ضربة موجعة لطهران..

هل يمهّد مقتل سليماني لبناء نظام دولي جديد بقيادة أمريكية

camera iconقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – تيم الحاج

شكّل مقتل مهندس التمدد الإيراني في الشرق الأوسط وقائد “فيلق القدس” الإيراني، قاسم سليماني، نقطة تحوّل بالنسبة لشكل المواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أخرجها من مرحلة السريّة إلى المباشرة والعلنية.

ومما عزز هذه النقلة، إيصال واشنطن رسائل قوية إلى طهران، تحذرها من اتخاذ خطوات انتقامية قد تستهدف الأمريكيين، لأنها ستواجه ردًا قويًا، وفق تعبير الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.

إيران، ورغم تلقيها الرسائل الأمريكية، تصرّ على أنها سترد، إذ أكد كبار مسؤوليها أنهم سيأخذون بـما يصفونه بـ”الثأر من أمريكا”، كما تركت طهران الباب مفتوحًا أمام المسرح الذي سيشهد هذا الانتقام، ما يستدعي سؤالًا ملحًا حول شكل وحجم هذا الرد، وكيف سينعكس على المنطقة والعالم ككل.

نظام جديد

الخبير في العلاقات الدولية الدكتور العراقي عمر عبد الستار، يرى أن أمريكا بعد قتلها سليماني تسلّمت زمام المبادرة، وبدأت بتطبيق معادلة تقوم على تنفيذ ضربات استباقية ضد إيران وأذرعها في المنطقة، مستشهدًا بكلام وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، الذي أطلقه عقب مقتل سليماني.

ووفق ما قاله عبد الستار لعنب بلدي، فإن إيران كانت على الدوام هي المبادرة بقصف المصالح الأمريكية في العراق كما حدث مؤخرًا في كركوك.

وكان رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الجنرال ميلي، أكد في 2 من كانون الثاني الحالي، أن هناك حملة متواصلة على القوات الأمريكية في العراق، مشيرًا إلى أن تلك القوات تعرضت لنحو 27 هجومًا منذ تشرين الأول 2019.

وتسعى أمريكا من تغيير شكل المواجهة مع إيران إلى إحداث نظام دولي جديد تقوده واشنطن، حسبما يقول عبد الستار، مشددًا على أن حقبة دولية جديدة باتت على الأبواب.

ويرى أن المعادلة الحالية قائمة على مواجهة إيران من جهة وبناء نظام دولي من جهة أخرى، واعتبر أن الفشل في المواجهة مع إيران يؤدي إلى فشل واشنطن ببناء النظام الدولي، والعكس بالعكس.

التداعيات والتوقيت

في هذا الإطار يلاحظ أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس والخبير والباحث في الجيوبولوتيك، البروفسور خطار أبو دياب، أنه قبل العملية النوعية التي أدت إلى مقتل سليماني، كانت هناك ضربات أخرى غيرت قواعد اللعبة ضد “الحشد الشعبي” العراقي، إن كان في غربي العراق أو داخل سوريا.

ويقول أبو دياب، في حديث إلى عنب بلدي، إن ردود الفعل الصينية والروسية كانت تجاه هذه الضربات باهتة، وقد تكررت هذه الردود بعد مقتل سليماني.

أما بالنسبة للأوروبيين، وخاصة الدول الفاعلة، فقد أبدت تضامنًا بشكل غير مباشر مع واشنطن، وهذا انعكس على إيران التي كانت تنتظر شقاقًا بين الغرب وأمريكا بسبب الملف النووي، إلا أنها الآن تشاهد أن المعسكر الغربي متماسك بالرغم من تصدعاته أحيانًا.

من جانبه، يلفت الخبير في العلاقات الدولية عمر عبد الستار إلى أن هناك ثلاثة دوافع من ناحية التوقيت تقف وراء مقتل سليماني، الأول إقليمي يتجسد في إعادة هيكلة الشرق الأوسط من جديد بصلح عربي- إسرائيلي وتوقيع اتفاقيات لا حرب، ما يتيح لإسرائيل الدخول في عوامل المنظومة الإقليمية بشكل جديد بعيدًا عن كل عوامل الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، وبعيدًا عن كل عوامل القومية إن كانت مشتقة من البعث أو الناصرية، وفق قوله.

الدافع الثاني متعلق بالنظام الدولي، الذي يعتبر عبد الستار أنه اهتز جدًا، مشبهًا المشهد الحالي بما كان يحدث قبل الحرب العالمية الثانية، وبناء عليه لم يعد مجديًا التباطؤ مع هذا الوضع، في إشارة إلى طبيعة المشهد بين واشنطن وطهران، لأن ذلك سيؤدي إلى انفلات الوضع في الشرق الأوسط من يد الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي خروج قوة تنافسها على مقعد أعلى في النظام العالمي، قاصدًا الصين وروسيا، اللتين تنافسان واشنطن على سلطة النظام الدولي.

الدافع الثالث، وفق عبد الستار، هو محلي، يكمن في أهمية العراق الكبيرة بالنسبة لواشنطن، التي ستقاتل للحفاظ عليه.

ويلفت إلى أن أمريكا لا تريد حربًا، وإنما إرغام إيران على الاستسلام، لكي تعزل بغداد عن طهران.

هل ما قبل سليماني كما بعده؟

الدكتور خطار أبو دياب، يؤكد أن قاسم سليماني خسارة لا تعوض بالنسبة لإيران، موضحًا أن من جاء مكانه شخص عادي جدًا لا يمتلك نفس الكاريزما ونفس القدرات التي يتمتع بها سليماني.

وبعد ساعات قليلة من مقتله، عيّن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، قائدًا جديدًا لـ”فيلق القدس”، خلفًا لقاسم سليماني، وبحسب ما ذكرته وكالة “فارس”، الإيرانية، في 3 من كانون الثاني الحالي، فإن خامنئي عيّن العميد إسماعيل قآني قائدًا جديدًا للفيلق.

ويضيف أبو دياب أن سليماني كان راسم ومنفذ استراتيجية التمدد الإيراني في الخارج، وكان يملك عدة ملفات، وأنقذ النظام السوري، وصنع السياسة الإيرانية في العراق ولبنان واليمن، وحرّك الخلايا النائمة هنا وهناك.

وأشار إلى أن سليماني ليس برجل عادي، ووصفه برأس حربة في إيران، معتبرًا أنه أهم من الرئيس حسن روحاني، ويقول، “لذلك فإن مرحلة ما بعده ليست كما قبله، خاصة أن هناك كوادر مهمة سقطت معه”.

وبفقدها لسليماني تكون إيران تعرضت لضربة كبيرة، وفق أبو دياب، الذي يقول إن مشروعها الإمبراطوري بدأ يترنح على وقع الانتفاضات في العراق ولبنان، بالإضافة إلى “الصمود السوري”، ومن الصعوبة بمكان أن تسترجع إيران الثقل الذي كان لها أيام قاسم سليماني.

العراق بالنسبة لإيران

يتفق أبو دياب وعبد الستار على أن العراق يمثّل نقطة ضعف إيران في المنطقة، وأن إيران ستلجأ إلى جعل العراق سوريا ثانية، وهذا ما لا تريد أمريكا حدوثه.

ويقول عبد الستار، إن أمريكا تريد أن تتعامل مع الميليشيات الإيرانية التي هي ضد العملية السياسية في العراق كما تعاملت مع “تنظيم القاعدة” سابقًا، خاصة في ظل المشهد العراقي الحالي، أي بوجود الانتفاضة الشعبية، ووجود إقليم كردستان العراق، ومرجعية السيستاني في النجف، وبرهم صالح في الرئاسة.

في حين يرى أبو دياب، أن هذه المرة الأولى منذ أربعة عقود التي تتجرأ فيها الولايات المتحدة الأمريكية على ضرب إيران بشكل مباشر “بعدما بلغ السيل الزبا”، وفق تعبيره.

واستند أبو دياب إلى الرواية الأمريكية التي تحدثت عن أن سليماني كاد أن يفتك بجنود أمريكيين، لذلك أُخذ القرار باغتياله.

وتوقع أن احتمال حدوث حرب في المنطقة يتوقف على طبيعة الرد الإيراني، فإذا كان محدودًا وفي مكان محدد يمكن أن يتوقف التصعيد عند هذا الحد، ولكن إذا أرادت إيران توسيع الرقعة وتوسيع نطاق المواجهة، فالمنطقة أساسًا على صفيح ساخن وستبقى لعدة أشهر، وفق أبو دياب.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة