هنا الحلبي – عنب بلدي
في حي الزهراء، شمال غربي مدينة حلب، حيث شاءت الأقدار لبعض التجمعات السكنية أن تصبح خطوط جبهات، صمدت أم حذيفة قرابة عام شاهدة على ما حل بأبناء تلك الأحياء، وكيف تعايشوا في المكان الذي استوطنته قوات الأسد.
في نيسان 2014، بدأ الجيش الحر عملياته في الحي بهدف تحرير المخابرات الجوية والدخول عبره إلى الأحياء الغربية؛ ومنذ ذلك التاريخ نزحت غالبية سكانه، إما قسرًا أو نتيجة القصف واحتدام المعارك، ودخلت قوات الأسد عددًا من بيوته، فبات أقرب إلى ثكنة عسكرية منه إلى حي سكني.
تروي أم حذيفة، التي نزحت مؤخرًا عن الحي، لعنب بلدي ما شهدته على مدى أشهر، بدءًا من دخول الجيش الحر إلى الحي، حينها «أشاع النظام وجود قناص يرصد الحي، واشتد القصف بشكل مكثف فنزح معظم السكان، وأما من تبقى منهم فأخرجوه بالقوة حتى يتمكنوا من سرقة البيوت دون شهود».
«كنا من القلة القليلة التي بقيت، ورأينا كيف منعت حواجز النظام الأهالي النازحين من اصطحاب أي من ممتلكاتهم حتى أصغر القطع الكهربائية معهم»، وتتابع أم حذيفة الحديث عن عمليات سرقة نفذتها قوات الأسد في حيهم، وكانت عائلتها إحدى الضحايا «رأيناهم يسرقون بضاعة دكاننا بالكامل، ولم نكن نجرؤ على الخروج من منزلنا».
وتعقب «كتبوا عبارة (هنا الجيش الحر) معتقدين أن لا أحد يراهم»، موضحة أنهم أفرغوا الأبنية السكنية والتجارية من كامل محتوياتها وأثاثها، بما في ذلك «المصاعد والأباجورات، وحتى المقابس الكهربائية».
عمليات تحميل المسروقات كانت تبدأ عند الحادية عشرة ليلًا يوميًا، أما ما لا يريدون تحميله فكان يجمع في الشارع ويحرق، بحسب أم حذيفة «كنا نسمع أصوات ضحكهم وشتائمهم وسخرياتهم وهم يتلذذون بحرق أثاث الناس».
انتشار قوات الأسد في المنطقة انعكس على طبيعة حياة أهلها كذلك، إذ ترافق وجودهم بما لم يألفه المجتمع في الحي من انتشار للشذوذ الجنسي بينهم، وتخصيص بيوت الدعارة؛ كذلك ألزموا الأهالي بقوانين مزاجية تتحكم بتفاصيل حياتهم، «بحجة وجود قناص -لم يكن موجودًا فعلًا- كانوا يجبروننا تارة على الخروج من باب القبو، وتارة كانوا يضعون لنا سلمًا يؤدي إلى الحديقة الخلفية، فلم نجرؤ على مغادرة منازلنا إلا لشراء اللوازم الضرورية»، وتتابع أم حذيفة «فرض علينا إطفاء المولدات عند وقت مبكر وألا نشغل أضواء الغرف الأمامية؛ اعتدنا رائحة المشروب والعرق التي تفوح منهم، واعتدنا أصوات ضحكاتهم النشاز وسكرهم وشتائمهم».
كذلك أكدت أم حذيفة تواجد ميليشيات لبنانية وإيرانية تساند قوات الأسد، موضحةً أنها سمعت من الجيران عن وجود ضباط إيرانيين في مبنى المخابرات الجوية، ولم تقابل أيًا منهم شخصيًا؛ إلا أنها التقت بمقاتلين في صفوف حزب الله أفصحوا بأنفسهم عن انتمائهم إليه «كنا نسمع أصواتهم وهم يتلون القرآن ليلًا”، مضيفة أن سكان بعض المباني سمعوا مرارًا دروسهم وخطبهم الدينية، وهي «مختلفة عمّا نعرفه في ديننا وكأنها طقوس شيعية» حسب رواية السامعين، أما ما رأته بعينها فهو «احتفالهم بالعيد في اليوم التالي لعيدنا».
وفي ختام روايتها، عقبت أم حذيفة «بالرغم من كل ما عشته على مدى أشهر لم يصدمني نهائيًا ما رأيته من أفراد هذا الجيش، بقدر ما يصدمني ويحزّ بنفسي وجود أناس سذّج يصدّقون إلى الآن أن هذا الجيش هو حامي الديار».