عنب بلدي – محمد حمص
تلاشت أحاديث النوايا المتبادلة بين الدول المؤثرة والمهتمة بالقطاعات الاقتصادية السورية، واتضح واقع قطاع الكهرباء السورية الذي تقاسمته كل من إيران وروسيا في إطار التحضير لعملية إعادة الإعمار المتوقعة.
توزعت عقود حكومة النظام السوري بين روسيا وإيران، في وقت تسيطر فيه الأولى على السدود بحكم الخبرة والتعاقدات القديمة مع الاتحاد السوفيتي، بينما دخلت الثانية على خط التعاقدات الكهربائية بين التحويل والتوليد وعملية التطوير. ولكن ما لا يمكن تأكيده، هو ما إذا كان هذا التوزع يأتي في إطار التنافس أم التقاسم.
عنب بلدي رصدت المشاريع الإيرانية والروسية والعقود التي وُقعت مع حكومة النظام السوري في قطاع الكهرباء، وناقشت توزع تلك المشاريع بين القوتين المتدخلتين في الشأن السوري.
مصادر الطاقة الكهربائية في سوريا
تنقسم مصادر الطاقة الكهربائية في سوريا إلى طاقة متجددة، تندرج تحتها المحطات الكهرومائية، وأكبرها محطة سد الطبقة في مدينة الثورة شمال شرقي سوريا، وتشرين في منطقة أبو قلقل في محافظة حلب شمالي سوريا، ومحطات حرارية تعمل إما بالغاز أو الفيول وأكبرها محطة حلب، التي تنتج 1065 ميغاواط، ومحطة جندر في محافظة حمص وهي أكبر المحطات من حيث الإنتاج بواقع 1100 ميغاواط ساعي.
تضررت العديد من المحطات خلال الحرب في سوريا، ولكن الأرقام الدقيقة لأضرار القطاع الكهربائي غائبة، والإحصائية الأخيرة للخسائر كانت على لسان رئيس الحكومة الحالي ووزير الكهرباء السابق، عماد خميس.
وبلغت خسائر القطاع، وفق ما قاله خميس، في جلسة استجواب له بمجلس الشعب، في شباط من عام 2016، 1500 مليار ليرة سورية، بحسب الأسعار في تلك الفترة للمواد وتجهيزات المنظومة الكهربائية، منذ عام 2011 حتى تاريخ التصريح.
وقال خميس إن خمس محطات تحويل كبيرة من أصل 13 محطة تبلغ قيمة الواحدة منها 20 مليون يورو تعرضت للاعتداء من قبل ما وصفها بـ”المجموعات الإرهابية”.
عقود إيران للطاقة الكهربائية في سوريا
دخلت إيران على خط إنتاج الكهرباء في سوريا، وتنوعت عقودها بين تطوير المنظومة وإنشاء محطات توليد وتحويل توزعت في عدة محافظات، منها حمص واللاذقية وحلب، بالإضافة إلى اتفاقية عامة تشمل تطوير القطاع الكهربائي والتجهيزات الخاصة به.
ومنذ أيلول الماضي، وقعت إيران أربعة عقود مع حكومة النظام السوري، أولها اتفاقية محطة حمص، في 5 من أيلول الماضي، حينما وقعت الشركة الدولية للتقنيات التعليمية السورية مع شركة “نوفن” الإيرانية، المختصة بإنتاج الطاقة الكهربائية بالطاقة المتجددة، اتفاقية تعاون لتوليد الطاقة الكهربائية في المناطق الواقعة بين حمص وحسياء، بطاقة إنتاجية مبدئية 5 ميغاواط، دون توضيح الحد الأقصى للطاقة الإنتاجية للمحطة، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
الاتفاقية الثانية كانت تسليم القطاع الخاص الإيراني محطة لتوليد الكهرباء بقدرة 540 ميغاواط في مدينة اللاذقية، بحسب تصريح وزير الطاقة الإيراني، رضا أردكانيان، على هامش اجتماع مجلس الوزراء الإيراني، لوكالة “تسنيم” الإيرانية، في 25 من أيلول الماضي، مضيفًا أن تصدير الخدمات الفنية والهندسية الإيرانية يتم على مستوى المنطقة وخاصة في مجال الماء والكهرباء.
نقل محطة التوليد، وفق الوزير الإيراني، جاء في إطار مشروع استثماري مشترك، معتبرًا أن المشاركة مع مستثمرين أجانب في إعادة بناء قطاع الكهرباء في سوريا مهم لإيران.
وفي مطلع تشرين الثاني الماضي، وقع وزير الكهرباء، محمد زهير خربوطلي، ونظيره الإيراني، رضا أردكانيان، اتفاقية تتضمن منظومة الكهرباء وتطوير التجهيزات الكهربائية في سوريا، وتشمل العمل على إعادة بناء منظومة الكهرباء في سوريا، وتوطين صناعة التجهيزات الكهربائية، وتشمل إنشاء محطات توليد الكهرباء وشبكات النقل والتوزيع والعمل على إعادة بناء وتقليص التلف في شبكة توزيع الكهرباء، في مجالات الهندسة والتشغيل وخدمات الزبائن، وفق ما ذكرته وكالة “سانا“.
ودار الحديث عن اتفاقية جديدة بين الجانبين، حينما أعلن خربوطلي أن إحدى الشركات الإيرانية ستزور سوريا، للتعاقد لتأهيل محطة كهرباء حلب، موضحًا أن الجدولة المالية التي أُدرجت في العقد مع الشركة ستكلف نحو 93 مليون دولار أمريكي، وفق ما ذكرته صحيفة “الوطن” المقربة من النظام السوري، في تشرين الأول الماضي.
وهذا العقد الثاني لإيران حول محطة حلب، إذ كان الأول مع شركة “آر بي آر سي” التابعة لوزارة الطاقة الكهربائية لإعادة تأهيل المحطة بطاقة عمل 1065 ميغاواط.
روسيا تضع يدها على الطاقة الكهرومائية
في وقت توسعت فيه الاستثمارات الإيرانية في قطاع الكهرباء، اتجهت روسيا إلى محطات الطاقة المتجددة (الكهرومائية) ووضعت يدها على سدين في المناطق الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا.
إذ بدأت روسيا بعمليات ترميم محطة “البعث” الكهرومائية في مدينة الرقة، التي أعلن عنها مسؤول مركز المصالحة الروسي، ومركزه قاعدة “حميميم” على الساحل السوري، فلاديمير فارنافسكي.
واعتبر فارنافسكي، وفق ما نقلته وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، في كانون الأول الحالي، أن السد نقطة مهمة واستراتيجية في وادي الفرات، وأن “العمل المستدام للمنشآت الصناعية وتطوير المشاريع (…) يعتمد على التشغيل المستقر لمجموعة كاملة من محطات الطاقة الكهرومائية”.
كما وضعت روسيا يدها على محطة الطاقة الكهرومائية في سد “تشرين” بالقرب من مدينة حلب، وسلمتها للنظام السوري، قبل أن تتصرف بجزء من الطاقة المنتجة بإعطائها للأتراك الذين سيطروا على جزء من الحدود السورية مع تركيا، إذ أعلنت وزارة الدفاع التركية، في 8 من كانون الأول الحالي، الاتفاق مع روسيا على سحب الكهرباء من سد “تشرين” إلى المناطق التي سيطرت عليها في تل أبيض وعين عيسى.
تقاسم أم تنافس
يرى الباحث والمحلل الاقتصادي يونس الكريم، في حديث إلى عنب بلدي، أنه من الطبيعي أن تضع روسيا يدها على السدود، لأن الاتحاد السوفيتي سابقًا هو من أنشأها باتفاقيات مع النظام السوري، ولدى الروس مخططات تلك السدود، وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون روسيا هي من تدير الأمر، فضلًا عن خبرتها القوية في مشاريع كهذه عكس إيران.
وفرق كريم بين نوعين من محطات الكهرباء، أحدها لتوليد التوتر العالي وآخر لتحويل التوتر العالي إلى كهرباء منزلية، وهذا التحويل يحتاج إلى مولدات ضخمة ذات تكاليف عالية، مشيرًا إلى أن روسيا قبل تشتت النظام الحالي استحوذت على الاستثمارات، قبل أن يُدخل الأخير إيران لتضع قدمها في مناطق الروس مانعًا روسيا من فرصة الاستيلاء على الساحل بشكل كامل، بحسب كريم.
وأشار كريم إلى أن هناك تناغمًا بين روسيا وإيران من ناحية المشاريع، حيث تضع إيران يدها على المشاريع القريبة من الناس بخلق حاضنة لاستثمارات طويلة الأجل ذات أرباح، بينما تضع روسيا يدها على المشاريع الجاهزة.
وعلى الرغم من ضعف تلك الأرباح، تعتبر ميزتها، وفق المحلل الاقتصادي، كسب قوة ضاغطة في الشارع السوري، بالوقت الذي يعمل الروس على تفكيك الدولة وإعادة بنائها على طريقتهم الخاصة.
وبحسب رواية النظام السوري، فإن عنفات التوليد المائية تعرضت للسرقة أو الضرر بسبب الحرب، ليتم منح هذه المشاريع (إعادة التأهيل) إلى الشركات الروسية بسبب التكاليف الباهظة، مقابل شراء الكهرباء من روسيا وضخها بالشبكة العامة للمواطنين، وهذا ما أفصح عنه وزير الكهرباء، محمد زهير خربوطلي، في تموز الماضي.
وأشار كريم إلى أن الدولة تبيع الكهرباء للناس بالسعر المدعوم وتدفع الأقساط من الموازنة العامة وتحمّل السكان بقية الأعباء.
وحول الاستثمارات الروسية في المنطقة، قال كريم إنها تركز على الحصول على مشاريع جاهزة، كمشروع ميناء اللاذقية، لأن الروس يريدون تحصيل أموالهم التي دفعوها في تدخلهم بسوريا، بالإضافة إلى نسبة من الأرباح.