عنب بلدي – نينار خليفة
على كرسيها المتحرك، شاركت اللاجئة السورية نوجين مصطفى في “المنتدى العالمي الأول للاجئين” بجنيف، بمناسبة اليوم الدولي للمهاجرين، الذي يوافق 18 من كانون الأول، وتحدثت عن تجربتها محاولة إيصال صوت اللاجئين من ذوي الإعاقة وجعل تجربتهم كلاجئين أسهل وأفضل مما سبق.
ومنذ وصولها إلى ألمانيا في أواخر عام 2015، وهي في الـ15 من عمرها، بعد رحلة شاقة تجاوزت الـ5600 كيلومتر قطعتها على كرسيها المتحرك بسبب إصابتها بالشلل الدماغي، شاركت نوجين ابنة مدينة كوباني (عين العرب) السورية، بالعديد من المؤتمرات الرفيعة المستوى حول اللاجئين، وفي لقاءات تلفزيونية على شاشات عالمية، كما نالت عددًا من الجوائز، وتحولت قصتها إلى كتاب نُشر بـ13 لغة عالمية، واختيرت ضمن قائمة الهيئة العامة للإذاعة البريطانية (BBC) لأكثر 100 امرأة تأثيرًا وإلهامًا حول العالم لعام 2018.
تُشير الإحصائيات الأممية إلى ارتفاع غير مسبوق في أعداد الأشخاص الذين يغادرون أوطانهم باحثين عن بداية جديدة وحياة تنسيهم مرارة العيش، سواء كان المرء مجبرًا على ترك بلده الذي يعاني من الحروب والأزمات أو اختار تحسين وضعه العلمي أو الاجتماعي، وفي كل يوم يتخذ أشخاص من جميع أنحاء العالم أحد أصعب القرارات في حياتهم، مع كل ما يلزم ذلك القرار من شجاعة.
ورغم كل الصعوبات التي تتبع قرارهم، تبرز كثير من قصص النجاح والاندماج للاجئين حققوا أحلامهم وأثبتوا جدارتهم، فضلًا عن الانعكاسات الإيجابية الكبيرة للهجرة على الدول المستضيفة، ومن هنا احتفت منظمة الأمم المتحدة في اليوم الدولي للمهاجرين هذا العام، تحت شعار “نحن معًا”.
اليوم الدولي للمهاجرين
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 18 من كانون الأول يومًا دوليًا للمهاجرين، منذ 4 من كانون الأول عام 2000، وذلك بعد الأخذ بعين الاعتبار الأعداد الكبيرة والمتزايدة للمهاجرين في العالم.
وفي مثل هذا اليوم، اعتمدت الجمعية العامة الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
نوجين: حياة جديدة
تروي نوجين لعنب بلدي كيف تغيرت حياتها مع وصولها إلى ألمانيا، وهو ما كان بمثابة ولادة جديدة لها، وتقول، “التغيير كان جذريًا، امتلكتُ كثيرًا من الأساسيات التي كانت مفقودة في سوريا، مثل القدرة على التعلم والاستقلالية بشكل أكبر، إذ تختلف ألمانيا بشكل كبير من حيث البنية التحتية وجاهزيتها لذوي الإعاقة، كما أن تقبّل المجتمع لفكرة الإعاقة كان شيئًا مفروغًا منه في ألمانيا، ولا يوجد ما هو غريب بأن يتولى شخص من ذوي الإعاقة مناصب أو مراكز مؤثرة بالبلد رغم إعاقته، وكان هذا الشيء من أكبر الإيجابيات بالنسبة لي”.
وأشارت نوجين إلى أنها من خلال كتابها الذي أصدرته أواخر عام 2016 تحت عنوان “فتاة من حلب”، بالشراكة مع الكاتبة البريطانية كريستينا لامب، حاولت إيصال معاناة اللاجئين للعالم، وتغيير رؤية الآخرين عنهم، لكي يتمكنوا من “التماس الإنسان” من وراء التقارير التي يشاهدونها في الأخبار والإحصائيات الرقمية.
وقد أسهمت ترجمة الكتاب في إيصال صوت ضحايا الحرب السورية، وأزمة اللجوء حول العالم، لأكبر عدد ممكن من الأشخاص، بحسب نوجين، إلى جانب تشكيله فرصة للتعبير عن الأجزاء المختلفة من هويتها كفتاة سورية، كردية، من ذوي الإعاقة.
ولفتت نوجين إلى التأثير الإيجابي الذي يمكن أن يتركه اللاجئون في المجتمعات التي استضافتهم، وأن يكون لهم دور كبير في تطوير هذه البلدان وإضافة قيمة جديدة إليها، مشيرة إلى أهمية العمل على تغليب الجوانب الإيجابية على السلبية، حتى لا يطغى صوت الذين يحاولون “تخريب هذه اللوحة الجميلة”.
ولا شك أن مسيرة اللجوء ليست سهلة أو وردية، وترى نوجين أن بإمكان اللاجئين الذين قطعوا طرقًا طويلة أن يقوموا بأكثر من ذلك، وألا يستسلموا “ففي داخل كل منهم مقاتل، والأكيد أنه سينتصر”.
وتحلم نوجين أن تواصل مسيرة الدفاع عن حقوق اللاجئين وذوي الإعاقة، وأن يكون لديها تأثير إيجابي على حياتهم، آملة بأن يتحقق السلام حول العالم.
قصة نوجين هي واحدة من قصص كثيرة للاجئين ملهمين أثبتوا، حين أُتيحت لهم فرصة إعادة بناء حياتهم من جديد في البلدان المضيفة، إبداعهم وتأثيرهم في مختلف مجالات الفنون والعلوم والتكنولوجيا والأدب والسياسة.
مستويات غير مسبوقة لأعداد المهاجرين والسوريون في المقدمة
تُشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى وصول عدد المهاجرين الدوليين إلى ما يزيد على 272 مليونًا في عام 2019، وهو معدل يفوق سرعة نمو تعداد سكان العالم، بحسب بيانات جديدة أصدرتها إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالمنظمة.
وتعد سوريا أكبر بلد مصدر للاجئين حول العالم، إذ يتجاوز عدد اللاجئين السوريين الستة ملايين لاجئ، وفقًا لإحصائيات “منظمة الهجرة الدولية” في تقريرها عن الهجرة الدولية لعام 2020 الذي أصدرته في 27 من تشرين الثاني الماضي، وتلي سوريا، أفغانستان مع نحو 2.5 مليون لاجئ.
كما يوجد في سوريا أعلى عدد من النازحين داخليًا، وفقًا لذات التقرير، إذ بلغ 6.1 مليون نازح، تليها كولومبيا بـ5.8 مليون نازح، وجمهورية الكونغو الديمقراطية بـ3.1 مليون نازح.
وسلط التقرير الضوء على الدور الذي لعبه العنف والنزاعات في سوريا واليمن وجنوب السودان وميانمار والكونغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى، بزيادة معدلات النزوح الداخلي خلال العامين الماضيين.
فقد اضطر نحو 41.3 مليون شخص إلى الفرار من منازلهم في نهاية عام 2018، وفقًا لمركز مراقبة النزوح الداخلي التابع للمنظمة الدولية للهجرة، وهو ما يشكل رقمًا قياسيًا منذ بدء الرصد في عام 1998.
أكثر الدول التي يقصدها المهاجرون
لا تزال الوجهة الأولى للمهاجرين هي الولايات المتحدة الأمريكية، بما يقارب 51 مليون مهاجر، وفقًا لتقرير “منظمة الهجرة الدولية”، الذي بيّن أيضًا أن ما يزيد على نصف المهاجرين الدوليين (141 مليون مهاجر)، يعيشون في أوروبا وأمريكا الشمالية.
كما أشار التقرير إلى ممرات مهمة للهجرة من الدول الأكثر فقرًا إلى دول أكثر ثراء، شملت فرنسا وروسيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وتوقعت المنظمة أن يستمر هذا النمط لسنوات عديدة مقبلة “خاصة أنه من المتوقع أن يزداد عدد السكان في بعض المناطق دون الإقليمية النامية في العقود المقبلة، ما يضع ضغوط الهجرة على الأجيال المقبلة”.
لا غنى عن المهاجرين
تؤكد منظمة الأمم المتحدة الدور الذي يلعبه المهاجرون في تنمية الاقتصاد العالمي، وعلى عكس ما قد يعتقده البعض، تؤكد الدراسات أن المهاجرين يسهمون في رفع مستويات النمو والابتكار، وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في كل من بلدان اللجوء وبلدانهم الأصلية.
وتُشبّه الأمم المتحدة معظم الدول الغربية بـ”القنبلة الموقوتة” لما تشهده من زيادة في عدد المسنين وانخفاض معدلات المواليد، وهو ما يجعلها بحاجة للاعتماد على المهاجرين لدفع النمو الاقتصادي والحفاظ عليه.
وستستفيد الدول المضيفة من الطاقة الهائلة والاندفاع والحماسة المترافقة مع مساعي بناء الحياة الجديدة التي يجلبها اللاجئون معهم، ومن التنوع الذي سيضفيه القادمون الجدد على حياة السكان المحليين وهو ما سيكسبهم مزيدًا من المرونة.
وفي هذا الصدد أكدت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة “سيتي” ومعهد “أوكسفورد مارتن” وحملت عنوان “الهجرة والاقتصاد.. الحقائق الاقتصادية والتأثير الاجتماعي والاختيارات السياسية”، أن الاقتصادات الكبرى في “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية” ربما كانت ستخسر المليارات خلال الأعوام الماضية لو لم تكن هناك إسهامات من المهاجرين الذين رفعوا مستوى النمو الاقتصادي والابتكار والإنتاجية وأسهموا في إنشاء الشركات.
وللمرة الأولى، تعترف “خطة التنمية المستدامة لعام 2030” بإسهام الهجرة في التنمية المستدامة، ومن بين أهدافها الـ17 يوجد 11 هدفًا لمؤشرات ذات صلة بالهجرة، ويتمحور المبدأ الأساسي لجدول أعمال التنمية على ضرورة “عدم التخلي عن أحد” بمن في ذلك المهاجرون.
اللاجئ
يُعَرَّف اللاجئ وفقًا لاتفاقية عام 1951 بشأن اللاجئين، بأنه كل شخص “يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تخوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، وأصبح بسبب ذلك التخوف يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك”.
طالب اللجوءهو الشخص الذي غادر بلده سعيًا وراء الحصول على الحماية من الاضطهاد، ولم تتم بعد معالجة طلبه من أجل الحصول على مكان آمن للعيش فيه، وهو ينتظر البت بشأن طلبه للجوء، ليتم الاعتراف به كلاجئ رسميًا.
المهاجر
رغم أنه لا يوجد تعريف متفق عليه قانونًا، تعرّف الأمم المتحدة المهاجر على أنه “شخص أقام في دولة أجنبية لأكثر من سنة بغض النظر عن الأسباب سواء كانت طوعية أو بالإكراه، وبغض النظر عن الوسيلة المستخدمة للهجرة سواء كانت نظامية أو غير نظامية”.
المصدر: منظمة الأمم المتحدة