نبيل محمد
رفوف مكتبة تتضمن مجموعة أقراص “DVD” لكنها “أوريجينال”، وشاشات عرض متوسطة الحجم والدقة، لكل منها سماعات، متدلية على المكاتب الصغيرة الشبيهة بمقاعد مقاهي الإنترنت (متوسطة الجودة)، تشكل مجتمعة المكتبة الوطنية للسينما، تلك المكتبة التي احتفت وزارة الثقافة والمديرية العامة للسينما بإنشائها مؤخرًا، لتكون قبلة طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية “لا السينمائية” فلا وجود لمؤسسة تعليمية تدرّس السينما كما هو معروف في سوريا. تلك هي المعجزة الفنية الجديدة التي ملأت صورها “دون خجل” المواقع والصحف ووكالات الأنباء السورية، احتفاء بمنجز المؤسسة الثقافية السورية في عام 2019، بملامح سريالية تشي بمستوى الفقر الفني الثقافي، والتخلف الحضاري النادر الوجود على وجه البسيطة في القرن الواحد والعشرين.
“سينماتك” المكتبة التي بُدئ العمل فيها، والتي لم تشهد حتى تاريخه إقبالًا يذكر لا من طلاب المعهد ولا من المهتمين بالسينما السورية، كما هو متوقع حتى من قبل المحتفلين بافتتاح المكتبة، والمشرفين عليها، يكفي فقط حفل الافتتاح للقول إن إمكانيات تكنولوجية ضخمة وُظّفت في المكتبة، تلك الإمكانيات التي لم تتحدث عن تفاصيلها أي من الوسائل الإعلامية التي غطت هذا الافتتاح، هل هي الشاشات أم السماعات أم نسخ الأفلام “الأورجينال”، التي لا بد أنها ستصدأ بعد عدة استعمالات لكل قرص، أم هي ما تتضمنه الذواكر الإلكترونية التي من المفترض أنها ملحقة بمكونات المكتبة، فهي مجرد نقل لتلك الملفات من أرشيف مؤسسة السينما إلى العلن، بعد ضوابط أمنية لن تسمح بحضور مجمل المنتج السينمائي السوري، أو مجمل ما يتضمنه أرشيف المؤسسة العامة للسينما في أروقة المكتبة إن كانت هناك أروقة أصلًا.
لا بد من القول إن افتتاح هذه المكتبة هو مؤشر حقيقي وشاهد لا مجال لدحض شهادته عن ذلك الفن الذي دفن في سوريا بمجرد وصول البعث إلى لسلطة والسيطرة الأمنية الكاملة على هذه الصناعة التي كانت منتجاتها تقتصر على فيلمين إلى ثلاثة، وأحيانًا فيلم واحد في السنة. هذا القطاع الفقير الفاشل باعتراف أغلبية العاملين فيه على مدار سنوات طويلة، قدم للثقافة السورية مجموعة شرائط كانت حبيسة أرشيف المؤسسة، كما قدم لها أيضًا وزيرًا خرج من المؤسسة المعدمة إلى الوزارة، ليكون منجزه في القطاع الذي من المفترض أنه عشقه على مدار السنوات الطويلة التي عمل خلالها كمدير للمؤسسة لا ينافسه أحد على منصبه، هو مكتبة سينمائية، كسرت القوالب واخترقت المحظور بأن نقلت ما شاءت المؤسسة الأمنية من الأرشيف إلى العلن، الأرشيف الذي توفر منصات التواصل الاجتماعي وأبرزها “يوتيوب” الجزء الأهم منه، لكن الميزه في المكتبة أن دقة الأفلام أعلى من “يوتيوب”، هذا ما قاله حرفيًا مدير المؤسسة العامة للسينما، مراد شاهين، الذي كان على الدولة السورية تعيينه على مضض، فلا يمكن لمحمد الأحمد أن يتولى منصبين، وزيرًا للثقافة ومديرًا للمؤسسة العامة للسينما معًا.
سؤال طالما وُجّه عبر 16 عامًا من إدارة الأحمد لمؤسسة السينما، لماذا لا يخرج أرشيف المؤسسة إلى العلن؟ وجوابه كان مكررًا في كل مرة “بسبب العقوبات التي تستهدف سوريا”، العقوبات تلك وفق الأحمد كانت حرمان المؤسسة من أجهزة معينة، تتيح لهذا الأرشيف العرض المباشر في المكتبات. جواب سريالي لا يشبه بغموضه وضوحَ المكتبة اليوم، فهي منجز جديد يستحق الوقوف عنده بالفعل، حُجرة صغيرة تتضمن رفوفًا غير مليئة تمامًا بالأقراص، وشاشات ستهلك تباعًا بسبب انقطاع الكهرباء وسوء الاستخدام، وربما سرقة المحتويات. تتضمن أرشيف بلد كامل من الفن البصري الأكثر تأثيرًا عبر التاريخ، في مرحلة بات فيها حضور الفيلم السينمائي مفتوحًا على مواقع التواصل ومواقع شركات الإنتاج والاتجار الفني، وعبر “تورنت” لما هو غير متوفر في المنصات المفتوحة. ولعل للشاشات المنزلية دقة أعلى، وأيادي تمسح عنها الغبار يوميًا وتعتني بها، تجنّبها مستقبل “سينماتك” سوريا، الذي يعرفه مدير المكتبة ومدير المؤسسة العامة للسينما ووزير الثقافة، ولعل إيمانهم بهذا المستقبل جنَّبهم صرف المزيد من الأموال على المكتبة، حيث لا ضرورة لمسح الغبار والاعتناء بشاشاتها إلا عند افتتاحها، تمامًا مثل صالات السينما السورية العامة، التي حاربت النمطية مرارًا بتكرار حفلات افتتاحها. نعم هناك صالات سينما عامة في سوريا أجري لها حفل افتتاح مرتين، لتحدّي الملل لا أكثر.