إدلب تواجه عواقب التفاهمات والمصالح الاستراتيجية بين روسيا وتركيا

  • 2019/12/29
  • 11:23 ص

رجل ينقذ طفل بعد غارة جوية للطيران الحربي في معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي في 26 أيار 2019 (فرانس برس)

عنب بلدي – أحمد جمال

تواجه محافظة إدلب خطر السيطرة العسكرية من جانب روسيا والنظام السوري في مرحلة من تقاطع الاتفاقيات الدولية والمصالح الاستراتيجية بين روسيا وتركيا بدرجة أولى.

تشهد أرياف إدلب الشرقية والجنوبية تصعيدًا من النظام وروسيا، عبر عملية برية بدأها الحليفان، في 19 من كانون الأول الحالي،  وسيطرا من خلالها على مساحة تقدر بنحو 320 كيلومترًا مربعًا، في ظل دور خجول للجانب التركي الضامن في المنطقة، ومواجهات متواضعة للفصائل المقاتلة.

وتهدف العملية الأخيرة للسيطرة على الطرق الدولية، والقضاء على الفصائل التي تصنفها روسيا بأنها “إرهابية” في إشارة إلى “هيئة تحرير الشام”، ما سبب أزمة إنسانية في المنطقة، وسط عجز تركي وفصائلي.

تصعيد ضمن تفاهمات سابقة

يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس والخبير والباحث في الجيوبولوتيك، البروفسور خطار أبو دياب، أن ما يجري في إدلب هو تطبيق لاتفاقية “سوتشي” الموقعة بين تركيا وروسيا في أيلول عام 2018، ونتيجة لإصرار روسيا على السيطرة على الطرق الدولية وإنهاء ملف “هيئة تحرير الشام” في المنطقة، رغم محاولات أنقرة تأجيل تطبيق الاتفاقية ومحاولة فرض الأمر الواقع على موسكو.

ويضيف أبو دياب، في حديث إلى عنب بلدي، أن في الحسابات الروسية دومًا عندما يمكن الانتراع يتم الانتزاع، كما حصل في ريف حماة وإدلب حاليًا.

لا يظن البروفسور أبو دياب أن في المسألة مساومات وصفقات مباشرة، ولكنها موزاين قوى دولية، وتركيا كدولة لاعبة على الأرض تتجنب الصدام المباشر مع قوتين أساسيتين مثل أمريكا وروسيا، بحسب تعبيره.

لكن المخاوف الأكبر هي عدم توقف تقدم الروس والنظام عند معرة النعمان وسراقب والسيطرة على الطرق الدولية في المنطقة، وتضييق المساحة على ملايين المدنيين في إدلب، بمن فيهم النازحون من محافظات عديدة، نتيجة التسويات التي فرضها النظام سابقًا في أرياف دمشق وحمص ودرعا، في ظل غلبة روسية مقابل ضعف الأوراق التركية في المنطقة، بحسب توصيف أبو دياب.

ويوجد في المنطقة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في إدلب أربعة ملايين و352 ألفًا و165 نسمة، 50% منهم سكان مقيمون، و49% من النازحين والمهجرين قسريًا، وفق إحصائية لفريق “منسقو استجابة سوريا“، نشرها في 27 من كانون الأول الحالي.

ويرى البروفسور أن هذه الصراعات الدولية تبقى على حساب المدنيين في إدلب، وتتحمل القوى السياسية والفصائل المقاتلة وخاصة “تحرير الشام” مسؤولية أيضًا في حل عقدة المنطقة، والعمل على تسوية مناسبة لجميع الأطراف، قد تنهي مأساة آخر معاقل المعارضة السورية.

وبحسب التصريحات الرسمية السورية، فإن الرؤية السياسية والعسكرية هي السيطرة على كامل الجغرافيا السورية بما فيها إدلب حتى الوصول إلى الحدود التركية، وهذا ما أكدته تصريحات رئيس النظام، بشار الأسد، في مقابلاته الأخيرة، وتلتها تصريحات وزير خارجيته، وليد المعلم، الأسبوع الماضي.

وقعت تركيا وروسيا اتفاقية “سوتشي” حول إدلب في أيلول عام 2018، وقضت بنشر 12 نقطة مراقبة تركية في المنطقة، مقابل نقاط مراقبة روسية في مناطق سيطرة النظام.

وتحكم الاتفاقية مصير محافظة إدلب، وحدودها الجغرافية، ورغم أن بنودها لم تطبق، فإن موسكو وأنقرة تعتبرانها حجر الأساس لما ستكون عليه المنطقة مستقبلًا.

ونصت الاتفاقية على إنشاء منطقة منزوعة السلاح، كخطوة لوقف إطلاق النار بين فصائل المعارضة والنظام، ومن أجل إبعاد الخطر عن قاعدة حميميم في ريف اللاذقية والقواعد الروسية في ريفي إدلب وحماة.

إلى جانب ذلك، اتفق الطرفان على التحضير لفتح الطرقات الدولية المارة من إدلب أمام حركة التجارة والمدنيين، وهي طريق دمشق- حلب، وحلب- اللاذقية.

تركيا الطرف الأضعف؟

يعتبر المحلل العسكري العقيد أحمد حمادي، أن تركيا هي الطرف الأضعف في اتفاقية “سوتشي” الموقعة مع روسيا في أيلول 2018، حول إدلب، وتحاول تخفيف التصعيد في المنطقة، مضيفًا أن تركيا لم تقدر على منع الروس وحلفائهم من التقدم باتجاه مدينة معرة النعمان في حملتها الأخيرة، مقابل استخدام القوة المفرطة من روسيا التي تصر على الحسم العسكري.

ويقول حمادي، في حديث إلى عنب بلدي، إن غياب أي ضمانات تنفيذية من مجلس الأمن الدولي لمعاقبة أي طرف يخترق اتفاقية “سوتشي” الموقعة بين روسيا وتركيا، وغياب أي دعم دولي أو عربي لأنقرة، يجعل الأخيرة منفردة وضعيفة في ملف إدلب، مستشهدًا بحصار قوات النظام نقاط المراقبة التركية في بلدات صرمان ومعرحطاط، وسابقًا حصار نقطة مورك بريف حماة.

بدوره يقول القيادي في فصائل المعارضة، سامر الصالح، إن تركيا غير راضية عن التصعيد في إدلب من قبل روسيا والنظام السوري وخاصة المعارك والتقدم الأخير، بالتزامن مع تعرضها لضغوط دولية كبيرة حول الملف السوري وغيره.

ويضيف الصالح، في حديث إلى عنب بلدي، أن “تركيا تستخدم وسائل سياسية ودبلوماسية حول ملف إدلب، وتبتعد عن الدخول في حرب مباشرة مع الدول الأخرى في سوريا، خاصة أن ملف إدلب أصبح مدوّلًا ويخضع لمصالح دولية”، بحسب تعبيره.

من جهته طالب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 26 من كانون الأول الحالي، بوجوب تطبيق تهدئة في مدينة إدلب شمالي سوريا، من أجل إيقاف موجة اللجوء إلى الأراضي التركية، قائلًا إن “هجمات النظام السوري في إدلب لا تجعل وقف إطلاق النار الدائم ممكنًا”.

وقدر أردوغان أن نحو 100 ألف شخص فروا باتجاه الحدود التركية، مشيرًا إلى أنه تم إبلاغ أوروبا بعدم قدرة تركيا على استيعاب موجة جديدة من اللاجئين، مهددًا بأن “يدفع الجميع الثمن” إذا لم تحدث التهدئة.

سبق ذلك تصريح المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، بأن تركيا أرسلت رسالة حازمة إلى روسيا بشأن هجوم النظام السوري العسكري على مناطق ريف إدلب، مضيفًا أن موسكو تعهدت بأنها ستبذل جهدها لوقف هجمات النظام السوري على إدلب خلال 24 ساعة.

ذرائع روسية لمصلحة الأسد

تضع روسيا ذارئع عديدة في حربها على آخر معاقل المعارضة السورية في محافظة إدلب، أبرزها “مكافة الإرهاب” والقضاء على “هيئة تحرير الشام” والفصائل الأخرى، لتعمل على دعم عمليات تقدم برية تفضي إلى السيطرة على مناطق واسعة من المنطقة.

ويقول المحلل العسكري العقيد أحمد حمادي، إن “الروس يستخدمون الذرائع لإنهاء حالة الثورة السورية ولتمكين نظام الأسد، وذلك يعطي لهم المشروعية لبقائهم في سوريا، وتحقيق أحلامهم الإمبراطورية فيها، إذ إن وجود النظام السوري يحقق تلك الأهداف الروسية والإيرانية”.

ومن بين تلك الذرائع تأمين الطرق الدولية (“M4″و”M5”) التي تمر بمناطق المعارضة في إدلب، معتبرًا أنه “إذا قرر الروس عدم اجتياح مناطق المعارضة، لاستطاعوا فتح طرق جديدة باتجاه حلب وأبو الضهور وغيرها”.

مواجهة متواضعة

فصائل “الفتح المبين” في إدلب (التي تضم “تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير”) تعمل على مواجهة الحملة العسكرية البرية لقوات النظام وحلفائه، عبر عمليات هجومية ودفاعية بإمكانيات متواضعة مقارنة بقدرات روسيا وحليفها، إلى جانب التصدي المتكرر لعمليات التقدم والتسلل تجاه مناطق سيطرتها على عدة محاور بريفي إدلب الشرقي والجنوبي.

ويقول القيادي في فصائل المعارضة، سامر الصالح، إن الفصائل المقاتلة في إدلب غائبة عن أي قرار دولي في سوريا، بعد أن أصبح ملف إدلب “مدوّلًا” ويخضع لمصالح دولية وتناقضات متعددة، معتقدًا أن التصعيد والمعارك في المنطقة “لا تنتهي إلى بقرار أممي ملزم”.

ويقول المحلل العسكري أحمد حمادي، إن “فصائل المعارضة تقاتل وفق إمكانيات بسيطة مقارنة بالترسانة الروسية، ولا تمتلك القدرة على مواجهة الحملة العسكرية الروسية التي تتبع سياسة الأرض المحروقة، من حيث كم القصف الجوي الصاروخي والبراميل المتفجرة، إلى جانب الوسائط التقنية الحديثة التي تمتلكها روسيا وتساعدها بالتقدم ليلًا”.

وأعلنت الفصائل على معرفاتها الرسمية، خلال الأسبوعين الماضيين، عن عمليات هجومية مكثفة بصواريخ “التاو”، طالت مواقع النظام في محاور ريفي إدلب واللاذقية، وأسفرت عن عشرات القتلى والجرحى من صفوف النظام بينهم ضباط، وتدمير دبابات وآليات عسكرية، مرفقة ذلك بتسجيلات مصورة وثقت بعض العمليات.

أزمة إنسانية كبرى

ترافقت العمليات العسكرية مع تصعيد جوي على المدن والمناطق السكنية في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وخاصة مدينة معرة النعمان وريفها، منذ الأسبوع الماضي، ما أدى إلى تفريغ المنطقة من معظم سكانها، إلى جانب الضحايا والمصابين والدمار الواسع في الأحياء السكنية والمرافق الحيوية.

وعلى خلفية التصعيد، حذر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كلًا من روسيا والنظام السوري وإيران من قتل آلاف المدنيين في محافظة إدلب وقال، في تغريدة عبر “تويتر”، في 26 من كانون الأول الحالي، إن دول “روسيا وسوريا وإيران تقتل أو تتجه إلى قتل آلاف المدنيين الأبرياء في محافظة إدلب، لا تفعلوا ذلك!”.

وأضاف ترامب أن تركيا “تعمل جاهدة من أجل وقف هذه المذبحة”، في إشارة إلى دورها كضامن في اتفاقية إدلب الموقّعة مع روسيا.

وأعلنت الأمم المتحدة عن نزوح ما يزيد على 235 ألف مدني بينهم 140 ألف طفل على الأقل، خلال أقل من أسبوعين في الفترة ما بين 12 و25 من كانون الأول الحالي، جراء التصعيد العسكري الأخير الذي شهدته محافظة إدلب، وفق بيان أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في 27 من كانون الأول الحالي، وقال فيه إن مدينة معرة النعمان وقرى وبلدات في محيطها باتت شبه خالية من المدنيين.

وأضاف البيان الأممي أن أغلب النازحين اتجهوا إلى المخيمات الواقعة على الحدود السورية التركية، وأن ما يزيد على 100 ألف مدني ممن نزحوا الأسبوع الماضي اضطروا للبقاء في مبانٍ غير مكتملة أو مدمرة جزئيًا، وفي خيام، وتحت الأشجار، وحتى في العراء، وذلك في ظل الظروف الشتوية من البرد ودرجات الحرارة المتدنية التي تفاقم من معاناتهم.

وحثت الأمم المتحدة جميع الأطراف المعنية ذات النفوذ على ضمان حماية المدنيين وحرية تنقلهم، والسماح بتوفير المساعدات المنقذة للحياة دون عوائق، معبرة عن قلقها العميق على سلامة أكثر من ثلاثة ملايين مدني في منطقة إدلب، اضطر أكثر من نصفهم للنزوح داخليًا خلال العامين الماضيين.

كما وثق “الدفاع المدني السوري” ارتكاب قوات النظام السوري سبع مجازر خلال الفترة بين 15 و22 من كانون الأول الحالي، قُتل فيها 84 شخصًا بينهم 21 طفلًا و16 امرأة، وجُرح 173 شخصًا، بينهم 26 طفلًا و23 امرأة.

واستهدفت قوات النظام السوري مدعومة بالطيران الروسي قرى وبلدات ريف إدلب، بـ379 غارة، و190 برميلًا متفجرًا، و1108 قذائف مدفعية، و468 صاروخًا، خلال نفس الفترة، بحسب “الدفاع المدني”.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا