مضى أكثر من شهر على توقيع الرئيسين، التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، اتفاقًا في مدينة سوتشي الروسية، قضى بإيقاف معركة “نبع السلام” التي أطلقتها أنقرة و”الجيش الوطني” السوري، في 9 من تشرين الأول الماضي.
ومنذ الأيام الأولى للمعركة، توجهت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) للتفاهم مع النظام السوري وروسيا، بعد أن وجدت نفسها وحيدة، إثر اتخاذ الولايات المتحدة الأمركية، الداعم الأبرز لها، قرارًا بالانسحاب من المنطقة، والتمركز لاحقًا عند حقول النفط.
وقد اتهمت “قسد” على لسان المتحدث باسمها، مصطفى بالي، أمريكا علانية بالتخلي عنها.
وقال بالي، عبر حسابه في “تويتر”، إن “القوات الأمريكية لم تفِ بمسؤولياتها وبدأت بالانسحاب من الحدود، تاركة المنطقة لتتحول إلى ساحة حرب”، مؤكدًا أن “قسد مصممة على الدفاع عن سوريا بأي ثمن”.
روسيا تستغل الفرصة
بُعيد اتخاذ أمريكا قرارًا بالانسحاب من سوريا، بدأت العجلة الروسية تتحرك لاستثمار تلك الفرصة لجهة التوسع في المنطقة التي كانت تحسبها صعبة المنال بسبب دخولها في حسابات واشنطن لسنوات طويلة.
وكانت أولى خطوات موسكو في هذا الاتجاه، هي رعاية اتفاق بين النظام و”الإدارة الذاتية” (الكردية)، في 13 من تشرين الأول الماضي، يقضي بانتشار قوات النظام في مناطق على الحدود السورية- التركية لمنع تقدم القوات التركية.
وعلى ضوء هذا الاتفاق، تمكن النظام السوري، الحليف الرئيسي لموسكو، من الانتشار في مدن ومناطق عين العرب، وتل تمر، وعين عيسى، وفي موازاة هذا الانتشار كانت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) تنشر أخبارًا عن دخول النظام إلى مدن منبج والرقة والطبقة، إلا أن مصادر نفت لعنب بلدي حينها صحة هذه الأخبار.
وفي هذا الإطار، اعتبر المتحدث باسم “الجيش الوطني”، الرائد يوسف حمود، في حديث لعنب بلدي، في 20 من تشرين الأول الماضي، أن “ما تنشره وسائل إعلام النظام هو جزء من مسرحية تم الاتفاق عليها بين الوحدات والنظام السوري لرفع علم الأخير في منبج، بعد ارتداء عناصر الوحدات لباس قوات النظام”.
قواعد بيد روسيا
وفي ضوء الاستثمار الروسي في شرق الفرات، دخلت روسيا قواعد أمريكية أُخليت في شمال شرقي سوريا، كقاعدة “السعدية” في منبج و”خراب عشق” في عين العرب بريف حلب و”قصر يلدا” بريف الحسكة.
ولعل من أهم المكاسب التي حققتها روسيا، بحسب مراقبين، في شرق الفرات هو ازدياد نشاطها في مطار القامشلي، وسط حديث عن نية موسكو جعله قاعدة عسكرية لها في المنطقة.
وما يعزز هذه النية، هو ما جرى في 14 من تشرين الثاني الماضي، حين نقلت روسيا منظومات من الدفاع الجوي وطائرات حربية من قاعدة حميميم العسكرية في ريف اللاذقية إلى مطار القامشلي في الحسكة.
جاء ذلك، بعد أن وصلت ثلاث طائرات هليكوبتر تابعة للقوات الجوية الروسية، واحدة من طراز “Mi-8” واثنتان من طائرات “Mi-35″، إلى مطار القامشلي، بحسب ما نقلته وكالة “tvzvezda” الروسية.
وأكد رئيس مكتب قائد الطيران الجوي، تيمور خوداييف، حينها، نقل منظومة من الدفاع الجوي من طراز “بانتسير” إلى مطار القامشلي، بهدف حماية الطائرات من الأرض، إضافة إلى وجود برج مراقبة وأماكن للفحص الطبي للطيارين.
دوريات مشتركة
ينص الاتفاق الذي وُقّع في 22 من تشرين الأول الماضي، بين الرئيس التركي ونظيره الروسي، بشأن إيقاف معركة نبع السلام، على عدة بنود من بينها، سحب كل القوات الكردية من الشريط الحدودي لسوريا بشكل كامل، بعمق 30 كيلومترًا، إضافة إلى سحب أسلحتها من منبج وتل رفعت.
بالإضافة إلى تسيير دوريات تركية- روسية بعمق عشرة كيلومترات على طول الحدود، باستثناء القامشلي، مع الإبقاء على الوضع ما بين مدينتي تل أبيض ورأس العين.
ويعزز بند الدوريات المشتركة الوجود الروسي أكثر في منطقة شرق الفرات، حيث باتت روسيا ترسل بين الحين والآخر قوات ومعدات إضافية إلى هناك، ما زاد في حجم قوتها وانتشارها، وهو ما أكدته وزارة الدفاع الروسية التي قالت، في 23 من تشرين الأول الماضي، إن قوافل من شرطتها العسكرية وصلت إلى عين العرب لإطلاق دوريات مشتركة مع الجيش السوري.
وفي ذات السياق، قال المتحدث باسم قيادة مجموعة القوات الروسية في سوريا، اللواء إيغور سيريتسكي، إن موسكو ستنشئ قاعدة لها في مدينة عين العرب شمال شرقي سوريا.
ميليشيا محلية
تُدلل التحركات الروسية في شرق الفرات على إصرارها على التوسع أكثر في المنطقة، ويبدو أن موسكو لم تكتفِ بالقواعد الأمريكية التي دخلتها عقب خروج واشنطن منها، بالإضافة إلى سيطرتها على سدود نهرية وتحكمها بالطاقة الكهربائية في المنطقة.
ولتكريس هذا الوجود، شرعت روسيا مؤخرًا بتشكيل ميليشيا محلية من أبناء مناطق في ريف الحسكة لمساعدتها على إحكام قبضتها على المنطقة، وفق مصادر محلية تحدثت لعنب بلدي (طلبت عدم ذكر اسمها لأسباب امنية).
وأشارت المصادر إلى أن المشروع الروسي يستهدف الآن بلدتي تل تمر وعامودا.
في ذات السياق، أوضحت وكالة “الأناضول” التركية، أن المرحلة الأولى من المشروع الروسي تتضمن تجنيد 400 شاب، مشيرة إلى أن “وحدات حماية الشعب” (الكردية) هي التي ستتولى تدريب الشباب على مختلف أنواع الأسلحة بإشراف روسي.
وذكرت الوكالة أن مهمة الميليشيا ستكون مبدئيًا حماية القواعد والنقاط العسكرية الروسية ومرافقتها خلال التجول في المنطقة.
وأشارت “الأناضول” إلى بدء روسيا بتوسيع نقطتيها العسكريتين في تل تمر وعامودا، عبر إرسال عربات مصفحة ومروحيات إسعاف، وتوقعت الوكالة أن تصل العشرات من البيوت المسبقة الصنع إلى النقطتين.
–