صراع على إدلب أم حرب على الحل السياسي الدولي

  • 2019/12/29
  • 12:00 ص

بقلم: أسامة آغي

منذ أن تتالت رحلات التهجير من مناطق الصراع بين النظام وحليفه الروسي- الإيراني من جهة وفصائل المعارضة المسلحة السورية من جهة أخرى، كان واضحًا أن محافظة إدلب ستكون مركز تجميع لقوات الفصائل، هذا الأمر دفع كثيرين لرسم سيناريوهات مختلفة لهذه المحافظة.

لم يكن أحد يمتلك رؤية حاسمة لمستقبل “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة) في هذه المنطقة، وفي الوقت ذاته كان الجميع يعرفون، أن الروس والغرب عمومًا، يريدون التخلص من البؤر المسلحة الراديكالية “المتشددة دينيًا، ” كجبهة النصرة” أو فصيل “حراس الدين” أو غيرها، ممن تُحسب على تنظيم القاعدة المتطرف.

لم تقم فصائل المعارضة المعتدلة باشتقاق استراتيجية متوسطة المدى لحل هذه المعضلة، ولم يكن بمقدور الضامن التركي فتح جبهة على هذه الفصائل الراديكالية، لأن ذلك سيسبب موجات نزوح سكانية هائلة باتجاه الأراضي التركية، ما يخلق تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية غير مرغوبة في وضعه العام، لذلك بقي وضع “هيئة تحرير الشام” وبقية الفصائل المتشددة وكأنه دعوة غير مباشرة لشن النظام السوري وحلفه حربًا، بحجة تصفية القوى الإرهابية، كما يطلقون على هذه الفصائل.

ولكن الغاية الحقيقية للحرب على إدلب، ليست متمثلة بوجود هذه الفصائل فحسب، بل الأمر يتعلق بفتح الممرين التجاريين “M4″ و”M5”. هذان الممران هما شريانا الحياة الاقتصادية بالنسبة للنظام السوري من جهة، وشريانا التجارة الدولية العابرة نحو دول الخليج وغيرها، كذلك من أجل زيادة قوة أوراق التفاوض بيد النظام وحليفه الروسي- الإيراني.

وباعتبار أن فصائل المعارضة تدرك أهمية هذين الشريانين، وتدرك أنها ستخسر بتراجعها عن السيطرة عليهما عسكريًا واقتصاديًا، نجدها تقاتل بشراسة دفاعًا عن ضرورة ربط هذا الأمر بالحل السياسي النهائي للصراع السوري، الذي لم تبادر الدول المنخرطة في الصراع السوري إلى السير فيه بخطوات جدية.

الحرب على إدلب قد تكون لها تبعات واضحة على المدى القصير، ونقصد بذلك محاولة فرض النظام السيطرة العسكرية على هذه المحافظة، وإخراجها كورقة من يد المعارضة، ولكن هذه السيطرة لن تُخل بمعادلة الصراع بين النظام والمعارضة فحسب، بل ستكون ورقة قوة لمصلحة الحل السياسي وفق الأجندة الروسية، التي ستخسر فيها قوى إقليمية ودولية، فالحل الروسي لا يجتث أسباب الصراع السوري، الذي تفجّر مع الثورة عام 2011، وكذلك لا يؤمّن مصالح تلك القوى الإقليمية والدولية، ولهذا فهو حل يزيد من درجة تعقيد هذا الصراع.

أول المتضررين من هذه المعادلة هو الشعب السوري، وقد تكون هناك أضرار ليست واضحة المعالم والفعالية في هذه المرحلة، ستلحق بالأطراف الدولية المتهاونة في فرض تنفيذ القرار الدولي 2254. ولهذا لا يجب أن يتم النظر إلى الحرب على إدلب وكأنها أمر محصور بهذه المنطقة، أو كأنها اجتثاث للفصائل المسلحة المتشددة، بل يجب النظر إليها باعتبارها جزءًا أساسيًا من معادلة الصراع الكلية، وأن عدم الدفع بعملية الحل السياسي، وفق الصيغة الأممية، سيعقّد هذا الحل، وسيجعل منطقة الشرق الأوسط في حالة خطر حقيقي.

تقاعس المجتمع الدولي عن تنفيذ التزاماته حيال حل الصراع السوري، سيجعل من هذا المجتمع أسيرًا لتبدلات قوى الصراع ونتائجه، ففي الوقت الذي تتسع فيه دائرة التغيير في المنطقة، والمتمثلة بانتفاضتي العراق ولبنان، نجد أن المجتمع الدولي يقف مشدوهًا وبلا رؤية استراتيجية لإيجاد معادلات سياسية تلحظ التبدلات في ميزان القوى السياسية في المنطقة، وكأنه لا يقرأ أن هاتين الانتفاضتين على علاقة عميقة بالصراع في سوريا بين محور النظام وحلفائه الإيرانيين من جهة، والشعوب الثائرة على الهيمنة الإيرانية وحكومات الفساد من جهة أخرى.

الحرب على إدلب هي حرب على الحل السياسي الدولي العادل، الذي يشرحه القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي 2254، ولهذا يجب أن تتكثف الجهود لمنع انهيار الاستقرار في محافظة إدلب، وهو أمر يتطلب ضغوطًا دولية على إدارة بوتين، لوقف هجمات طيرانها من جهة، ومنع النظام السوري من الاستمرار في قصف المناطق، وتهجير وقتل سكانها من جهة ثانية.

حل قضية وجود الفصائل الراديكالية في محافظة إدلب، لا ينبغي العمل عليه وفق السيناريو الخاص بالنظام وحلفائه، بل يجب العمل عليه وفق صيغة دولية، يتم الاتفاق عليها في أروقة الأمم المتحدة، وأن تتضمن هذه الصيغة ضمان أمن وسلامة السكان المدنيين من جهة، واتباع طريقة بإعادة المقاتلين المتشددين الإسلاميين إلى بلدانهم الأصلية.

وضع خارطة زمنية لتنفيذ القرار الدولي 2254 بعيدًا عن التسويف والمماطلة الروسية، هو عمل ضروري وحاسم، على أن تتضمن خارطة الحل الدولي عملية جمع سلاح متزامنة من يد كل الميليشيات في طرفي الصراع، وأن يتم ضمان وحدة المكونين العسكريين الرئيسين للنظام والمعارضة في بنية جديدة، أي أن يتشكل الجيش السوري الجديد من المكونين المذكورين، وأن تُحدد مهامه وعقيدته وفق صلاحيات محددة يرسمها له الدستور الجديد.

إن وضع خارطة الحل موضع التنفيذ، يعني حلًا لمشكلات كثيرة أنتجها الصراع السوري، ولعل أهم هذه الحلول هو الاتفاق على تحقيق الانتقال السياسي برعاية دولية حازمة، ما يوفر الفرصة لتحقيق الاستقرار في سوريا، والسماح بعودة المهجرين والنازحين إلى مناطقهم، ووضع برنامج زمني برعاية دولية لإعادة إعمار ما هدمته الحرب، إضافة إلى البدء ببرنامج مصالحة وطنية على قاعدة المساواة بين جميع المكونات الوطنية، وتفعيل مبدأ العدالة الانتقالية، التي تعيد الحقوق، وتهدّئ الخواطر لدى المتضررين من الصراع السوري في كل مناحيه.

هذه الخارطة تحتاج إلى عقد مؤتمر دولي، يضع نصب عينيه إنهاء الحرب، وإحلال السلام في سوريا، فهل تلجأ الدول الفاعلة على الساحة الدولية إلى اختيار هذه الطريق، أم أن مصالحها لا تزال تتحقق عبر استمرار هذه الحرب، دون اهتمام أخلاقي وسياسي بما يتعرض له الشعب السوري من مذابح ودمار، هذه الحرب التي لن توفر أحدًا من نيرانها المستعرة ذات يوم.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي