تواصلت المظاهرات العراقية في شهرها الثالث وسط تطورات عديدة شهدتها الساحة العراقية، أولها اعتماد البرلمان للكتلة النيابية الأكبر “تحالف البناء” المسؤولة عن تسمية خلف لرئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، والمكلف بتصريف أعمال الحكومة، حسب الدستور العراقي.
وعارضت كتلة “سائرون نحو الإصلاح” هذا الاعتماد، ما أدى إلى خلاف بينها وبين “تحالف البناء”، بعد انتهاء المهلة الدستورية، لتسمية رئيس وزراء جديد بدلًا من عبد المهدي، من قبل رئيس الجمهورية، برهم صالح.
إضافة إلى انقسام رأي الشارع العراقي الذي رفض مرشحين اثنين هما وزير التعليم العالي، قصي سهيل، ومحافظ البصرة، أسعد العيداني، وكليهما من “تحالف البناء”، خلفًا لرئيس الحكومة المستقيل، وتلويح الرئيس العراقي، برهم صالح، بالاستقالة رفضًا لمرشحين “يرفضهم الشارع العراقي”.
من الكتلة الأكبر في البرلمان
حصد تحالف “سائرون نحو الإصلاح” الذي يتزعمه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، 54 مقعدًا في انتخابات 2018، ويضم حزب “الاستقامة الوطني” الذي أسسه الصدر، إلى جانب أحزاب علمانية، مثل “الشيوعي العراقي” و”الدولة العادلة” و”الشباب” وغيرها.
وحل ائتلاف “الفتح” بقيادة هادي العامري قائد ميليشيا “بدر” ثانيًا، بـ 49 مقعدًا، و”النصر” برئاسة حيدر العبادي ثالثًا، بـ 42 مقعدًا، و”ائتلاف دولة القانون” برئاسة نوري المالكي رابعًا، بـ 26 مقعدًا، إضافةً لكتل أخرى.
وذكرت وكالة “الأناضول” أن رئاسة البرلمان العراقي سلّمت رئيس الجمهورية، برهم صالح، كتابًا تؤكد فيه أن “تحالف البناء” هو الأكبر، وذلك ردًا على طلب تقدم به الرئيس بتسمية الكتلة الأكبر، في 24 من كانون الأول.
ويتكون تحالف “البناء” من ائتلاف “الفتح” (49 مقعدًا)، وائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، (26 مقعدًا)، إضافةً لقوى شيعية مقربة من إيران، ويملك التحالف 150 مقعدًا من أصل 329 من مجموع أعضاء البرلمان، حسب كتاب رئاسة البرلمان.
وأصدرت المحكمة الاتحادية في 22 من كانون الأول، قرارًا لحسم الخلاف السياسي بشأن الكتلة الأكبر في البرلمان، ردًا على طلب رئاسة الجمهورية.
وحدد القرار أن الكتلة الأكبر هي التي تتألف من قائمة واحدة أو من قائمتين أو أكثر، عند عقد الجلسة الأولى للبرلمان.
أما تحالف “الإصلاح” الذي يضم رموز بارزة في العراق، منهم مقتدى الصدر (زعيم “سائرون” 54 مقعدًا)، وحيدر العبادي (زعيم “ائتلاف النصر” 42 مقعدًا)، وعمار الحكيم (زعيم “تيار الحكمة” 19 مقعدًا)، وإياد علاوي (زعيم “ائتلاف الوطنية” 21 مقعدًا) وأسامة النجيفي (زعيم “تحالف القرار” 11 مقعدًا)، فإجمالي حصته في البرلمان 142 مقعدًا.
ووجه تحالف “سائرون” أوائل الشهر الحالي رسالة لرئاسة الجمهورية أكد أنه الكتلة الأكبر، وهو المعني بتقديم مرشح لتشكيل الحكومة، وكان “سائرون” رفض تقديم مرشح لخلافة عادل عبد المهدي بداية كانون الأول الحالي (تنازل عن حقه في ترشيح رئيس الوزراء).
برهم صالح رئيس في السليمانية وليس في بغداد
توجه الرئيس العراقي، برهم صالح، إلى مسقط رأسه مدينة السليمانية شمال شرقي العراق، وأعلن استعداده تقديم استقالته للبرلمان بعد تحفظه على مرشح “تحالف البناء” ومحافظ البصرة الحالي، أسعد العيداني، لرئاسة وتشكيل الحكومة.
وذكرت قناة “الجزيرة” القطرية، نقلًا عن مصادر من رئاسة الجمهورية لم تسمها، عودة صالح إلى بغداد أمس السبت، من مقر إقامته في السليمانية.
وأعلن صالح لاحقًا أنه متمسك بمواد الدستور في تكليف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددًا، ويتحتم النظر إلى المصلحة الوطنية العليا قبل الاعتبارات الشخصية والسياسية، وأنه يتعذر عليه تكليف العيداني لرئاسة وتشكيل الحكومة المقبلة، بسبب مسؤولية رئيس الجمهورية تجاه شعبه.
بينما أشار البرلمان إلى قبول استقالة صالح التي لم يقدمها خطيًا للبرلمان، إذ يجب على رئيس الجمهورية تقديم الاستقالة خطيًا للبرلمان، ويوافق عليها البرلمان بعد أسبوع، حسب الدستور العراقي.
ورفض المتظاهرون في العراق تسمية العيداني رئيسًا للحكومة، وطالبوا برئيس بعيد عن الأحزاب السياسية الحاكمة، كما أن كتلة “سائرون” المنافسة لـ”البناء” أكدت أنها مع ترشيح شخصية ترضى بها ساحات التظاهر.
وأقر مجلس النواب العراقي الثلاثاء الماضي قانون الانتخابات التشريعية، الذي حدد أن الفائز من يحصل على أعلى الأصوات، وأن تكون الانتخابات ضمن دوائر متعددة وليس دائرة واحدة كما في السابق.
قرابة 500 شخص ضحايا “العنف الأمني”
يشهد العراق احتجاجات شعبية غير مسبوقة منذ شهر تشرين الأول الماضي، تخللتها أعمال عنف أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 490 شخصًا وجرح أكثر من 22 ألف شخص، وفق إحصائيات مفوضية حقوق الإنسان في العراق.
وأعلنت “المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان” في العراق أمس، السبت 28 من كانون الأول، أن إجمالي عدد حالات الاختطاف والفقدان في صفوف المتظاهرين والناشطين المسجلين لديها بلغت 68 حالة، على خلفية المظاهرات التي بدأت في تشرين الأول الماضي.
وقال عضو مجلس المفوضية، أنس العزاوي، في تصريح صحفي أمس إن “حالات الاغتيال في صفوف الناشطين والمتظاهرين بلغت 33 حالة، موزعة بواقع 15 حالة قتل و13 مصابًا وسبع محاولات فاشلة”.
ولفت إلى أن حالات الاغتيال والاختطاف تتم خارج ساحات التظاهر، مشيرًا إلى أن القوات الأمنية تواصل عمليات البحث عن الفاعلين.
وتزايدت في الأسابيع الأخيرة الانتهاكات بحق المتظاهرين العراقيين، من قتل واختطاف وتعذيب في أماكن سرية، ووجه ناشطون اتهاماتهم للميليشيات التابعة لإيران، التي تريد الحفاظ على الوضع السياسي والحكومة الحالية كما كان، باستيلاء الموالين لإيران على كل مفاصل العراق، وهو ما يؤجج من غضب المتظاهرين.
وكان مجلس القضاء الأعلى العراقي، شكل هيئة من ثلاثة نواب للتحقيق العاجل في عمليات قتل المتظاهرين، في 29 من تشرين الثاني الماضي.
كما أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه العميق إزاء التقارير التي تشير إلى استمرار استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين في العراق، ما أدى إلى ارتفاع عدد الوفيات والإصابات.
وذكر بيان للأمم المتحدة، الخميس 28 من تشرين الثاني، أن غوتيريش يحث جميع الفاعلين في الساحة العراقية على الامتناع عن العنف، والدخول في حوار سلمي لمصلحة العراق والشعب العراقي.
وكرر الأمين العام دعوته السلطات العراقية إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وحماية أرواح المتظاهرين واحترام الحق في حرية التعبير والتجمع والتحقيق بسرعة في جميع أعمال العنف.