تخطى لبنان مرحلة من الفراغ الحكومي بعد تكليف حسان دياب بتشكيل الحكومة الجديدة، مع تفاقم المشكلات الاقتصادية التي خرج المتظاهرون في سبيل إصلاحها، وانخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار، وفقدانها ثلث قيمتها تقريبًا.
كما تجاوزت قيمة الدين العام اللبناني 85 مليار دولار، أي ما يزيد على 150% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يجعل لبنان في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث نسبة المديونية العامة إلى الناتج الإجمالي.
وسقط خلال المظاهرات عدد محدود من القتلى، لكنها لاقت تأييدًا شعبيًا واسعًا في مختلف مناطق لبنان، على رأسها العاصمة بيروت وطرابلس وصور وعكار وغيرها من المدن.
واختلف تعاطي الأمن اللبناني معها كما غيّر المتظاهرون من أساليبهم، التي بدأت بالساحات العامة، وتطورت لاحقًا لقطع الطرقات وإعلان الإضراب والتظاهر أمام المؤسسات والشركات الكبرى لإيقافها عن العمل، والتي دخلت فيما بعد ضمن دائرة الإضراب على فترات مختلفة.
واستمر أنصار “حزب الله” وحركة أمل في رفضهما للحراك الشعبي الذي يؤثر على موقع الجماعتين، واعتدوا على المتظاهرين عدة مرات، لأن المظاهرات تهدد سلطتهما في لبنان وتحكمهما بالعديد من مفاصل الدولة اللبنانية، نتيجة التوافق مع تيار رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، ووزير خارجيته، جبران باسيل، المرفوض من قبل المتظاهرين بشكل متواصل.
لأول مرة الحريري خارج التشكيل الحكومي
خرج اسم رئيس حكومة لبنان منذ عام 2009، والوريث السياسي لرئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حاليًا، سعد الحريري، من واجهة الاستشارات لتشكيل الحكومة الجديدة.
واعتذر الحريري في وقت سابق عن تكليفه بتشكيل الحكومة، في ظل رفض القوى الحاكمة في لبنان تأليفه لحكومة “تكنوقراط” (حكومة اختصاصيين)، تلبية لمطلب المتظاهرين.
ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية عن الحريري قوله في حديثه مع إعلاميين، في 24 من كانون الأول 2019، أن “الحكومة المقبلة ستكون حكومة الوزير جبران باسيل”، مضيفًا “لن أترأس أي حكومة يكون فيها باسيل (…) يروح يدبر حالو، إلا إذا اعتدل هو ورئيس الجمهورية”.
وبعد يوم واحد نفى الرئيس اللبناني، ميشال عون، أن تكون الحكومة المقبلة من تأليف وزير الخارجية اللبناني ورئيس “التيار الوطني الحر”، جبران باسيل، كما يقال، إنما ستكون حكومة كل اللبنانيين بمن فيهم “حزب الله”، وذلك بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي.
وأضاف أن “ما يحدد لون الحكومة المقبلة هو التأليف وليس التكليف”، وأنها حكومة تتكون من اختصاصيين.
حسان دياب بين رضا “حزب الله” وغضب الشارع
نال وزير التربية والتعليم الأسبق، حسان دياب، تأييد ستة نواب “سنّة” فقط من إجمالي 27 نائبًا يمثلون الطائفة السنية في البرلمان، بعد حجب نواب تيار المستقبل، الكتلة السنية الأبرز وثاني تكتل في البرلمان اللبناني بـ19 نائبًا، أصواتهم عنه.
وجاءت تسمية دياب رئيسًا للحكومة، بعد موافقة 69 نائبًا، مقابل دعمه من نواب كتلة “الوفاء للمقاومة”، الجناح السياسي لـ”حزب الله” و”حركة أمل” المؤلفة من 13 نائبًا، إضافة إلى “التيار الوطني الحر”، حزب الرئيس اللبناني، ميشال عون، والكتلة “القومية الاجتماعية”.
لكن تكليف دياب للتشكيل الحكومي قابله رفض من قبل المتظاهرين اللبنانيين، بحجة تلقيه دعمًا بارزًا من كتلة “الوفاء للمقاومة” التابعة لـ”حزب الله”.
ورفض الحريري تسمية أو تقديم غطاء سياسي أو ثقة لدياب أو أي شخص آخر لتشكيل الحكومة، ووصف الحكومة الجديدة بحكومة جبران باسيل، كما شدد على أنه لن يعمل مع باسيل، لأنه يريد أن يدير البلد لوحده، وفق ما أوردته صحيفة “الشرق الأوسط”.
ورد دياب على اتهام دعمه من قبل “حزب الله”، بأنه سخيف وبيّن أن حكومته ستكون وجه لبنان ولن تتكرر حكومة فئة سياسية لشخص ما، ووعد بتشكيل الحكومة خلال مدة تتراوح بين أربعة إلى ستة أسابيع، من اختصاصيين ومستقلين لمعالجة جميع القضايا، حسب لقاء أجرته قناة “DW“.
ويطالب المحتجون منذ استقالة حكومة الحريري بتشكيل حكومة “تكنوقراط” تكون قادرة على التعامل مع الوضعين السياسي والاقتصادي المتدهورين في لبنان، الذي يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية (1975– 1990).
ويرفض “حزب الله” تشكيل حكومة “تكنوقراط”، وكان يدعو إلى تشكيل حكومة “تكنوسياسية” تجمع بين اختصاصيين وسياسيين برئاسة الحريري، إلا أن الأخير رفض هذا الطرح.
اعتداءات متكررة على المتظاهرين السلميين
على غرار المظاهرات المناوئة للأنظمة الحاكمة في الدول العربية، تعرض المتظاهرون في لبنان إلى عدة اعتداءات من قبل أنصار “حزب الله” و”حركة أمل”، أبرزها في صور وساحتي رياض الصلح والشهداء وجسر الرينغ في بيروت.
وطالبت قيادتا الجماعتين من أنصارهما ترك ساحات المظاهرات والابتعاد عن المتظاهرين، كما حذرت من دفع البلاد إلى حرب أهلية، لكن بالمقابل اتهم حسن نصر الله، الأمين العام لـ”حزب الله”، أحزابًا وسفارات بتمويل الحراك، مشككًا في عفويته.
كما طالب أنصاره المعارضين للحراك الشعبي بعدم الاعتداء على المظاهرات والمتظاهرين في حين لم يستجيبوا لذلك، واعتدوا عليهم بالضرب بالإضافة إلى حرق الخيم وتكسيرها.
لكن قوات الأمن والجيش اللبناني تتدخل في كل مرة يحاول فيها أنصار الجماعتين الوصول إلى ساحات الاعتصام والتظاهر، وفضت العديد من الاشتباكات بينهما.
أبرز الاشتباكات كان بين مؤيدي تيار “المستقبل” من جهة وأنصار “حزب الله” و”حركة أمل” من جهة أخرى، وأدى إلى إطلاق نار دون وقوع جرحى في منطقة قصقص وسط بيروت، في 25 من تشرين الثاني 2019.
وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الشهر الماضي، إن قوات الأمن في لبنان استخدمت “القوة المفرطة” ضد متظاهرين تجمعوا وسط بيروت في 14 و15 من كانون الأول 2019.
وأوضحت المنظمة، في بيان، أن “عددًا ضخمًا من قنابل الغاز المسيل للدموع” أطلقته القوى الأمنية، إضافة إلى الرصاص المطاطي والمياه و”ضرب بعض المتظاهرين بعنف شديد ما تسبب بجروح خطيرة”.
ونقلت “هيومن رايتس ووتش” عن شهود قولهم إن شرطة مكافحة الشغب، التابعة لقوى الأمن الداخلي، و”شرطة مجلس النواب” كانتا مسؤولتين عن الانتهاكات “لكن لم يكن بالإمكان التفريق بين القوّتين في جميع الحالات لأن عناصرهما ارتدوا البزات نفسها”.
–