تعبر واشنطن عن تخوفها بشكل واضح عبر تصريحات سياسييها الذين دعوا إلى التماس نجدة دبلوماسية لحماية الموظفين العاملين بالسفارة الأمريكية في بغداد، إثر هجمات محتجين عراقيين على السفارة ومحاصرتهم لها منذ الاثنين الماضي.
وشهد محيط السفارة احتجاجات شعبية غاضبة أدت إلى اقتحام حرمها، عقب قصف سلاح الجو الأمريكي بخمس ضربات جوية نفذتها طائرات “درون” منشآت تابعة لفصيل عسكري يتبع لـ”كتائب حزب الله” في العراق، أحد أبرز الفصائل الموالية لـ”الحشد الشعبي” المدعوم من إيران، مساء الأحد الماضي، وأسفرت عن نحو 25 قتيلًا.
وبحسب ما نقلته “رويترز”، عن مسؤولين في وزارة الخارجية العراقية، أمس الثلاثاء، فإنه تم إجلاء السفير وموظفين أمريكيين من السفارة.
بين الدبلوماسية والعسكرة
مخاوف واشنطن بدت أكثر وضوحًا في إعلان لوزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، في بيان له أمس، الثلاثاء 31 كانون الأول، قال فيه إن “البنتاغون بصدد إرسال قوات إضافية إلى بغداد لحماية السفارة الأمريكية بعدما هاجمها آلاف المحتجين العراقيين الموالين لإيران”.
We have taken appropriate force protection actions to ensure the safety of American citizens, military personnel and diplomats in country, and to ensure our right of self-defense. We are sending additional forces to support our personnel at the Embassy.
— Archive: Dr. Mark T. Esper (@EsperDoD) December 31, 2019
لكن الرد الشعبي العنيف والمتمثل في حرق محيط السفارة ومحاولة كسر نوافذ غرف الموظفين، سارع من وتيرة صدور بيانات متلاحقة عن الخارجية الأمريكية ووزيرها، مايك بومبيو، الذي آثر اتباع نهج دبلوماسي في حصوله على تأكيدات من الرئيس العراقي، برهم صالح، ورئيس وزرائه، عادل عبد المهدي، باتخاذهما إجراءات “جدية” في “مسؤولية توفير الأمن للمواطنين والممتلكات الأمريكية في العراق”.
واستجدى السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام، عبر حسابه في “تويتر” أمس، الثلاثاء 31 من كانون الأول، “حلفاء أمريكا من العراقيين” لحماية موظفي السفارة الأمريكية من هجوم المحتجين من أنصار إيران، معتبرًا أنها “اللحظة المناسبة لإقناع الشعب الأمريكي بأن العلاقة بين واشنطن وبغداد ذات مغزى وتستحق الحماية”.
لكن الوزير بومبيو، سرعان ما اتخذ موقفه من محاسبة المتسببين في الهجوم على السفارة، بنشره عبر حسابه في “تويتر” أسماء قال إنها تعود لمخططي الهجوم على السفارة الأمريكية، وهما “أبو مهدي المهندس” وقيس الخزعلي، بدعم من إيرانيين هما هادي العماري وفالح الفياض، بحسب الوزير، مضيفًا أنه “تم تصويرهم جميعًا أمام السفارة الأمريكية في بغداد”.
The attack today was orchestrated by terrorists – Abu Mahdi al Muhandis and Qays al-Khazali – and abetted by Iranian proxies – Hadi al Amari and Faleh al-Fayyad. All are pictured below outside our embassy. pic.twitter.com/2QfGGrfmDd
— Secretary Pompeo (@SecPompeo) December 31, 2019
سبع تغريدات خرج بها بومبيو خلال اليومين الماضيين مدافعًا ومبررًا الضربات الجوية الأمريكية، ومسابقًا الزمن قبل محاسبته أو استدعائه إلى جلسات استجواب لاحقة، كما حصل مع نظيرته السابقة، وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، التي مثلت نهاية الشهر الماضي أمام لجنة مجلس النواب الأمريكي، بتهمة “فشلها” في إدارة الهجوم على السفارة الأمريكية في بنغازي عام 2012.
“ستيفانس” جديد؟
ورغم إجلاء السفير الأمريكي في بغداد، فإن حادثة اقتحام السفارة بالعصي وحرق الإطارات، أعادت إلى ذاكرة السياسة الأمريكية تخوفًا من تكرار سيناريو محاصرة السفارة الأمريكية في ليبيا عام 2012، الذي انتهى بمقتل السفير، كريستوفر ستيفانس، وثلاثة دبلوماسيين عاملين في السفارة في مدينة بنغازي الليبية.
لم يكن استهداف السفارة الأمريكية في بنغازي عشوائيًا، إذ استُهدفت البعثة الدبلوماسية في 11 من أيلول تزامنًا مع إحياء الأمريكيين ذكرى أحداث الـ11 من أيلول/ سبتمبر عام 2001، التي راح ضحيتها نحو ثلاثة آلاف شخص، وأصيب فيها ما لا يقل عن ستة آلاف آخرين.
لكن نهاية الاستهداف كانت مخالفة لما تم التخطيط له، فبحسب التحقيقات الأخيرة الصادرة في تشرين الثاني 2018، تحدثت النيابة العسكرية الليبية أن الخطة استهدفت خطف السفير الأمريكي دون قتله، بغرض مبادلته بسجين في سجن غوانتانامو.
وقادت مجموعة مسلحة هجومًا على مقرّ القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي، وفشلت قوات الأمن الليبية المكلّفة بحماية المبنى في صدّه، لتندلع النيران داخله، ما تسبب في مقتل السفير الأمريكي، كريستوفر ستيفانس، مختنقًا مع ثلاثة من موظفي القنصلية.
2020 بتوتر سياسي جديد
وتشوب العلاقات الأمريكية- الإيرانية توترًا سياسيًا، على ضوء التداعيات الأخيرة في الأيام القليلة الماضية، التي حملت تهديدًا من قبل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي قال إن “إيران ستدفع ثمنًا باهظًا جدًا نتيجة اقتحام السفارة”، مشددًا أن تصريحه “تهديد وليس تحذيرًا”.
تصريحات سبقها تهديد عراقي جاء على لسان نائب رئيس “هيئة الحشد الشعبي”، “أبو مهدي المهندس”، الذي توعد برد “قاسٍ” على القوات الأمريكية في العراق، حسب قوله.
–