عنب بلدي – روزنة
احتشد آلاف المحتجين في الساحات والطرقات، وملأت المطالب والهتافات الحناجر.. مشاهد نسختها معظم العواصم العربية خلال العقد الأخير، إلا أن أحدثها كان في لبنان، الذي احتمل آثار الحرب السورية طوال الأعوام التسعة الماضية.
تصدّر لبنان عناوين الأخبار العالمية بـ”ثورته” التي واكبت ما دُعي بالموجة الثانية لـ”الربيع العربي”، إلا أن خصوصية طبيعته السياسية والاجتماعية ميزته عن دول الجوار، في القالب والمسار، ولم تبعده عن المقارنة مع الحراك السوري وأيامه الأولى.
ما مدى أحقية تلك المقارنات؟ وما أوجه الشبه والاختلاف؟ ناقش برنامج “صدى الشارع“، المذاع عبر راديو “روزنة”، تلك التساؤلات مع محللين ومتابعين، محاولًا إيضاح العلاقة وآثارها.
إلى الشارع.. ضد الظلم والمحاصصة
انطلقت شرارة الاحتجاجات اللبنانية بعد إعلان الحكومة اللبنانية، بقيادة رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري، فرض ضريبة على استخدام برنامج التواصل الاجتماعي المجاني “واتساب”، منتصف تشرين الأول الماضي، ليملأ المتظاهرون الساحات، في 17 من تشرين الأول الماضي، ويصبح شعارهم الأول ضد “الفساد”، ورحيل كل “منظومة الحكم” وما يسمى “الميثاقية الطائفية” للمحاصصة.
يرى الكاتب والصحفي السوري زياد المنجد، أن منطلقات المظاهرات اللبنانية ماثلت منطلقات سابقتها السورية فكلتاهما قامتا ضد الديكتاتورية والاستبداد، حسبما قال في حديثه لـ “صدى الشارع”، موضحًا “في سوريا هناك نظام ديكتاتوري مستبد جثم على صدر الشعب السوري منذ خمسين عامًا، وفي لبنان هناك ديكتاتورية الأحزاب والطوائف التي نتجت عن اتفاق الطائف وجثمت على صدر الشعب منذ عام 1989”.
إلا أن المحلل السياسي اللبناني والباحث في العلاقات الدولية طارق وهبي، اعتبر أن انطلاقة المظاهرات السورية عام 2011، كانت نتيجة لـ “الربيع العربي”، وينحصر تشابهها مع المظاهرات اللبنانية في “المفهوم الديمقراطي” الذي يسعى الطرفان لتحقيقه في كلا البلدين.
وأشار وهبي إلى أن موضوع المحاصصة السياسية الطائفية في لبنان الذي أنتج القيادات “الفاسدة”، “قديم”، ويعود إلى عام 1920، حين سلخت فرنسا لبنان عن سوريا الطبيعية وقدمت له حكمًا ذاتيًا، “ليكون صورة جديدة للديمقراطية في هذا العالم الموجود في شرق المتوسط”، حسبما قال لـ”صدى الشارع”.
ولكن “قبول” اللبنانيين بالتدخلات الخارجية، من التدخل الإيراني والفرنسي والأمريكي والسوري، وتعاطي الفئات السياسية مع هذه التدخلات على مبدأ “الاستفادة الشخصية”، لا على مبدأ مصلحة لبنان، هو ما أوصل اللبنانيين للمطالبة بتحمل كل الأطراف لمسؤولياتها للوصول إلى المصلحة العامة.
قمع “واضح” وآخر “خفي”
استجاب رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، للمطالبات الشعبية معلنًا استقالته بعد أيام من انتشار الاحتجاجات، بطريقة عاكست نهج القمع المباشر الذي اعتمده النظام السوري في التعامل مع الحراك الشعبي السلمي عام 2011.
وقال زياد المنجد، إن رد النظام السوري كان “واضحًا”، فقد أجرى عدة مؤتمرات “وهمية” من أجل المصالحة ورؤية ومعرفة مطالب المتظاهرين، دون فعل شيء واقعي معتمدًا على الخطة الأمنية، وعندما عجز اعتمد على الدول الخارجية من إيران وروسيا ليمنع الشعب من تحقيق مطالبه.
أما لبنان، حسبما أضاف الكاتب والصحفي السوري، فهو يشهد “مماطلة” وحراكًا سياسيًا “قد لا يقود لشيء” لتحقيق مطالب المتظاهرين، وإن لم يعتمد على القتل و”الإرهاب” لإيقاف المتظاهرين.
وأشار المنجد إلى أنه، وعلى الرغم من “مساحة الحرية” التي يمتلكها اللبنانيون للتعبير عن الرأي، فمن انتقدوا زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، على وسائل التواصل الاجتماعي، تعرضوا لضغوطات دفعتهم للاعتذار، ما يعني، حسب رأيه، أن تلك الحرية “محدودة”، ويتعرض اللبنانيون لـ”القمع”، مع اعتماد “حزب الله” على القمع و”الإرهاب” وتخويف المواطن، “مثل النظام السوري”.
بين الجيشين.. نهج متباين
“شتان بين دور الجيش اللبناني والسوري” حسب تقييم الكاتب والصحفي السوري زياد المنجد، الذي تصدى لبعض من يحاولون قطع الطرق في لبنان، دون اللجوء للتدمير والقصف والقتل والاعتقال، كما فعل الجيش السوري، وحتى مع اختلاف فترة الاحتجاجات، إلا أنه يعتقد أن الجيش اللبناني لن يتصرف مع شعبه بطريقة مماثلة.
وأصدر الجيش اللبناني بيانًا، في نهاية تشرين الأول الماضي، أكد فيه على “حق التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي المصان بموجب أحكام الدستور وبحمى القانون”، وطلب من المتظاهرين فتح الطرق المقفلة “لإعادة الحياة إلى طبيعتها”.
بدوره اعتبر المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية طارق وهبي، المؤسسة العسكرية اللبنانية “الأكثر ثقة” بالنسبة للشعب اللبناني، “لأنه وحتى في الحرب الأهلية عندما انقسم الجيش استطاع أن يعود بقوة ليشكل عمود ما يسمى آلية السلطة”.
ولكن “المشكلة”، حسب تقدير وهبي، هي أن قائد الجيش وعناصره يتبعون لطوائف معينة، ويتعرضون لـ”ضغوط”، لكن عليهم التعاطي بسواسية مع الجميع.
وقال وهبي إن الجيش باعتقاده “حتى هذه اللحظة قادر على أن يكون صاحب الخيار السلمي، وأن يقول للآخرين عليكم أن تلتزموا بالقانون”.
وأما مقاطع الفيديو التي نُشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي بينت اعتداء بعض عناصر الجيش على المتظاهرين، فأشار إليها وهبي قائلًا، إن القضاء العسكري موجود ويستطيع أن يحاكم من يعتدي على المواطنين “دون حق”.
تلاعب دولي وأثر إقليمي.. لبنان ومفتاح الحل “المفقود”
“أين يبدأ الحل؟” هو السؤال الأهم، حسبما يرى المحلل السياسي طارق وهبي، إذ مر لبنان سابقًا بمراحل للحوار ومحاولة الخروج من الأزمات، من مؤتمر “الطائف” عام 1989 إلى اتفاق “الدوحة” عام 2008، واجتمعت الطوائف في فرنسا عام 2007، ولكن تلك الحلول لم تدم.
“علينا أن نساعد أنفسنا وأن نقتنع أن هذا النظام البائس الطائفي لم يعد يصلح ليكون ممرًا حقيقيًا لمستقبل لبنان وغد لبنان الجديد”، يقول وهبي، مضيفًا أن لبنان بحاجة لدعوة “كل رؤساء البلديات وكل ما يسمى بالحلقات الفقرية والثقافية لطرح ما يريدون للبنان الغد”.
ومن جانبه اعتبر الكاتب والصحفي السوري زياد المنجد، أن المسألة اللبنانية “لم تنضج بعد”، لذلك لم تبدأ التدخلات الدولية فيها، إلا أن آثارها انعكست بـ”إضعاف” الموقف الإيراني، الذي عانى من ثورة محلية وأخرى بالعراق والآن في لبنان، وإضعاف وضعه الاقتصادي، “الذي تجلى بتدهور الليرة السورية، نتيجة انحسار الدعم العراقي بأمر إيراني والدعم الإيراني المباشر للنظام السوري”.
ويرى المنجد أن وضع الزعزعة الذي تعانيه المنطقة، في سوريا ولبنان والعراق، لم يحصل إلا خدمة لـ”الكيان الصهيوني”، الذي اعتبره المستفيد الوحيد من حالة التفكك والانقسام والضعف الاقتصادي والفوضى.
وحسبما قال الكاتب السوري فإن هذا الحال لن ينتهي قريبًا، إذ “يبدو أن هنالك إصرارًا دوليًا وبرغبة صهيونية أن يبقى الحال بمنطقتنا كما هو عليه الآن”.
أعدت هذه المادة ضمن اتفاقية التعاون بين صحيفة عنب بلدي وراديو روزنة.
–