نور التقي – برنامج “مارِس” التدريبي
تنفصل شريحة كبيرة من الأطفال واليافعين السوريين في تركيا عن واقع بلدهم، فينتشر “الجهل” بثقافة وتاريخ سوريا تحت شعار الاندماج، الذي بدأ بالتحول تدريجيًا إلى انصهار في ثقافة بلد اللجوء.
بدأ السوريون بالتوافد إلى الأراضي التركية عام 2011 بعد اندلاع الثورة السورية، وتجاوزت أعداد اليافعين منهم في تركيا 273 ألفًا، بحسب تقرير نشره موقع “BBC” العربي في آب الماضي، 90% منهم التحقوا بالمدارس التركية.
الإقصاء عن الذاكرة السورية
في أثناء انشغال اليافعين بتعلم اللغة التركية ومحاولات التأقلم، نشأ جيل ظهرت على بعض من أفراده علامات فقدان الانتماء والهوية، وعدم إتقان اللغة العربية، وجهل بالثقافة السورية.
إبراهيم كوكي، كاتب سيناريو وأب لثلاثة أبناء أكبرهم في سن الـ16 عامًا وأصغرهم في التاسعة، يقول لعنب بلدي، “يسألني أحد أبنائي، من هو حافظ الأسد وهل كان مجرمًا أيضًا؟”، مشيرًا إلى أن الآباء اليوم يقفون أمام معادلة صعبة محاولين الموازنة بين رغبتهم في توجيه أبنائهم لقضيتهم أو ترك حرية التقصي والاختيار لهم، ويتملكهم خوف من المجهول ومن حمل الأبناء لتبعات ما قام به الآباء”.
ويضيف إبراهيم أن مسألة توعية الجيل الناشئ على الواقع والظلم الذي جرى ويجري في سوريا أمر “فطري مهم”، بقدر أهمية تعليمهم تعاليم الدين والأخلاق.
“شو بدي ارجع أعمل هنيك؟”
“خلال حصص مادة التاريخ في المدرسة، أشعر بداخلي بحسرة المشتاق لتعلم تاريخ وحضارة بلدي، تاريخ تركيا جميل ولكن تبقى سوريا وتاريخها الأجمل”، تقول شهد قادرية، الفتاة الدمشقية، التي تتابع تعليمها في مدرسة تركية باسطنبول.
خلال السنوات الماضية، وبعد صعوبة كبيرة في محاولات الاندماج مع المجتمع التركي، أصبحت شهد تنتمي بشكل كبير لهذا المجتمع، وقاربت على نسيان كثير من تفاصيل الحياة التي عاشتها في سوريا.
شام وشهد توأمان غادرتا سوريا مع عائلتهما في عاميهما الثامن، هربًا من أوضاع البلاد المضطربة وسوء الوضع المعيشي والأمني، في ظل غياب أساسيات الحياة، درستا في مدارس تركية وأتقنتا اللغة التركية.
شام تتخوف من فكرة العودة إلى سوريا، وتصفها بالصعبة جدًا بسبب صعوبة التأقلم من جديد مع المناهج العربية المتبعة في سوريا، “شو بدي ارجع أعمل هنيك؟”، تتساءل شام عن سبب العودة إلى سوريا، وهي التي لا يربطها أي رابط بينها وبين بلدها الأم.
في حالة مشابهة لشام وشهد، حسين أبو راس (15 عامًا)، فتى سوري حاصل على الجنسية التركية الاستثنائية، خرج من مدينة حلب إلى تركيا في عام 2013.
حسين يصف ما حدث في سوريا بثورة شعب طالب بالتغيير وثار على الظلم، ثم يسكت، لا تسعفه معلوماته لوصف أكبر أو أوسع، فيقول إنه لم يحدث أن حدّثه أحد من والديه عما يحصل في سوريا بسبب انشغالهما بهموم الحياة وصعوباتها ولا يعتريه اهتمام لمعرفة ما حدث ويحدث الآن.
في زيارته إلى سوريا منذ فترة قريبة، أحس حسين بالخوف، بسبب الوضع غير المستقر هناك، ولكنه يتمنى مستقبلًا العودة إلى بلده، رغم استحالتها في الوضع الراهن، لأنه وبالرغم من حصوله على الجنسية التركية يبقى ارتباطه بسوريا هو الأقوى، على حد قوله.
نماذج واعدة
يقول وليد أيوبي (16 عامًا) محاولًا تبسيط تصوره عن الواقع السوري، “كنا في سوريا نعاني من جهل جعلنا نقبل خاضعين بأن نحمل قناعات لا تشبهنا، حملها أجدادنا رغمًا عن أنوفهم وورثوها لآبائنا”.
ويرى وليد أن وعي مجموعة من الشباب الراغبين بتغيير الواقع والخروج على نظام الحكم “الفاشل” هو ما أشعل فتيل الثورة.
وليد كان قد أتم عامه الثامن، عندما قرر أهله الخروج من سوريا واللجوء إلى تركيا في عام 2012، بعد تعرض منزلهم في حي “ركن الدين” في دمشق لمداهمات عدة من قبل قوات النظام السوري، بحثًا عن مجموعة من الناشطين كانوا يقطنون بجوارهم.
وعلى مدار ثماني سنوات لاحقة قضاها في تركيا، كوّن وليد قناعاته الخاصة عن القضية السورية، ويقول لعنب بلدي، “لم يجبرني أحد على الإيمان بفكرة الثورة أو تبنيها، ولكن الغصة التي رافقتني حين تركت بيتي جعلتني أفكر بما حصل وأحاول أن أعرف ما الغاية من كل هذا، ثم جاءت القصص التي سمعتها من الأشخاص حولي وما نراه ونسمعه يوميًا، وشعوري بالانتماء لأمة مسلمة، كل ذلك جعل من الثورة قضية أؤمن بها”.
يصف وليد الوضع الحالي في سوريا بـ”المأساوي” و”المحبط” بعد تخلي فئة كبيرة من الناس شيئًا فشيئًا عن إيمانهم بالقضية و”تدني” الوضع الفكري لجيل الشباب.
ويسعى وليد لترك الأثر وبدء التغيير، فبعد تخرجه في المدرسة الثانوية التركية يرغب بدخول كلية الهندسة أملًا بالعودة إلى سوريا مع أقرانه من الشباب، وإحداث التغيير الذي يحلمون به.