بقلم: أسامة آغي
تتغير معطيات كثيرة في مجريات الصراع السوري، ولا يتغير أداء وفعل المعارضة السورية الرسمية، وهذا يكشف عن أحد أمرين وهما، إما أن تكون المعارضة السورية الرسمية المتمثلة بمؤسسة ائتلاف قوى المعارضة والثورة وبهيئة المفاوضات، هي تمثيل لا يعبّر بعمق عن مصلحة الثورة السورية ومطلبها الرئيس، وهو الانتقال السياسي من نظام الدولة الاستبدادية إلى نظام الدولة الديمقراطية، وهذا يوضح كيفية تشكيل بنية هذه المؤسسات، والحضور الإقليمي في تكوينها، وبالتالي يشكّل هذه التكوين بصيغته الحالية عائقًا أمام اتخاذ مبادرات سياسية وطنية فاعلة، تخدم أهداف السوريين، الذين ثاروا ضد نظام الاستبداد.
وإما أن تكون هذه المؤسسات بعيدة عن قدرة رسم مستقبل نضالات السوريين في الوصول بالشعب السوري إلى ضفاف حريته وكرامته، وبناء دولته الديمقراطية، نتيجة عجزها السياسي المتعلق برؤيتها للصراع واتجاهاته، ورهانها على حل سياسي، يأتي بفعل قرارات دولية، دون أن تسعى هذه المعارضة إلى تحويل هذه القرارات إلى قوة دفع سياسي دولية.
هذه الحال، تكشف عن أن لا ثابت في واقع الصراع السوري، فهو يخضع لفعل عناصر كثيرة، تؤثر في مساره واتجاهاته، وهذا يتضح من درجة انخراط قوى إقليمية ودوليه فيه، ولعل الأهم في هذا السياق، هو قدرة المعارضة الرسمية السورية على التقاط التغيرات المستمرة في بنية هذا الصراع، والتي تغير باستمرار من اتجاهاته.
والسؤال: هل ذهبت المعارضة السورية الرسمية إلى التعامل بجدية مع التبدلات الجارية على صعيد المواقف المتغيرة للأطراف المنخرطة بالصراع السوري؟
نعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى بيان الواقع، وما فعلته المعارضة حياله، فلو نظرنا إلى تغيرات الموقف الأمريكي، لوجدنا أن هذا الموقف المبني على استراتيجية مشوشة أمريكيًا، ينوس بين حدين يبدوان متناقضين، الحد الأول هو انسحاب الأمريكيين من سوريا، وما يترتب على هذا الانسحاب من تداعيات على مشهد الصراع. والحد الثاني هو قانون “سيزر” الذي وقعه الرئيس الأمريكي مع توقيعه على الموازنة العسكرية الأمريكية لعام 2020.
فهل عملت المعارضة على الاستفادة من هذه التغيرات في الموقف الأمريكي؟ لا نعتقد بوجود أي إجراء سياسي ملموس ترافق مع هذا التغير، وهذا يكشف أن ملف الصراع السوري لم يعد منذ زمن بعيد بيد هذه المعارضة، وهذا يتطلب إعادة النظر بترتيب البيت الداخلي للثورة السورية وقواها، ويتطلب وضع رؤية سياسية ذات بعد تكتيكي واستراتيجي جديدين، يلحظان التغيرات ويتفاعلان معها.
ولكن يبدو أن المعارضة الرسمية، المتمثلة بمؤسسة ائتلاف قوى المعارضة والثورة، وكذلك بهيئة المفاوضات، لا تزال قيد مربعها المرتبط بفعالية المجتمع الدولي، الذي اشتق قراره 2254 دون أن يضعه قيد التنفيذ الجدي، وهذا يتطلب إعادة النظر بتكوين وبنية هذه المعارضة، بحيث تحوز على استقلالية قرارها الوطني، بعيدًا عن هيمنة القوى الإقليمية والدولية، التي تدفع بهذه المعارضة إلى مواقف لا تخدم المصلحة الاستراتيجية للسوريين، الذين يريدون تغيير بنية النظام الحاكم، واستبدال نظام حكم آخر به أكثر قدرة على احترام حقوق المواطنة، واحترام حقوق الإنسان.
إن التغيير المطلوب يتعلق بتغيير القواعد الناظمة لعمل المعارضة الرسمية، ويمكن فعل ذلك من خلال توسيع قاعدة التمثيل الشعبية، أي أن تنفتح المعارضة الرسمية على القوى السياسية وقوى المجتمع المدني، وهذا يمكن الوصول إليه من خلال عقد مؤتمر وطني سوري شامل وجامع، هذا المؤتمر ليس مؤتمر قوى وأحزاب محددة، بل هو إطار وطني فاعل، يلعب دور المرجعية الوطنية، التي تمنع مؤسسات المعارضة عن القيام بأي خطوة تشكّل تفريطًا بهدف الثورة السورية، المتمثل بضرورة الانتقال السياسي من صيغة الاستبداد إلى صيغة ديمقراطية.
إن امتناع مؤسسات المعارضة الرسمية عن المبادرة بخطوة المؤتمر الوطني الشامل، يعني إصرار هذه المؤسسات على المحافظة على مربع تمثيلها الضيق للسوريين، وهو يعني بقاء ظهر هذه المؤسسات مكشوفًا ودون حماية أمام المتربصين بالثورة السورية، وبحقوق الشعب السوري المشروعة.
إن عقد مؤتمر وطني شامل، تشكّل مخرجاته قاعدة عمل للمعارضة، سيدفع القوى الدولية المنخرطة في الصراع السوري، إلى التعامل مع المعارضة السورية الموحدة، بطريقة مختلفة عما سبق، وسيمنح للمعارضة قوة حقيقية، بأنها لا تستطيع التنازل عن جوهر مطالب الشعب السوري، لأن هذه المطالب، تشكل قاعدة انتظام السوريين عبر مؤتمرهم الوطني.
عقد مؤتمر وطني سوري شامل سيعيد إنتاج الحراك الثوري السوري، وهذا سيلعب دورًا كبيرًا في رفع صوت هذا الحراك، ليغدو مسموعًا في آذان صانعي السياسة الدولية. كما أنه سيضخ دماءً جديدة في بنى قيادات مؤسسات المعارضة، ما يمنحها دينامية جديدة ومختلفة، وقدرة على التعامل مع تغيرات الصراع ومتطلباته السياسية المتجددة.
فهل نتوقع خطوات كهذه، وتحديدًا مع إقرار الإدارة الأمريكية قانون “سيزر”؟ وهل ستحوّل المعارضة الرسمية هذا القرار إلى منصة تفاعل وطني جديد، يغير من شروط اللعبة السياسية، التي عمل النظام وحلفاؤه على إفراغها من محتواها الحقيقي، المبني على تنفيذ محتوى القرار الدولي 2254.
إن عقد مثل هذا المؤتمر، فيما لو تمّ عقده، سيعيد ترتيب الأولويات الوطنية، لدى مجموع قوى المعارضة المتحدة حوله. أما إذا تجاهلت المعارضة الرسمية مثل هذا الاستحقاق الوطني، فهي كأنها تدعو إلى إيجاد بديل وطني عنها، لا يقبل بهيمنة الأجندات الإقليمية أو الدولية عليه.
فهل تخطو المعارضة الرسمية خطوة بهذا الاتجاه؟ أم سنتوقع حدوث حالة حراك جديد، تتلاءم مع مستجدات الصراع وتغيراته، وتأتي تلبية لضرورات تغيير قواعد لعبة الصراع في سوريا وعليها، بما يخدم استقلال القرار الوطني السوري ومصلحة الشعب السوري ووحدة أرضه ومكوناته الوطنية.