إدلب – يوسف غريبي
أسرع عبد الستار سلوم في قيادة سيارة الإسعاف متجهًا إلى سوق معرة النعمان بعد تعرضه للقصف، في 22 من تموز الماضي، وبينما كان يشغل باله ما قد يجده من جرحى وقتلى، نسي أن يفتح قبضة اللاسلكي التي كانت تتوارد إليها التحذيرات من غارة ثانية وشيكة.
يتجاهل المسعفون الغريزة الطبيعية للهرب من الخطر، وهم يفكرون بمن عليهم إنقاذهم، من أطفال ونساء ورجال، وهو ما قد يدفعون ثمنه، ويبرره سلوم لعنب بلدي بأن “أي إنسان معرض لهذا الموقف، فإن تعرضت عائلتك للقصف أو جُرح ابنك أو أخوك فإن أول ما تفكر فيه هو من ينقذهم”.
غرفة العمليات للتنسيق
بدأت منظومة الإسعاف التابعة لمديرية صحة إدلب عملها منذ حزيران عام 2018، بـ50 سيارة موزعة في 16 نقطة، لتقدم خدماتها الإسعافية لمختلف المشافي والمنشآت الصحية، وتعمل على الاستجابة لحاجات الطوارئ عند القصف، مع الاستجابة لطلبات الأهالي المحتاجين لنقل الحالات الإسعافية من المنازل إلى المشافي والمراكز الصحية.
وتمكنت منذ انطلاقها من نقل 60 ألف حالة إسعافية، ضمن بروتوكول علمي معتمد منذ ولادة المنظومة، أغلبها كان لحالات طارئة، حسبما قال رئيس الإحالة والطوارئ في مديرية صحة إدلب، الدكتور مصطفى مناع، لعنب بلدي.
وطرحت المديرية فكرة توحيد عمل منظومات الإسعاف التابعة للمنظمات الإغاثية العاملة في المنطقة، “لتكامل الخدمات الصحية وتوحيد الجهود”، ووقّعت مذكرة تفاهم مع منظمات، مثل “بنفسج” و”شام الإنسانية”، لتتشكل “غرفة العمليات الموحدة” بإدارة وإشراف المديرية، لتقوم بتوجيه حركة سيارات الإسعاف وتمنع التضارب في استجابتها.
وتطلبت إقامة الغرفة تأسيس منظومة اتصال موحدة، تسمح بتواصل منظومات الإسعاف، لذا وضعت سبعة أبراج في مختلف أنحاء محافظة إدلب لتأمين التغطية اللاسلكية لقبضات “الهيترا”.
وأشار مناع إلى أن المديرية تسعى لضم ما تبقى من المنظومات الإسعافية ضمن الغرفة، طارحة فكرة توحيد الجهود مع “الدفاع المدني” لتكون الخدمة “متكاملة” لحالات الطوارئ في السلم والحرب.
صعوبات ونقص.. ما الإيجابيات؟
أهم ما تواجهه منظومات الإسعاف من مصاعب، حسب تقدير رئيس الإحالة والطوارئ في مديرية صحة إدلب، الدكتور مصطفى مناع، هو الاستهداف الممنهج لسياراتها وللكوادر الطبية العاملة على إنقاذ الجرحى والمصابين.
وكان لذلك الاستهداف، مع التصعيد العسكري الذي ما زالت مناطق إدلب الجنوبية تتعرض له منذ نيسان الماضي، أثر على النقص الذي تعانيه بعض المناطق، حسبما قال منسق الإسعاف في منظمة “شام الإنسانية”، المعروف باسم “أبو الوليد سلمو”، لعنب بلدي.
ومع تغطية معظم المشافي والمراكز الطبية، يفتقد عدد من القرى النائية، ومناطق في جبل الزاوية والساحل، لسيارات الإسعاف الضرورية لتحسين الاستجابة، ولتقليل التكاليف، وفق سلمو.
واعتبر سلمو أن فائدة “غرفة العمليات” تكمن في توفير الوقت والتكلفة، التي كانت تعانيها منظومات الإسعاف عند استجابة أكثر من سيارة لحالة إسعافية واحدة، مشيرًا إلى أن التواصل ليس مقتصرًا على المنظومات بل يتعداها للتواصل مع المشافي داخل محافظة إدلب وخارجها في تركيا لتنسيق نقل الحالات عبر المعابر الحدودية.
ويعتمد سائقو سيارات الإسعاف على توجيهات المراصد وغرفة تنسيق العمليات، لتحاشي القناصة والصواريخ، والوصول إلى الجرحى بأسرع ما يمكن، إن كان في الليل أو في وضح النهار.
إلا أن سائق سيارة الإسعاف التابعة لـ”منظمة شام الإنسانية”، عبد الستار سلوم، لم يبتعد وهو يقف وسط أشلاء ضحايا مجزرة السوق في مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، عند حصول الغارة الثانية، التي وقعت بمكان ليس ببعيد دون أن تصبه مع زملائه بالأذى.
لكن لم يمتلك جميع مسعفي “منظمة شام الإنسانية” الحظ نفسه، وهم يتحاشون استهداف طائرات النظام السوري وحليفته روسيا في أثناء إسعاف الجرحى، إذ قتل 11 منهم وقصفت 16 من سياراتهم، حتى الآن.