رد بارد على اغتيال سليماني؟

  • 2020/01/04
  • 10:16 ص
مهند الحاج علي

مهند الحاج علي

مهند الحاج علي – المدن

ليس التكهن بالرد الإيراني على اغتيال قاسم سليماني، قائد فرقة “القدس” في الحرس الثوري الإيراني، سهلاً في هذه المرحلة، سيما أن أحداً لم يتوقع إقدام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على اتخاذ هذا القرار. لكن سلوك طهران في المنطقة، وتحديداً خلال السنتين الماضيتين، يجعلنا نفكر بـ3 مرتكزات للسياسة الإيرانية والتي بدورها ستُحدد مسار القرار بالرد.

أولاً، ليس هناك ما يوحي بتخلي طهران عن استراتيجية الحروب بالوكالة، وبالتالي من المستبعد أن نرى رداً إيرانياً مباشراً. لم يقع الاغتيال على الأراضي الإيرانية، بل في العراق، ما يضعه في سياق حروب الوكالة التي تمرست فيها إيران خلال الفترة الماضية، وبات سليماني نفسه أحد أبطالها ورموزها.

علينا التفكير هنا بقدرة الوكلاء على الرد، مع أو من دون تجاوز “الخط الأحمر” الذي رسمته الولايات المتحدة وبقوة، أي قتل جنود أو مواطنين أميركيين. يبقى أن استهداف الأميركيين ممكن ومحتمل وربما متوقع في العراق حيث نزع الطرفان قفازاتهما خلال الأسابيع الماضية، وباتت المواجهة بينهما مفتوحة على كل الاحتمالات. لكن من المستبعد وقوع قتلى أميركيين نظراً للقدرات العسكرية المتفوقة والتحصينات. لذا فإن استهداف الأميركيين وقواعدهم مُرجح في العراق (رمزياً) ومستبعد خارجه (سوريا واليمن ولبنان)، على الأقل مرحلياً.

أمام صانع القرار الإيراني هدفان أساسيان قد يرمي إلى تحقيقهما من خلال التصعيد في العراق، وهما انسحاب أميركي ووقف للاحتجاجات المناوئة من خلال المزيد من القمع والاعتداءات الدموية على المتظاهرين العراقيين. ذلك أن اغتيال “أبو مهدي المهندس” قد يُساعد حلفاء إيران في العراق على تبرير موجة جديدة من العنف، بحجة اصطفاف المحتجين مع الولايات المتحدة، سيما في حال تبدل جذري في موقف مقتدى الصدر.

لكن، في المقابل، بإمكان إيران التصعيد أكثر في مواجهة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وهنا نجد مروحة من الاحتمالات تتراوح بين استخدام الميليشيات للتصعيد، والعودة الى مجموعة الأهداف السابقة من تفجير ناقلات نفط إلى عمليات قصف صاروخية لبنى تحتية حيوية لاقتصاد المنطقة والعالم. وهذه كارثة على المنطقة بأسرها.

ثانياً، لم يتهور الإيراني في الرد، إلى الآن على الأقل، بل يدرس عادة خياراته بهدوء ويبقى ضمن أولوياته الاستراتيجية. سبق لإسرائيل أن قتلت قادة وجنوداً ايرانيين على الأراضي السورية، وجاء الرد باهتاً بصواريخ لم تصب أهدافها في الجولان السوري. ليس لأن طهران غير قادرة على ضرب إسرائيل وايقاع ضحايا، بل لأن لإيران أولويات استراتيجية في سوريا منها انقاذ النظام السوري والتأسيس لنفوذ طويل الأمد. حتى هذه اللحظة، لا يبدو أن النمط الإيراني في اتخاذ القرار قد تغير.

ثالثاً، للداخل الإيراني حسابات في السياسة الخارجية، سيما في هذه المرحلة الحساسة. ذاك أن سليماني تمتع خلال الفترة الماضية بشعبية كبيرة في أوساط الإيرانيين، ظهرت في استطلاعات الرأي، إذ إن للرجل معجبين من خارج نادي مؤيدي النظام. وبالتالي، يُساعد هذا الاغتيال النظام على تجاوز النقمة الشعبية على تردي الوضع الاقتصادي نتيجة العقوبات الأميركية وتراجع صادرات النفط إلى عشرة بالمئة مما كانت عليه قبل سنوات قليلة.

لكن في المقابل، ستنعكس أي حرب أو مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة سلباً على الاقتصاد الإيراني، وعلى قدرة النظام في ضبط الداخل، وستزيد من احتمالات ضعفه وربما انهياره.

لهذا السبب، يُرجح أن تلجأ ايران إلى الوكلاء للتصعيد في المنطقة دون تجاوز خطوط ترامب. لكن هنا لحظة مصارحة مؤلمة مع الواقع إذ يهتز العالم لمقتل أميركي أو إيراني، في حين يستحيل الآلاف من أبناء العراق وسوريا ولبنان واليمن مجرد أرقام لا يحتسبها أو يكترث بها أحد أباطرة حروب الوكالة.

الرد الإيراني سيُعري واقعاً مؤلماً في وضوحه ووقاحته.

مقالات متعلقة

صحافة عربية

المزيد من صحافة عربية