كله عند العرب صابون

  • 2019/12/22
  • 12:00 ص
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

يمتلك “أبو عبد الوهاب” أسلوبًا مميزًا في عرض أفكاره التي يختلط عباسُها بدباسها، ويستبسل في محاولاته إقناع الآخرين بها. يقدم لنا، في بعض الأحيان، وجهات نظر متضاربة، ويصر على أنها منطقية وممكنة الحدوث، فإذا اعترض عليه أحد، يقول له: أخي، صدقني بتصير، خذ مني وكُبّ في البحر، لا تنس نحن عرب، وكله عند العرب صابون.

قبل أيام كان متكئًا على جانبه الأيسر، وقد طوى ساقيه ومدهما إلى الوراء، وفي يده كأس من الشاي الثقيل المحلى بثلاث ملاعق كبيرة من السكر. شفط من الكأس بطريقة “مشفترة”، وأتبع الشفطة بصوت أصدره من جوف حنجرته آح ح ح، وراح يغني يا صبابين الشاي زيدوا حلاتُه، اللي ما يحب الكيف لشو حياته؟ ثم توقف، ومسح زوايا فمه بأصابعه وقال:

– إذا انتصرت الثورة السورية، وخلصنا من الحقيرين أولاد الحقيرين بيت الأسد والحثالات التي تدور في فلكهم، يجدر بالشعب السوري أن يصحو من غفلته التاريخية، ويتعلم فن السياسة.

وقبل أن يعلق أحدٌ منا على عبارته سارع يقول: الشعب، بحسب ما كنا نسمع، يريد إسقاط النظام. طيب. هل تخيلت عملية السقوط؟ وحجم الجسم الساقط؟ إذا كان في داخله أشياء نافعة، فسوف تتكسر، ولا يمكن الاستفادة منها، وإذا كانت وسخة “وَخم” فإن سقوطها سيجعلها تنطرش، وتوسخ المكان، وتملأ الفضاء بروائح كريهة. الجلوس، بحسب تعاليم الأطباء، يجب أن يكون على هيئة زاوية قائمة، لئلا يتضرر العمود الفقري والنخاع الشوكي والمفاصل، أما نحن فنتربع، أو نقرفص، أو نتكئ بجذع مائل، ونشرب الشاي الثقيل الذي يسبب الأرق والإمساك، ونُكثر من السكر، هو أحد الأبيضين اللذين يضران بالجسم وبالغدد، ثم ما علاقة الشاي المحلى بالكيف؟ الشاي شاي، لا هو ويسكي ولا هو شمبانيا، والأطباء يقولون لا تشرب الشاي قبل مرور ساعتين من تناول الطعام، ونحن نشربه بعد الطعام مباشرة.. أنا ذات مرة كنت جالسًا في مقهى القصر بحلب، وجاء بائع الجرائد يصيح: تعا تفرج عَ الرجل اللي قتل امرأته لأنها أَخَّرِتْ له الشاي (بالحلبي: جَاي)، وكان الخبر يومها منشورًا في صحيفة البعث، والناس كانوا يشترون “البعث” ليعرفوا كيف يكون الشاي موجبًا لقتل الزوجة، وليس من أجل خطاب عبد الله الأحمر أو صورة حافظ الأسد وهو يستقبل خالد الفاهوم.. قتل المرأة عندنا، يا شباب، يأتي في هامش الأخبار، وليس في متنها، أنا قريت قصة عن واحد قتل امرأته بالفأس قبل ذهابه إلى العمل، وعندما مثل أمام القاضي قال له: الله وكيلك يا سيدنا، محسوبك، من يوم أن تزوجت هذه الحرمة، وكل يوم أقتلها بالفأس، ولكن ولا مرة قبل هذه المرة ماتت! أتمنى، وأنا أخوكم أبو عبد الوهاب، أن يصحو الشعب السوري لنفسه، ويتعلم رسم خارطة وطنه، وعَلَم بلاده، ونشيدها الوطني، ويقدر المرأة السورية حق قدرها، ويحكي بتداول السلطة سلميًا، ويسمي الأشياء بأسمائها، ويستخدم الصابون لنظافة جسمه، وليس من أجل أن يُمعن في الخلط والخرط والقول بأنه (كله عند العرب صابون)!

مقالات متعلقة

  1. عودة الحشاشين إلى صباهم
  2. نبارك لكم بانتهاء الحرب
  3. أنا ذكي.. أمي خط أحمر
  4. شكرًا لمقتلك يا لونا الشبل

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي