الحرامي و«المدفّر»
أحمد الشامي
يبدو من المستحيل فهم استراتيجيات «داعش» بالاستعانة بعلوم السياسة والاجتماع، ناهيك عن استحالة التعايش معها من وجهة نظر أخلاقية.
سلوك نظام العصابة في «دمشق» أيضًا يبدو من المستحيل فهمه وفق علوم الاجتماع والسياسة. بالمقابل، علم الجريمة يبدو أنه اﻷقدر على تفسير سلوك عصابتي «اﻷسد» و «البغدادي».
المؤرخ اللبناني الشهيد «سمير قصير» دفع حياته ثمنًا لمقولته «من يريد فهم نظام اﻷسد عليه أن يهجر علم السياسة ويشاهد فيلم العرّاب…»، بما معناه أن نظام اﻷسد هو «عصابة»، وأن سلوكه ومبادئه تنتسب لعالم النهب والجريمة المنظمة وليس لعالم الحضارة والقانون.
ما هو رأي علم الجريمة في الظاهرة «الداعشية» وبخصوص العلاقة بين «أبو بكر البغدادي» وعصابته و «أبو حافظ القرداحي» وزبانيته؟
في عالم اﻹجرام، على عكس ما نظن، يسود «التفاهم» وتقاسم النفوذ على حساب الضحايا بدل التقاتل والمنافسة الدموية إلا فيما ندر، وهذا الحال يدوم ما دام هناك غنائم يمكن تقاسمها.
العصابات تدرك أن أسوأ ما يمكن أن تقع فيه هو التقاتل فيما بينها وهو ما يحلم به «الضحايا»! لذلك لا تتقاتل العصابات إلا مضطرة.
هذا لا يعني أن كل شيء يسير بسلاسة على الدوام بل هناك احتكاكات في مناطق تماس وصراع على النفوذ لكن دون الوصول إلى مرحلة كسر العظم. كل ما هو دون المواجهة المفتوحة يسير على مبدأ «ضرب الحبيب زبيب..».
في عالم اللصوصية هذا، يتفاهم المجرمون ويتقاسمون اﻷدوار، فهناك من يقوم بالسطو وهو «الحرامي»، في حين يقوم آخر ببيع المسروقات و «تدفيرها» عبر ضخها من جديد في السوق وهو «المدفّر» ثم يتبادل الاثنان اﻷدوار.
هكذا نستطيع فهم التقاسم الوظيفي بين عصابتي «اﻷسد» و «البغدادي». فاﻷسد يسرق حاضر السوريين ثم ينسحب وتأتي «داعش» لتصادر مستقبلهم وتمحو ماضيهم. «اﻷسد» يدمر الحواضر السنية الواحدة تلو اﻷخرى و «البغدادي» يهدم اﻷوابد و يهجّر البشر.
التفاهم بين العصابتين ليس جديدًا، ففي الثمانينيات، فضل اﻷب الروحي والمؤسس للعصابة «السنية» صدام حسين، الدخول في حرب عبثية مع إيران لصالح «الشيطان اﻷكبر» بدل دعم «حلفائه» من السنة واﻹخوان، الذين كانوا يذبحون على يد «اﻷسد» اﻷب وعصابته «العلوية» في «حماه».
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :