حملة حقيقية أم متنفس إعلامي..
ماذا وراء “مكافحة الفساد” في سوريا؟
عنب بلدي – ميس حمد
يتداول الإعلام السوري الرسمي، في الأشهر الأخيرة، أخبارًا تتحدث عن حجوزات احتياطية وقرارات متلاحقة تتضمن مصادرة الأملاك المنقولة وغير المنقولة لكبار أعمدة الاقتصاد السوري ورجالاته، معلنة بدء مرحلة جديدة تدّعي “مكافحة الفساد”.
استعادت خزينة الدولة مليارات الليرات على خلفية محاسبة إداريين ورجال أعمال، بحسب ما قاله رئيس حكومة النظام السوري، عماد خميس، في آب 2019، دون أن يفصح آنذاك عن تاريخ المحاسبة أو أرقام المبالغ التي استُعيدت.
وأوضح رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، محمد برق، نهاية عام 2019، أن قيمة المبالغ التي اختُلست من المال العام تجاوزت 5.8 مليار ليرة، والمبالغ المستردة وصلت إلى 1.5 مليار ليرة.
هذه الحملات تقابل بتشكيك في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يرى 88% من المشاركين باستطلاع للرأي نشرته عنب بلدي عبر صفحتها في “فيس بوك”، أن هذه الحملة “دعاية إعلامية”، بينما يؤمن بقية المشاركين بأنها حملة حقيقية ضد الفاسدين.
أسماء فاجأت السوريين؟
جعل قرار وزارة المالية رقم 2495، الذي سُرّب في مواقع التواصل الاجتماعي في تموز 2019، من وزير التربية الأسبق، هزوان الوز، أول الأسماء التي وصلت إلى الإعلام الرسمي تحت عنوان “أسماء فاسدة تفاجئ السوريين”.
وقضى القرار بـالحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة المقدرة بـ350 مليار ليرة بحق 87 شخصًا وزوجاتهم، ومن بينهم الوزير الوز، بتهمة استبدال حواسيب محمولة قديمة بأخرى جديدة مقدمة من منظمات بأخرى ، وبيعها.
وفي مقابلة أجراها رئيس الوزراء في حكومة النظام السوري، عماد خميس، مع صحيفة الوطن في 18 من آب 2019، قال إن “ترك المسؤول الفاسد بعد إعفائه من منصبه خطأ بحق الدولة والقانون”، ثم تبعت هذا التصريح طفرة من التصريحات الرسمية استمرت على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي أعلنت حربًا على “الفساد”.
جاءت حملة المكافحة على هيئة أخبار وقرارات بتنفيذ عقوبات مالية وحجوزات، وتقييد للنشاط المالي بحق عدد من رجال الأعمال، أبرزهم رامي مخلوف، قريب رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الذي صدر بحقه وبحق أربعة رجال أعمال آخرين، وجهات تجارية كشركة “آبار بتروليوم”، قرارًا بالحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة، في 17 من كانون الأول 2019، بتهمة التهرب الضريبي.
وتعارض هذه السياسة طريقة تعامل الإعلام الرسمي مع قضية تورط رامي مخلوف بالتهرب الضريبي، التي كشفت عنها وثائق بنما عام 2016، إذ أطرتها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) حينها بأنها موجهة من أمريكا ضد روسيا وحلفائها.
أسماء “كبيرة”
كلمة “فساد” غير المألوفة على التداول في وسائل الإعلام الرسمية، بقيت قبيل الحرب في سوريا بمنأى عن إلصاقها بشخصيات الصف الأول السياسية منها والاقتصادية في مؤسسات الدولة، بحسب ما قاله صحفي سوري لعنب بلدي عمل سابقًا في صحيفة “البعث” الحكومية، وتحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية.
لكن الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019 شهدت حملات محاسبة أقرب إلى التشهير الإعلامي بحق سبعة من كبار رجالات الاقتصاد السوري، ومنهم طريف الأخرس، ورامي مخلوف، وأيمن الجابر، وسامر الدبس، وهزوان الوز ومساعده.
وفي الأيام الأخيرة من العام، أضيف اسم حسام القاطرجي إلى “قائمة الفساد”، وهو مؤسس شركة القاطرجي، إحدى الشركات التي مولت النظام السوري بشحنات نفط وقمح من مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، شمال شرقي سوريا، ثم من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي طردت التنظيم من شرق الفرات.
صحيفة “تشرين” الحكومية، نشرت تحقيقًا، في 29 من كانون الأول 2019، اتهمت فيه الشركة بنقل شحنات نفط مخلوطة بالماء إلى مصفاة حمص. وسبق ذلك تسريب لمقطع فيديو تم تداوله في وسائل الإعلام المحلية على نطاق واسع، في 10 من كانون الأول 2019، يظهر فيه القاطرجي وبرفقته عناصر مسلحون، يجوب ثكنة عسكرية في موكب، ويؤدي العناصر له التحية، ليتبعه اعتذار للقاطرجي في مجلس الشعب، تم تسريبه صوتيًا.
ومن بين الشخصيات البارزة التي أُدرجت على قائمة الحجز الاحتياطي، طريف الأخرس، عم زوجة بشار الأسد، أسماء الأخرس، المستورد والمصدر الأبرز في سوريا وصاحب شركة “الشرق الأوسط للسكر”.
واتُخذت بحق الأخرس سلسلة قرارات قيدت منحه تسهيلات مالية أو السماح له بتحريك أي من حساباته لما قيل إنه “إلزام للإيداع في صندوق دعم الليرة”، وانتهت بحجز الجمارك على 100 مليار ليرة بحجة وجود مخالفات في بنود جمركية.
حملة شكلية أم حقيقية؟
الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري ملهم جزماتي، قال لعنب بلدي، إن المحاسبة إعلامية شكلية فقط، بدليل إبرام مؤسسات الدولة عددًا من المشاريع مع المتهمين بقضايا فساد.
واستدل جزماتي بذلك على مشروع إنشاء مصفاتين للنفط، الأولى في ريف الرقة والثانية على الساحل السوري، أُبرمت عقودهما بين وزارة النفط والثروة المعدنية وشركة القاطرجي النفطية، التي يملكها حسام القاطرجي، رغم تقدم العديد من المستثمرين من بينهم رجال أعمال خارج سوريا.
واعتبر جزماتي أن العملية رغم شكليتها محاولة التفاف على العقوبات الأوروبية، بمصادرة أموال من شحصيات فُرضت عليها عقوبات، ومنحها لأسماء جديدة وشركات يتسنى لها العمل بشكل حر دون عوائق.
قيمة الحجوزات وأهميتها لا تتعدى كونها مخالفات جمركية ورسومًا، بحسب جزماتي، الذي اعتبر أنه “إن كانت هناك مكافحة فساد حقيقية فلماذا لا تتم محاكمة رجال الأعمال وإطلاع الشعب على المحاكمة وتفاصيل القضايا، وهذا من حق الشعب”.
بينما ربطت صحيفة “التايمز” البريطانية، في 31 من آب 2019، بين حملة قرارات الحجز وضغط روسي لتسديد ثمن مشاركة موسكو في الحرب السورية، الذي يُقدّر بنحو ثلاثة مليارات دولار.
ووفقًا لموقع “الاقتصادي” أصدرت وزارة المالية 538 قرارًا بالحجز الاحتياطي على أموال 10315 شخصًا منذ بداية العام 2019 حتى نهاية أيلول منه، وسجلت قيمة الأموال التي تمت المطالبة بها عبر هذه القرارات 1.8 مليار ليرة، وذلك بحسب معاون وزير المالية، بسام عبد النبي.
ما هو الحجز الاحتياطي؟
يعرّف “نادي المحامي السوري” الحجز الاحتياطي بأنه وضع مال المدين تحت يد القضاء لمنعه من القيام بأي عمل قانوني أو مادي من شأنه أن يؤدي إلى استبعاده أو استبعاد ثماره من دائرة الضمان العام للدائن الحاجز.
ولا يعتبر الحجز الاحتياطي إجراءً تنفيذيًا بل هو إجراء وقائي، لأنه لا يمكن التنفيذ على المال المحجوز إلا بعد حصول الدائن على سند تنفيذي بحق المدين، ويكون ذلك بعد ثبوت حق الدائن وحصوله على حكم به من المحكمة المختصة يتضمن بالضرورة تثبيت الحجز الاحتياطي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :