سيوماس ميلين – الغارديان
الأربعاء، 3 6 2015
“الحرب على الإرهاب”، تلك الحملة التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، قبل 14 عامًا لم تنته حتى الآن بل تقيّد نفسها بالمزيد من “التشوهات” أكثر من أي وقت مضى.
فقدت إحدى المحاكم في لندن، والتي جرت فيها محاكمة لرجل سويدي متهم بالإرهاب في سوريا الاثنين الماضي (1 حزيران)، مصداقيتها بعد أن تبين أن الاستخبارات البريطانية كانت تُسلح مجموعات المعارضة ذاتها التي اتُهم المدعى عليه بدعمها.
وتخلت المحكمة عن الإدعاء في القضية لتجنب إحراج أجهزة الاستخبارات على ما يبدو، إذ قال قاضي الدفاع إن المضي قدمًا في المحاكمة كان يمكن أن يكون “إهانة للعدالة”، في الوقت الذي تملك المحكمة الكثير من الأدلة على تورط الدولة البريطانية بتقديم “دعم كبير” للمعارضة السورية المسلحة.
ولم يشمل الدعم “المساعدات غير الفتاكة” فحسب، بل تفاخرت الحكومة بإمدادها المعارضة بالدروع والآليات العسكرية، فضلًا عن التدريب والدعم اللوجستي والإمداد السري بالأسلحة “على نطاق واسع”.
وأشارت تقارير إلى أن إحدى المنظمات السرية تعاونت مع وكالة المخابرات المركزية في نقل الأسلحة من المخزونات الليبية إلى قوات المعارضة السورية عام 2012، أي بعد سقوط القذافي.
وزاد بشكل واضح اعتقال وسجن الأشخاص بشكل عبثي وأكثر من اللازم، ولكن هذه القضية ليست سوى أحدث نسخة من سلسلة مشابهة لهذه الحالات.
وكان سائق سيارة الأجرة في لندن، أنيس سردار، حكم بالسجن مدى الحياة في وقت سابق لمشاركته عام 2007 في المقاومة التي تصدت للقوات الأمريكية والبريطانية خلال احتلال العراق.
ولا تندرج مصحلحات المعارضة المسلحة والغزو والاحتلال غير الشرعي تحت صفة الإرهاب بأي تعريف له، بما في ذلك اتفاقية جنيف.
الشرق الأوسط “بؤرة” للإرهاب
ويبدو الإرهاب في الوقت الحالي جليًا في عين الناظر، وليس هناك مكان أكثر من الشرق الأوسط حيث يزداد عدد الإرهابيين والمقاتلين ضد الطغاة وحلفائهم، في ظل نزوة محيرة لصانعي القرار من دول الغرب.
على مدى العام الماضي عادت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والقوى الغربية الأخرى للتدخل في العراق بحجة القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف سابقًا بـ “تنظيم القاعدة في العراق”، وذلك بعد تمدده داخل مساحات واسعة من الأراضي العراقية والسورية وإعلانه “الخلافة الإسلامية”.
ولاتسير هذه الحملة على ما يرام، ففي الشهر الماضي تزايد توسع التنظيم بسيطرته على مدينة الرمادي العراقية، وعلى مدينة تدمر في الجانب الآخر داخل سوريا، بينما أحرزت جبهة النصرة – ممثل تنظيم القاعدة الرسمي – مكاسب عديدة في سوريا.
ويشكو بعض العراقيين بأن الولايات المتحدة الأمريكية تجلس دون عناء في ظل كل ما يحدث، بينما يصر الأمريكيون على أنهم يحاولون تجنب سقوط الضحايا من المدنيين ويستمرون بالسعي إلى تحقيق نجاحات كبيرة.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم لا يريدون أن ينظر إلى بلادهم على أنها تستهدف “المعاقل السنية” خلال “الحرب الطائفية” هناك، وبالتالي مواجهة خطر إغضاب حلفاء السنة في دول الخليج.
الولايات المتحدة أعدت الخطة ودول الخليج نفّذتها
كل ما تحدثنا عنه سلط عليه الضوء عبر تقارير سرية للاستخبارات الأميريكية كشفت حديثًا، وكتبت في آب 2012، وشملت على احتمال وجود “إمارة سلفية” شرق سوريا، والتي حددتها وكالة الاستخبارات الأمريكية بتنظيم القاعدة في العراق (أصبح تنظيم الدولة في العراق والشام)، وبالسلفيين وأسمتهم “القوى الرئيسية التي تقود حركات التمرد في سوريا”.
كما أشارت التقارير السرية إلى أن “الدول الغربية ودول الخليج وتركيا” تدعم جهود المعارضة للسيطرة على المنطقة الشرقية من سوريا.
ويشير تقرير يعمل عليه البنتاغون إلى تزايد إمكانية إنشاء “إمارة سلفية سواء كانت معلنة أو غير معلنة”، مضيفًا أن هذا هو بالضبط ما تريده القوى الداعمة للمعارضة من أجل عزل النظام السوري، الذي يعتبر العمق الاستراتيجي للتوسع الشيعي (العراق وإيران).
ولا يعتبر التقرير وثيقة سياسية، فقد حُجب بشكل سري وكبير وكُتب بلغة غامضة ولكن آثاره كانت واضحة بما فيه الكفاية.
ولا نرى الولايات المتحدة وحلفاءها يدعمون المعارضة المسلحة فقط والمعروف بأن “الجماعات الطائفية المتطرفة” تهيمن عليها، بل أعدوا خطة لخلق “الدولة الإسلامية” وإضعاف سوريا، على الرغم من “الخطر المحدق” على وحدة العراق باعتبارها منطقة عازلة للسنة.
كل ما سبق لا يعني بأن الولايات المتحدة أنشأت “تنظيم الدولة في العراق والشام”، على الرغم من أن بعض حلفائها الخليجيين لعبوا بالتأكيد دورًا في ذلك، وهذا ما اعترف به نائب الرئيس الأمريكي جو بادين، العام الماضي.
“تورط” الولايات المتحدة للحفاظ على الهيمنة الغربية
واستغلت الولايات المتحدة بالتأكيد وجود التنظيم ضد قوى أخرى في المنطقة كجزء من حملة واسعة للحفاظ على الهيمنة الغربية، ولكنها غيرت حساباتها عندما بدأ التنظيم بقطع رؤوس الغربيين ونشر الفظائع على الإنترنت، كما تحولت دول الخليج إلى دعم مجموعات أخرى في الحرب السورية كجبهة النصرة.
ولكن عادة الولايات المتحدة والدول الغربية هو التلاعب بـ “الجماعات الجهادية”، والتي تعود وتلدغهم ، كما حدث خلال الحرب ضد الاتحاد السوفييتي في أفغاسنستان عام 1980، ما عزز من وجود تنظيم القاعدة بوصاية من وكالة المخابرات المركزية.
كل ذلك تغير خلال احتلال العراق عندما رعت القوات الأمريكية بقيادة الجنرال بترايوس حربًا “قذرة” مشابهة للتي حدثت في السلفادور من فرق الموت الطائفية، لإضعاف المقاومة العراقية، وكررت ذلك عام 2011 في حرب حلف شمال الأطلسي داخل ليبيا، في الوقت الذي سيطر فيه “تنظيم الدولة في العراق والشام” على مدينة سرت مسقط رأس القذافي.
“فرّق تسد”
في الواقع تصب السياسة الأميركية والغربية خلال الحريق الهائل الذي اندلع في الشرق الأوسط في القالب التقليدي للسياسة الاستعمارية “فرّق تسد”، حيث تقوم القوات الأميركية بقصف جماعات معارضة بينما تدعم أخرى في سوريا، كما تصعد العمليات العسكرية المشتركة مع إيران ضد تنظيم “الدولة” في العراق، بينما تؤيد الحملة العسكرية السعودية ضد قوات الحوثي المدعومة إيرانيًا في اليمن.
على أي حال، قد يكون الخلط ضمن السياسية الأمريكية في كثير من الأحيان هو النهج المناسب لإضعاف وتقسيم العراق وسوريا.
ومن الواضح أن “تنظيم الدولة في العراق والشام” وباقي “الوحوش” لن يهزموا من قبل نفس القوى التي أدخلتهم إلى العراق وسوريا أو تلك التي بدأت حربًا مفتوحة وسرية ووعززتها خلال السنوات التي تلت ذلك.
لم تجلب التدخلات العسكرية الغربية المستمرة في الشرق الأوسط سوى الدمار والانقسام؛ شعوب المنطقة وحدهم الذين يستطيعون علاج هذا المرض وليس أولئك الذين طوّروا هذا الفيروس.
ترجمة عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الإنكليزية من المصدر اضغط هنا.