلى عدم فاعلية تلك الورشات، معتبرًا أنها “استعراض فارغ”

وبالنسبة للمياه، فهي لا تصل بشكل اعتيادي بسبب الأعطال الكبيرة في الشبكة نتيجة الدمار الذي لحق بالمدينة إثر المعارك ضد تنظيم “الدولة”، لذلك يتم الاعتماد على المضخات وعلى صهاريج بيع المياه.

كما تعاني المدينة من تراجع كبير للقطاع الطبي، ما يدفع الأهالي للسفر إلى مدينتي دمشق ودير الزور للعلاج، وخصصت الميليشيات الإيرانية “المشفى الوطني” و”مشفى عائشة” لعلاج عناصرها، (يعتبر الأخير مقرًا لميليشيا “الفرقة 313” بحسب المصادر)، بالإضافة إلى وجود نقاط طبية خاصة بالميليشيات في منطقتي السويعية والهري.

وأغلقت أغلب المشافي الخاصة، بسبب مضايقات الميليشيات، التي وصلت في بعض الأحيان إلى “ضرب كادر طبي”، الأمر الذي نشر حالة من الخوف.

على مستوى الاتصالات، ما زالت معظم الخطوط الأرضية معطلة، مع وجود بعض صالات الإنترنت الخاضعة للرقابة، مع ضعف شبكة الإنترنت الذي يحول دون سهولة إرسال واستقبال مقاطع الفيديو.

وتشمل دائرة التضييق، حركة بيع الهواتف النقالة، حيث تحظى بمراقبة مباشرة من إحدى الميليشيات الموجودة في المنطقة، والتي تأخذ مبالغ دورية من أصحاب المحلات التجارية بحجة فواتير ماء وكهرباء، وفق ما أكده أحد المصادر.

ميليشيات إيرانية على الساتر الحدودي بين العراق وسوريا (موقع ميدل إيست)

نبذة عن مدينة البوكمال

تقع مدينة البوكمال على بعد 130 كيلومترًا من محافظة دير الزور في شرقي سوريا، وعلى بعد ثمانية كيلومترات من الحدود مع العراق، ويعود تأسيسها إلى عام 1850 للميلاد، عندما هاجر عدد من أهالي العراق إلى شرق المدينة حاليًا.

في عام 1864 صدر قرار عثماني بتشكيل “قشلة” (ثكنة عسكرية) فيها وسميت “النحامة”، قبل أن تمر بعدة مراحل كان آخرها في زمن القائم مقام “أحمد الأفندي” الذي يعتبر المؤسس الأول للمدينة الحالية، بحسب ما قاله الباحث في الشؤون التاريخية حميد السيد رمضان، لموقع “eSyria” في 2009.

واتخذت المدينة عدة أسماء منذ نشأتها منها “النحامة” أو “القشلة”، وصولًا إلى مسمى البوكمال نسبة إلى إحدى عشائر العقيدات العربية التي تنتشر في الشرق السوري.

خلال الثورة السورية، شارك قسم من أبناء المدينة في المظاهرات وقُتل عدد منهم برصاص قوات النظام، ما دفع المئات من عناصر الجيش في المدينة للانشقاق والانضمام إلى صفوف “الجيش الحر”، الذي أعلن في تشرين الثاني 2012 سيطرته على كامل المدينة بعد استيلائه على “كتيبة المدفعية” و”كتيبة الدفاع الجوي”.

وبقيت المدينة تحت سيطرة “الجيش الحر”، حتى تموز من 2014، عندما أعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” السيطرة عليها، لتتحول عقب ذلك إلى مركز رئيس له وتصبح هدفًا لطيران
“التحالف الدولي”، قبل سيطرة قوات النظام السوري المدعومة بميليشيات إيرانية السيطرة عليها في تشرين الثاني 2017.

مدينة البوكمال (ويكيبيديا)

صبغة ثقافية وأنشطة “طائفية”..

مساعٍ لـ”تغيير ديموغرافي” يخدم المصالح الإيرانية في سوريا

يتبع الاهتمام العسكري والاقتصادي بمدينة البوكمال، اهتمام ثقافي واجتماعي، في محاولة لتثبيت الوجود الإيراني، عبر تعزيز قبوله وانخراطه بالمجتمع المحلي.

الصحفي السوري من أبناء محافظة دير الزور والمقيم في تركيا مصعب الحنت، تحدث لعنب بلدي عن أبرز ملامح السيطرة الإيرانية الثقافية في البوكمال من خلال تواصله المستمر مع أهالي المدينة، مشيرًا إلى عمليات “استيلاء على منازل معارضين للنظام” انطلقت منها الميليشيات الموجودة في البوكمال لـ”توطين عناصرها”.

نتيجة ذلك، يدور الحديث في البوكمال عن “تغيير ديموغرافي” في المدينة لأهداف “طائفية”، عبر اختراق عادات المجتمع المحلي، الذي هو من الطائفة السنية في الغالب، واستغلال حالة الفقر والحاجة لدى الناس، حسبما أوضح الباحث والكاتب السوري ابن مدينة دير الزور معن الشيخ، لعنب بلدي

الشيخ والحنت اتفقا على أن المنهجية التي تتبعها إيران لإحداث “التغيير الديموغرافي” في البوكمال متعددة وواسعة، فبالإضافة إلى “الإغراءات المادية”، بُنيت حسينيات ومراكز ثقافية ومدرسة صغيرة لاستقطاب الأطفال.

أثر ثقافي وتشييع بالمال

تنتشر المراكز الثقافية الإيرانية في دير الزور والبوكمال وريفيهما، “بهدف تغيير الصورة الوحشية للمقاتل الإيراني” بحسب الحنت، من خلال الفعاليات التي تقام في تلك المراكز مثل الموسيقى، والفن، والرقص، والاحتفال بالأعياد والمناسبات غير الدينية.

بينما يعارض الشيخ رأي الحنت، مفسرًا ذلك بالرغبة في “إفساد العقيدة الدينية وتثبيت أخرى”، لكنه أكد أن إقبال أهالي البوكمال على هذه المراكز قليل لعدة أسباب، أولها الطابع الديني العقائدي لأبناء المنطقة، وثانيها هو أن نسبة الإيرانيين زادت على نسبة السكان الأصليين للمدينة أساسًا.

إضافة إلى ما سبق، تسعى إيران لتغيير المعتقد الديني في أي منطقة تسيطر عليها ليس فقط في مدينة البوكمال، بحسب الحنت، والهدف من هذا التغيير في البوكمال، هو جعلها قاعدة متقدمة لإيران على الحدود العراقية السورية باتجاه سوريا، وفق رأي الشيخ.

يعتقد الحنت والشيخ أن إيران لم تنجح في إحداث التغيير العقائدي واستقطاب الناس لتطبيق أفكارها، بسبب الطابع الديني للمنطقة الشرقية والبوكمال من ضمنها.

ويرى الحنت أن إيران لم تنجح في رفع نسب التشيّع في المدينة، مشيرًا، وفق معلومات لديه أكدها بتواصله مع أهالي المدينة، إلى أن إيران ضخت الكثير من الأموال ولم تستطع بمقابلها شراء معتقدات الناس، مستثنيًا “قلة منهم”.

التركيز على الأطفال

تنشط أعمال “كشافة المهدي” بمناطق عدة في سوريا، ومنها البوكمال، وتدرب الأطفال بشكل يشبه التدريب في الوحدات العسكرية، فضلًا عن غرس التربية الدينية من خلال إخضاعهم لدروس في الحسينيات.

وكشافة المهدي هي جمعية أُسست في العام 1985، في لبنان، والهدف منها كما تعرّف عن نفسها، هو “إنشاء جيل إسلامي” وفق التصور الخاص بـ”ولاية الفقيه”، وتستهدف الأطفال في أعمار مبكرة، بحسب ما أوضحه الشيخ لعنب بلدي.

الصحفي مصعب الحنت أكد وجود أنشطة لـ”كشافة المهدي” في البوكمال، مشيرًا إلى أنها تعتبر الشريان الرئيس لتجنيد الأطفال، وأيده الباحث معن الشيخ، في أن إيران تسعى لاستخدام أطفال الكشافة بعد تخرجهم منها، لتعزيز وجودها في المنطقة، بعد زرع العقيدة التي تريد فيهم.

ويوجد في البوكمال مركز للكشافة يعد رئيسًا للمنطقة الشرقية ككل، كما يوجد مركز في منطقة القورية على مقربة من البوكمال، وتقدر أعداد المتخرجين من الكشافة بالعشرات، ونسبة مرتاديها من أهالي المنطقة ما زالت ضيئلة جدًا، بحسب ما أكده الحنت.

 

ميليشيات تدعم إيران في البوكمال..

خليط عربي وأجنبي بفعالية كبيرة

تعتمد إيران سياسة واحدة في تثبيت أركانها في معظم الدول التي تتدخل فيها (لبنان، العراق، اليمن، سوريا)، وتتمثل هذه السياسة في توظيف الميليشيات العسكرية التابعة لها، لكي تضمن لها البقاء والانتشار والتحكم في ملفات اجتماعية واقتصادية في أماكن تدخلها.

وتطبّق إيران هذه السياسة بشكل متقن في مدينة البوكمال السورية، منذ عامين، حيث نشرت مئات العناصر من العراق وأفغانستان وباكستان، بالإضافة إلى مقاتليها الإيرانيين وتجنيدها مئات المدنيين المحليين.

ويتقاضى المقاتلون العراقيون في سوريا حوالي 400 دولار شهريًا عبر بطاقات “ماستر كارد” تُعطى لهم من قبل “الحشد الشعبي”، أما المقاتلون من جنسيات أخرى فيتقاضون أموالهم نقدًا وشخصيًا، في حين يتم دفع رواتب المجندين السوريين المحليين مباشرة من قبل “الحرس الثوري” بمبالغ تعتمد على المهام الفردية الموكلة إليهم، فأولئك الذين يخدمون في مدنهم وقراهم يحصلون على 100 دولار شهريًا، في حين يحصل الذين يتوجهون إلى الخطوط الأمامية على 150 دولارًا بالإضافة إلى الآليات العسكرية وقسائم الوقود والأموال المخصصة لمصاريف متنوعة، وفق معلومات نشرتها قناة “الحرة” الأمريكية.

“الحرس الثوري”

تتربع ميليشيا “الحرس الثوري” الإيرانية على قائمة الميليشيات العاملة في البوكمال، فهي المسؤولة الأولى عن المدينة وريفها.

وعيّنت إيران لقيادة هذه الميليشيا شخصًا يدعى الحاج سلمان وهو إيراني الجنسية، وهو أيضًا الحاكم الفعلي للبوكمال، ويقدّر تعداد هذه الميليشيا بنحو 50 عنصرًا.

وتنحدر من “الحرس الثوري” ميليشيا تابعة له تحمل اسم “الفوج 47″، وتتألف من نحو 100 عنصر.

حركة “النجباء”

بعد “الحرس الثوري” تأتي في الأهمية العسكرية بمدينة البوكمال حركة “النجباء” العراقية، ويقدّر عدد مقاتليها بأكثر من 2000 عنصر، يتوزعون بين مدينة البوكمال وريفها والبادية، ويقودهم شخص يدعى كرار العراقي.

كما تضم “النجباء” ميليشيا أخرى تتبع لها وهي “حيدريون”، حيث تنتشر مقراتها ونقاط وجودها العسكرية دائمًا بجانب “النجباء”، ويقودها شخص يسمى أبو فاطمة.

“حزب الله”

ينشر “حزب الله” اللبناني مجموعة له في البوكمال، مؤلفة من عناصر سوريين وعراقيين ولبنانيين، لكن قيادتها تقع على عاتق الجناح العراقي، ولا يُعرف اسم قائدها العسكري، إذ تحيط نفسها بقدر كبير من السرية.

وتضم نحو 1000 عنصر، ينتشر معظمهم في منطقة محطة الكم ومحيطها، جنوبي مدينة البوكمال.

ووفق مصدر عنب بلدي، فإن عناصر “حزب الله” في البوكمال لا يخالطون الناس، كما لا يعرفون بعضهم بالضرورة.

“فاطميون وزينبيون”

هما ميليشيتان من أفغانستان وباكستان اعتمدت عليهما إيران بشكل واسع في أثناء مشاركتها إلى جانب النظام السوري في معاركه ضد المعارضة.

إلا أنهما كسرتا بعض السرية التي كانت تنتهجها إيران في مدن سورية، إذ فتحتا باب التطوّع في صفوفهما أمام المدنيين من أهالي البوكمال، وانتسب إليهما نحو 400 عنصر.

ويوجد عناصر هذه الميليشيا في بادية البوكمال، بينما يقل وجودهم في المدينة.

“الفرقة 313”

تعمل هذه الميليشيا في بادية دير الزور انطلاقًا من البوكمال، ويبلغ تعداد عناصرها 200، يملكون أسلحة متنوعة بين الخفيفة والثقيلة، وسيارات دفع رباعي مزودة بمضادات من عياري “23” و”14.5″، وفق تقرير نشرته شبكة “صدى الشرقية”.

تنتشر هذه الفرقة في منطقة البادية بشكل رئيس، ولديها حواجز عدة أهمها حاجز عند منطقة البانوراما وحاجز آخر على طريق المطار.

يقود هذه الفرقة شخص عراقي يدعى أبو جعفر، ولديها مقار انتساب في مدينة البوكمال وتم فرز بعض عناصرها مؤخرًا إلى مدينة دير الزور، وتشرف عليها ميليشيا “الحرس الثوري” الإيرانية.

وأُطلقت تسمية “الفرقة 313” على هذه الميليشيا، نسبة إلى الرواية التي يؤمن بها أنصار الطائفة الشيعية والتي تتحدث عن 313 شخصًا، وهم أنصار الإمام المهدي، الذين سيبايعونه في معركته ضد الكفر.

“الدفاع الوطني”

شكّلت إيران ميليشيات محلية تابعة لها في مدينة البوكمال، منها “الدفاع الوطني”، ومعظم عناصر هذه الميليشيا من أبناء مدينة البوكمال، ويقدر عددهم بنحو 400 عنصر، ويقودهم شخص يدعى ابن مشوط.

وتعتبر هذه الميليشيا غير منظمة، كما أنها تعتمد على السرقة، ويجد فيها المنتسبون الشباب مهربًا من الرباط في مناطق تنظيم “الدولة الإسلامية”.

مقاتلون من حركة النجباء العراقية (موقع الحركة)

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات