محمد حسام حافظ – ذا هيل
يُجمع العديد من المراقبين الدوليين على أن سوريا على وشك الانهيار، فهم يخمّنون أن سقوط الأسد سيؤدي إلى تدمير مؤسسات الدولة وانتشار الفوضى، ولكنهم مخطئون.
وانشقّ العديد من الرجال والنساء الذين سبق وعملوا في الدولة السورية بشكل جماعي، وهم الآن يؤسسون منظمات ومؤسسات دولة جديدة أفضل من تلك التي يديرها الأسد، الأمر الذي من شأنه أن يمكنهم من النهوض من تحت الرماد الذي خلّفه حكمه الوحشي.
وتعيش سوريا في ظل ديكتاتورية الأسد ولكنها ستحيا من جديد؛ في الواقع، سقوط الأسد فقط هو الذي يستطيع حماية الدولة السورية ويسمح لها بإعادة بناء نفسها من جديد.
مؤسسات سياسية لإدارة البلاد
تشكّل التجمع الوطني الحر للعاملين في مؤسسات الدولة السورية، الذي يديره سوريون أحرار انشقوا عن مؤسسات الدولة، عام 2012 في محاولة لإعادة بناء سوريا الحديثة والديمقراطية.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية تجمع الآلاف من السياسيين المنشقين عن الأسد وموظفي الخدمة المدنيين، بالإضافة إلى موظفين في مجالات أخرى، وانضم إلى صفه نسيج متنوع من المجتمع السوري، يشمل الدبلوماسيين والقضاة والمحامين وأساتذة الجامعات والأطباء، والذين يُدرّبون مهنيًا بشكل فردي للمساعدة في بناء دولة سوريا المدنية الحديثة.
وتحمل الغالبية العظمى من المنشقين المدنيين تصورات عن سوريا الديمقراطية المتعددة الأحزاب، التي تحمي كل الطوائف الدينية على تنوعها وتضمن حقوقها، والذين انشقوا ردًا على قمع النظام الوحشي للحركة الديمقراطية في البلاد.
ويعمل هؤلاء الأشخاص بمهنية وشجاعة، إذ يدير الكثير منهم أعمالهم في المناطق المحررة على الرغم من الحصار المستمر والقصف البربري من قوات الأسد والميليشيات المتحالفة معه، وتجد في بعض الأحيان هؤلاء الموظفين يعملون رغم المردود القليل الذي يحصلون عليه.
ويسعى هؤلاء الموظفون جنبًا إلى جنب إلى إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة بعد التحول السياسي في البلاد، إذ سيتم تكليفهم لإدارة البلاد وتسييرها تحت القانون، ويعتبر استمرار الأسد عائقًا أمام جهودهم إذ إن استمرار الدائرة الداخلية التابعة لحكومة الأسد يضعف العمل ويؤدي إلى تقويض سوريا.
تاريخ “أسود” لنظام الأسد
نحن بحاجة إلى النظر إلى الوراء عبر تاريخ سوريا وآثار نظام الأسد الضارة لنفهم لماذا.
ومع بزوغ فجر استقلال سوريا عام 1946 ظهر النظام البرلماني الليبرالي والثقافة السياسية الديمقراطية، ومع سلسلة الانقلابات انحجب هذا الفجر وتآكلت الديمقراطية حديثة الولادة في سوريا.
وتغير الدستور السوري مرارًا وتكرارًا، ما أدى إلى الحد من هيبة وسيادة القانون، وقد بلغت هذه الاتجاهات السلبية ذروتها بعد انقلاب حافظ الأسد، والد الديكتاتور الحالي عام 1970، الذي قضى على جميع عناصر الثقافة السياسية الديمقراطية، وحوّل الدولة السورية إلى أداة للقمع في ظل سيطرة ثلاث طبقات على الحكم.
الطبقة الأولى هي العسكرية والاستخباراتية، الأكثر قسوة والتي تمثل “القبضة الحديدية” وهي من سمح للأسد بالتشبث بالسلطة رغم معارضة واسعة النطاق من الشعب السوري في ظل فساد مستشرٍ، إذ من المعروف أن السلوك الذي يُسيّر هذه الطبقة هو المحسوبية من قبل الطائفة العلوية المؤيدة للأسد.
وتتمثل الطبقة الثانية بحزب البعث الذي يرأسه حافظ الأسد ومصدر شرعيته، وعلى الرغم من أن الحزب كان له الحق نظريًا في انتخاب رئيس جديد إلا أنه تحول إلى حجرة عبادة للطائفة، وقد وضع الدستور السوري عام 1973 بعد سيطرة الأسد وحلفائه على الساحة السياسية واستخدم لجعل حزب البعث الحاكم الوحيد للدولة والمجتمع.
كل ذلك سمح لنظام الأسد بالهيمنة على اثنتين من الطبقات العليا في الدولة السورية، واللتان كانتا كافيتين لتجميع أجهزة الدولة المترامية الأطراف وخدمة الملايين من ذوي”الاحتياجات المعقدة”.
واضطر الأسد للتعامل مع العنصر الثالث في الدولة وقطاع الخدمات المدنية، الشيء الذي لا يمكن تدميره، رغم حقده السياسي كما اخضع القطاع المدني لأول مرة لحزب البعث والسلطة العسكرية والاستخباراتية، ولكنه نجا في النهاية.
“كفاءات مهنية” رغم الفساد
بطبيعة الحال، من المعروف أن القطاع المدني في سوريا يعاني من الفساد المالي والإداري على نطاق واسع في ظل نظام الأسد، الذي نشر على مدى السنوات الأربع الماضية العديد من مؤسسات المجتمع المدني في حربه “القذرة” ضد الشعب السوري.
ومع ذلك عززت الخدمة المدنية في عهده العديد من الكفاءات المهنية التي شملت جميع شرائح المجتمع السوري، منهم موظفون خدموا وطنهم بإخلاص في ظل نظام الأسد وانشقوا الآن ليستمروا في خدمة وطنهم من خلال المساعدة في توحيد السوريين ضد القمع الأسدي الدموي.
يشعر السوريون بخيبة أمل في ظل استغلال الأسد لمؤسسات الدولة، لكنهم يعلمون الضرورة المطلقة للموظفين المدنيين وموظفي قطاعات الدولة الآخرين لتحقيق السلام والاستقرار في أي انتقال سياسي، وبالتالي التمييز بين مؤسسات الدولة السورية والمافيا التي تدير سوريا.
بالفعل، أنجز التجمع الوطني الحر خلال السنوات الثلاث الماضية ما لم يكن يحلم به في ظل الحقد الأسدي السياسي، نحن مستعدون للتوحد مع جميع موظفي الخدمة المدنية الشرفاء داخل الحكومة لإعادة بناء الدولة السورية ومواجهة المتطرفين الذين يمارسون العنف ويهددون بلدنا الآن.
وعلى أي حال، لن يعقّد وجود بقايا من حكم الأسد في الدولة السورية الجديدة، الجهود المبذولة في بنائها، فنجاة مؤسسات الدولة المدنية في سوريا خلال 50 عامًا من حكم الأسد تعتبر معجزة، ونحن نقول أن انهيار نظام الأسد هو خطوة أولى وضرورية نحو إعادة بناء سوريا كدولة ديمقراطية حديثة تستجيب لشعبها.
محمد حسام حافظ، هو رئيس التجمع الوطني الحر للعاملين في مؤسسات الدولية السورية.
ترجمة عنب بلدي، لقراءة المقال باللغة الإنكليزية من المصدر اضغط هنا.