ماهر حاج أحمد – ريف إدلب
«أوقفني حاجز للنظام السوري في مدينة إدلب، وبعد النظر في بطاقتي الشخصية أمر الضابط بوضعي في إحدى السيارات ليقتادوني مغمض العينين إلى فرع أمني في المدينة.. علمت بعد أسبوع من اعتقالي أنه كان فرع الأمن السياسي».
هكذا بدأت قصة العم أحمد (أبو سالم)، الذي أمضى شهرين في سجون إدلب قبل تحريرها، بعد أن أوقفته قوات الأسد على حاجز أمني في المدينة، في الخامس من كانون الثاني من العام الجاري، بتهمة منح الرواتب لأشخاص مطلوبين أمنيًا يقيمون في تركيا، فأبو سالم، من أبناء بلدة التمانعة بريف إدلب الجنوبي، كان موظفًا معتمدًا لتسليم رواتب الموظفين.
«بعد أن اقتادوني إلى أحد معتقلات الموت، التي لا يعلم خفاياها إلا من زارها، بدأ مسلسل التعذيب بأنواع الانتهاكات الجسدية والكلامية، فكنت أُربط لأكثر من أربع وعشرين ساعة بدون طعام أو شراب ليتسلى بي أي عنصر يمر بجانبي باللكم والضرب والكهرباء.
بعد مضي أكثر من شهرين دخل إلينا معتقل جديد ليخبرنا بأن الثوار يحاصرون مدينة إدلب تمهيدًا لاقتحامها. فرحنا لهذا الخبر لأنه كان الأمل الوحيد لخلاصنا كوننا كنا نعد أنفسنا ميتين ولن نخرج من المعتقل أبدًا.
بعد يومين تمامًا بدأت الاشتباكات، كنا نسمع الأصوات تقترب وتزداد يومًا بعد يوم، ولاحظنا الارتباك على عناصر الأمن في الفرع بشكل لم نشهده من قبل. كانوا يركضون باستمرار ويصرخون على بعضهم البعض، وأعدادهم أصبحت أقل، ربما لأنهم خرجوا لمواجهة الثوار فلم يعد في الفرع إلا بعض الحراس، حتى الطعام أصبح قليلاً ولا يأتي إلا مرة واحدة في اليوم.
اقتربت الاشتباكات أكثر فأكثر، حتى بتنا نميز صوت البندقية من الرشاش. في ذلك اليوم لم نر أحدًا من عناصر الأمن ولم نسمع أصواتهم إطلاقًا، سوى واحد منهم فتح نافذة الباب وأعطانا قليلًا من الخبز وقال: دبروا حالكم. عندها أيقنا أن الأمور خرجت عن سيطرتهم وعلائم الارتباك باتت واضحةً جدًا، فلم يكن منا إلا الدعاء.
في اليوم التالي، كانت الاشتباكات على أشدها، وسمعت ورفاقي صوت إطلاق نار يأتي من الزنزانة التي تجاورنا. عرفنا أنهم بدأوا بتصفية المعتقلين والهرب، فوقفنا بجوار الباب، وكنا ننوي الدفاع عن أنفسنا بأي ثمن، فنحن ميتون بكل الأحوال.
بعد ذلك، عم نوع من الهدوء، وتوقفت الحركة في الفرع تمامًا، وكأنه بات خاليًا من عناصره. صعد أحد السجناء ونظر من النافذة القريبة من السقف، وقال: ساحة الفرع مليئة بالثوار.
جاء الثوار إلينا مسرعين، وكسروا الباب، عانقونا وقالوا لنا اخرجوا فأنتم أحرار. كانت لحظات عصيةً عن الوصف، دموعنا انهمرت بشكل غريب، فليس من السهل أن تكون في عداد الأموات وفجأة تخرج للحياة.
خرجنا من الزنزانة، ورأينا عددًا من السجناء بعضهم مقتول وبعضهم مازال على قيد الحياة، قام الثوار بإسعافهم على الفور. خرجنا نحن واستلمنا أغراضنا الشخصية التي سرق رجال الأمن منها الأموال، وأمن الثوار لنا الطريق حتى وصلنا إلى منازلنا وأولادنا، كان ذلك في 29 آذار الماضي».
كانت يدا أبي سالم ترتعشان، والدمع يملأ مقلتيه بينما كان يروي قصته لعنب بلدي؛ نجى العم، وأعداد كبيرة من المعتقلين أخلي سبيلهم وحرروا على يد جيش الفتح، غداة سيطرته على مدينة إدلب، لكن آخرين لم يكتب لهم العيش لرؤية اللحظات التي ترقبوها. لقد أعدمتهم قوات الأسد قبيل انسحابها بقليل.