عنب بلدي – حباء شحادة
يراقص الماء الساخن أوراق المتة التي تتسلق الكأس الصغيرة، وتصنع رغوتها الخضراء الفاتحة على سطحها، مشهد يبعث الراحة في نفوس آلاف السوريين المداومين على شرب المتة.
ذاق السوريون مرارة الحرب خلال السنوات التسع الماضية، لكن هذه المصاعب لم تنسِ بعضهم حب مرارة الشراب اللاتيني ولم تبعدهم عنه، وهو يرافقهم في بلاد اللجوء، ويلازمهم في سوريا رغم الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
سلعة “أساسية” للمواطن
ضم مصرف سوريا المركزي المتة، في 8 من كانون الأول الحالي، إلى لائحته للسلع “الأساسية” المدعومة للاستيراد، ليؤكد أهميتها في البلد الذي يعد أكبر مستورديها عالميًا.
تلقت سوريا من الأرجنتين 34.5 ألف طن من المتة عام 2018، وفقًا لـ”مؤسسة المتة الوطنية الأرجنتينية“، التي تستورد منها سوريا 99.7% من حاجتها من المتة سنويًا.
وكانت تلك الأرقام “تاريخية” في الأرجنتين، حسبما ذكرت صحيفة “Buenos Aires Times“، واعتبر رئيس “مؤسسة المتة الوطنية الأرجنتينية”، ألبيرتو راي، في حديثه لإذاعة محلية، في شباط الماضي، أن ارتفاع الصادرات كان “مفاجئًا”، لأنها انتقلت من معدل 30 ألف طن إلى 43 ألف طن خلال عام واحد.
سبق ذلك الارتفاع في الواردات “أزمة” عام 2017، حصلت نتيجة مواجهة بين وزارة التجارة الداخلية في سوريا والتجار، أدت إلى فقدان المادة من الأسواق، إذ حددت الوزارة سعر عبوة المتة بـ250 و300 ليرة سورية بعدما كان يصل سعرها إلى 500 ليرة سورية، ما دعا التجار لاحتكارها وتخزينها، الأمر الذي سبب غضبًا في الشارع السوري.
ورغم ما ألحقته المعارك الدائرة في سوريا منذ عام 2011 بقطاع إنتاج المتة، خاصة مع صعوبة وصولها إلى معامل التعليب في مدينة يبرود بمنطقة القلمون الغربي عام 2014، ما سبب انقطاعها عن الأسواق لفترة، لم يتوقف السوريون عن استهلاكها والمطالبة بها.
وحسبما قال العامل السابق في معمل لتعليب المتة في يبرود أيمن حمود، لعنب بلدي، فإن السوريين “لا يستطيعون الاستغناء عن المتة”، مهما ارتفع سعرها أو نقصت من الأسواق، مشيرًا إلى أن الناس اتجهوا لتخزين المتة وشراء أكياس كبيرة منها خلال الأزمات التي مرت “كي لا ينقطعوا عن شربها”.
وفي استطلاع الرأي الذي أجرته “عنب بلدي” عبر حسابها في “فيس بوك”، في 19 من كانون الأول الحالي، وصف 35%، من إجمالي عدد المشاركين البالغ ألفين و400 مستخدم، أنفسهم بـ”مدمني شرب المتة”.
حب من أول رشفة
اعتبر السكان الأصليون لأمريكا اللاتينية شجر المتة المعمر دائم الخضرة “هدية من الآلهة”، وكانوا يستخدمونه للعبادة والتجارة، ويحملون أوراقه في رحلاتهم الطويلة للمضغ والشرب، وفقًا لـ”مؤسسة المتة الوطنية الأرجنتينية”.
تعلم الغزاة الأوروبيون حب الشراب عند وصولهم إلى القارة في القرن السادس عشر، وكذلك فعل المهاجرون.
وحسب موقع المؤسسة فإن العديد من السوريين وصلوا إلى الأرجنيتن ما بين 1850 و1860 “ووقعوا بحب المتة”، وأعادوها معهم إلى بلادهم واعتنقوها كشراب خاص ودمجوها بتقاليدهم “لدرجة أن العديد في المناطق المجاورة لهم يعتقدون أن المتة هي تقليد شرق أوسطي”.
امتدت الهجرات من سوريا إلى أمريكا الجنوبية ما بين 1860 و1912، مع ضعف الدولة العثمانية وتتالي الأزمات الاقتصادية والجفاف والفقر في مناطق القلمون والساحل السوري، وتوالت الهجرات بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.
وكان أول تصدير مسجل للمتة إلى سوريا عام 1936، بكمية كبيرة منذ ذلك الحين، إذ كانت سوريا ثاني أكبر مستورديها بـ39.6 طن ولم تسبقها إلا بوليفيا، وتصاعد الاستيراد السوري منذ السبعينيات مع تزايد عودة المهاجرين.
حاول مستوردو المتة زراعتها في سوريا لتخفيف التكلفة، إلا أن زراعتها لم تنجح لاختلاف البيئة الزراعية، حسبما قال العامل السابق في معمل لتعليب المتة أيمن حمود.
وتصل أعواد شجر المتة وأوراقها إلى المعمل، لتخلط وتعد نكهاتها، لكل منطقة على حدة، وأضاف أيمن أن أهل المناطق الثلاث الأكثر استهلاكًا للمتة في سوريا، الساحل والقلمون والسويداء، يختلفون بما يفضلونه عن بعضهم، وحتى في عادات الشرب.
ومن أبرز عادات شرب المتة في القلمون، مشاركة الكأس الرفيعة والمصاصة عند شربها من قبل مجموعة من الأشخاص خلال الزيارات الاجتماعية، ونقع الأوراق بقليل من الماء قبل ملء الكأس، مع غسل المصاصة بشكل بسيط عند نقلها من شخص لآخر.
أما في الساحل فيشرب كل فرد بكأسه ومصاصته الخاصة، وتنقع أوراق المتة بالماء البارد قبل صب الماء الساخن، وفي السويداء يستخدم الشاربون “الجوزة” ويفضلونها صباحًا.
وتضاف نكهات متنوعة إلى كأس المتة، مثل السكر والهيل والحليب، وتقدم في مجموعة خاصة من الأواني، التي أصبحت جزءًا من “جهاز العروس” في بعض المناطق.
كيف تُشرب المتة في الأرجنتين
تختلف عادات شرب المتة بين سوريا والأرجنتين، حسبما ذكرت “مؤسسة المتة الوطنية الأرجنتينية“، فمن غير الشائع استخدام المنكهات ولا غمر كامل الأوراق بالماء ونقعها المسبق بالماء البارد.
وقدمت المؤسسة مجموعة من النصائح للاستمتاع بشرب المتة والاستفادة من أوراقها لأطول فترة ممكنة:
– تسخين الماء تدريجيًا على نار هادئة حتى تصل إلى درجة 75 مئوية، إذ في حال كانت الماء أكثر سخونة أو إن وصلت لدرجة الغليان فإنها ستكون مرة جدًا وبلا طعم، لأن الورق “سينحرق”، ويجب تغييره كاملًا.
– لا تغمر كل الأوراق دفعة واحدة، فحين يصعد “جبل” المتة فوق الماء فإنه يتابع تغذيتها بالأرواق الجديدة لتستمر لفترة أطول.
– لا يجب أن تقل درجة حرارة الماء عند صبها من جديد، كي لا تفقد المتة طعمها، لذا يجب الاستمرار بتسخينها على نار هادئة.
– لا تحرك مصاصة المتة كي لا تغطى بالأوراق ولا تؤدي إلى إغراقها كلها.
– استخدام كأس بسطح واسع كي يتسع لأكبر مقدار من الأوراق الطافية فوق الماء.
المتة طبيًا
تحتوي المتة على الكافيين ومواد غذائية أخرى، ويتفاوت محتوى الكافيين من 0.3% حتى 1.7% من الوزن الجاف.
كذلك تحتوي على: تيوفيللين، تيوبرومين، بوتاسيوم، مغنزيوم، منغنيز، صوديوم، فوسفور، كالسيوم، فيتامينات ب1 ب2، فيتامين ث، نياسين، كاروتين، أحماض أمينية، مضادات أكسدة، تانينات، وغيرها.
وتنشّط المتة القلب والعضلات والأعصاب، وتزيل الصداع وآلام الرأس، وتساعد العمال والرياضيين على التحمل، وتحسن الهضم وتقطع الشهية، لذلك تنقص الوزن.
وتعد مدرة طبيعية للبول، لذلك تفيد عند وجود رمال بولية، كما تخفف آلام الحوض والشعور بالنفخة في فترة الحيض، وتفيد في علاج الرشح والإنفلونزا، بسبب احتوائها على فيتامين C.
وتخفف من أعراض ضيق النفس وتسهل عملية التنفس، وتعالج التقرحات في مرض كرون.
وتفيد البشرة، لأن زيت المتة يقلل من السيلوليت، ويحد من ظهور علامات تمدد جلد البطن في أثناء الحمل، ويعطي البشرة بريقًا ولمعانًا، وتفيد الشعر وتعزز من نموه، وتحد من تساقطه، وتعيد لونه الطبيعي.