إبراهيم العلوش
أُقرّ قانون قيصر مرة أخرى في 11 من كانون الأول الحالي، في مجلس النواب الأمريكي، ضمن ماراثون لا يزال مستمرًا منذ العام 2016، فهل يضع هذا القانون نهاية لنظام الأسد، أم أنه مجرد مرحلة تتوافق مع هذا التلاعب الدولي في المأساة السورية؟
سُمّي هذا القانون بالاسم الحركي لمصور عسكري سوري منشق، كان يصور ضحايا التعذيب والجثث التي تنتجها فروع مخابرات نظام الأسد منذ بدء الثورة السورية 2011، وقد تمكن هذا الرجل من تسريب 55 ألف صورة لـ11 الفًا من جثث ضحايا التعذيب، بالأسماء والرموز وأرقام فروع المخابرات التي قامت بهذه الأعمال ضد أطفال ونساء ورجال مدنيين وعسكريين.
طُرح قانون قيصر (سيزر) في العام 2016، ورفض الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، إقراره دعمًا لمحاولاته الفاشلة في ترويض إيران واحتواء ممارساتها العنيفة ضد شعوب المنطقة، مع مسامحتها بالضحايا السوريين وبتدمير سوريا كعربون صداقة، لكن إيران شعرت بالغرور وامتدت اعتداءاتها لتصل هذا العام إلى منصات النفط السعودية، وصارت تهدد بشن المزيد من الحروب في الخليج والبحر الأحمر ناهيك عن لبنان واليمن وسوريا، لكن القانون أعيد طرحه مرات عديدة كانت آخرها في كانون الأول الحالي، وفي أيار الماضي أيضًا، حيث أُقرّ هذه المرة منفردًا في مجلس النواب وضمن موازنة وزارة الدفاع، وليس كقانون في رزمة من القوانين التي اعتادت البازارات السياسية تمريرها بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
عُرضت الصور التي هرّبها قيصر في مختلف أنحاء أوروبا والعالم، ومنها باريس التي فتحت تحقيقًا رسميًا بهذه الجرائم، ولم يكن مصير تحقيقاتها أفضل من مصير محاكمتها لرفعت الأسد الذي يعيش في فرنسا سعيدًا، ويستثمر أمواله في أوروبا منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وتحت نفس العنوان الذي يدّعي محاسبة نظام الأسد على جرائمه في هذا الماراثون الذي يمر أيضًا في المحكمة الدولية لمحاسبة قتلة رفيق الحريري في لبنان من قبل عملاء المخابرات السورية بالتعاون مع “مجاهدي” حزب الله.
يتضمن قانون قيصر، الذي سيُقر بشكل كامل بعد عرضه على مجلس الشيوخ، عقوبات صارمة على النظام ومرتكبي جرائم التعذيب من رجالاته، ويفرض حظرًا على داعمي النظام وعلى المتعاملين معه لحين إقرار حل سياسي متكامل، وإطلاق المعتقلين، ومحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الشعب السوري، وهذا سيتضمن أيضًا العقوبات على أعمال إعادة الإعمار التي تنتظرها الشركات الروسية والإيرانية، وتنتظر التمويلات الدولية لها، ويجعل هذا القانون أي تدفق مالي إلى البنك المركزي السوري شديد الصعوبة ما دام نظام الأسد قائمًا على رأس الدولة السورية.
يأتي الإقرار المبدئي لهذا القانون بعد تصريح الخارجية الروسية بأن مفاوضات اللجنة الدستورية قد تستمر طويلًا مثل مفاوضات الصراع العربي- الإسرائيلي. فاللجنة الدستورية التي استغرق إنشاؤها أكثر من سنتين، ستستغرق سنوات طويلة في محادثات ماراثونية تتوافق مع الرغبة الدولية السائدة لمهادنة إيران من قبل الأوروبيين، الذين ينظرون إلى إيران كدولة بترولية تعد بالاستثمارات الكبيرة، خاصة أن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أعلن قبل عدة أسابيع عن اكتشاف حقول جديدة تقدر مخزوناتها بـ53 مليار برميل.
ويأتي هذا القرار أيضًا بالتزامن مع تصريح وزير الخارجية الإيطالي قبل أيام حول ضرورة إعادة تأهيل الأسد وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع نظامه، وكذلك مع تصريحات المجر حول واجب إعادة تأهيل الأسد من أجل الاستفادة من مشاريع إعادة الاعمار.
لكن إقرار هذا القانون، إن تم بشكل نهائي، سيعيد تحكم الولايات المتحدة في الشأن السوري بقوة، وسيرمي بكل قرارات إعادة تأهيل نظام الأسد جانبًا، ويضع الفيتو الأمريكي على كل أشكال التطبيع مع نظام الأسد حتى ولو كان على شكل بيع البترول، الذي تمارسه الإدارة الذاتية في الجزيرة السورية، الحليفة للقوات الأمريكية هناك.
بكى المصور قيصر فرحًا عند إقرار القانون بشكل أولي، وهو مثل السوريين جميعًا، بانتظار نهاية ماراثون إقرار هذا القانون، الذي ابتدأ منذ العام 2016 أسوة بانتظارهم الطويل لقوانين كانت تعد بمحاسبة نظام الأسد منذ الثمانينيات، فهل يكون هذا القانون فاعلًا في الاقتصاص لضحايا نظام الأسد، وهل سيجبر نظام الأسد على التوقف عن القتل والتعذيب والتهجير، والرضوخ لحل سياسي يعيد بناء سوريا بوجه حضاري جديد، أم أن هذا الانتظار لا يعدو إلا أن يكون واحدًا من الانتظارات الطويلة التي لم يفِ المجتمع الدولي بالتزاماته فيها. ومن المحزن أن النائبتين الأمريكيتين من أصل عربي (إلهان عمر ورشيدة طليب) صوتتا ضد هذا القانون، الذي يحاسب قتلة أكثر من نصف مليون سوري، بحجة أنه جزء من قانون موازنة وزارة الدفاع.
الأمهات والآباء السوريون ينتظرون من يوقف حزنهم ويقتص لهم من هذا النظام، الذي يدمّر كل يوم أجزاءً جديدة من سوريا، ويقتل سوريين جددًا حتى لو كانوا في المستشفيات، أو في دور العبادة، أو كانوا مصطفين أمام الأفران لشراء الخبز!